صدر عن اللجنة الدولية المكلفة التحقيق في جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق الشهيد رفيق الحريري الذي اغتيل في 14 شباط فبراير 2004، حتى الآن 6 تقارير، منذ اعلان الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان بدء التحقيق رسمياً في 16 حزيران يونيو 2005. والتقارير الصادرة عن اللجنة التي انشئت بقرار دولي حمل الرقم 1595 في 7 نيسان ابريل 2005، هي اثنان للرئيس الأول للجنة القاضي الألماني ديتليف ميليس، و4 لخلفه القاضي البلجيكي سيرج براميرتز. وبلغ عدد الموقوفين نحو 12 موقوفاً أبرزهم الضباط الأربعة المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد، والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج، والمدير السابق لمخابرات الجيش اللبناني العميد ريمون عازار، وقائد الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان. وعلى رغم أهمية التقارير كافة، كان التقرير الأول وقع كال"الصاعقة"اذ تضمن اسماء المشتبه بهم من ضباط وقيادات سورية ولبنانية، إلا أن التقارير الأربعة الأخيرة التي صدرت عن براميرتز لم تتحدث عن أسماء"حفاظاً على سرية"التحقيق الذي لا يزال مستمراً. صدر التقرير الأول لميليس يوم الجمعة في 21 تشرين الأول أكتوبر 2005، وحمل عناوين عدة أبرزها أن"الجريمة ارتكبتها مجموعة ذات امكانات وقدرات كبيرة"، و"تأثير ضباط الاستخبارات السورية كان كبيراً واستراتيجياً في حكم لبنان"،"مسؤول لبناني اسمه x قال لرستم غزالة:"ليذهب الحريري الى الجحيم"و"خطوط الخليوي المدفوعة مسبقاً أحد أهم الدلائل في التحقيق"و"لجنة التحقيق طلبت من سورية معلومات عن شخص اسمه خالد طه"و"الكثير من المعلومات عن أحمد أبو عدس واختفائه تشير الى سورية"و"أحمد عبد العال اتصل قبل دقائق من الجريمة ب"الرئيس اميل لحود ومدير المخابرات السابق العميد ريمون الموقوف عازار وكان كثير الاتصال ب قائد الحرس الجمهوري الموقوف مصطفى حمدان". وخلص التقرير الذي استغرق العمل فيه 250 يوماً، الى أن"ثمة تورطاً اكيداً لمسؤولين أمنيين كبار في سورية ولبنان في جريمة الاغتيال"، مؤكداً أن"ثمة أدلة متطابقة تثبت في آن معاً التورط اللبناني والسوري في هذا العمل الارهابي". وأشار التقرير إلى انه اجريت اتصالات عدة بين عبدالعال وجهاز أمن الدولة يوم الانفجار بما في ذلك بالعميد فيصل رشيد رئيس الجهاز هذا في بيروت وآخرين. وقال التقرير ان أحمد عبدالعال"أجرى مكالمة قبل الانفجار بدقائق، الساعة 12.47 بواسطة الهاتف المحمول بالرئيس اللبناني اميل لحود". وأشار ميليس إلى ان الأدلة التي تدين قائد الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان تتضمن اتصالات هاتفية والتدخّل في التحقيق القضائي اللبناني، وأن أحمد أبو عدس الذي زعم في شريط فيديو انه نفّذ الاغتيال"يجعل من أحمد عبدالعال محوراً رئيسياً في أي تحقيق". وذكر التحقيق الدولي ان من بين الأشخاص الذين كانوا على علم مسبق بقرار اغتيال الحريري النائب السابق ناصر قنديل والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج موقوف. وقال أحد الشهود الذين استجوبتهم اللجنة ان اللواء جميل السيّد موقوف تعاون بشكل وثيق مع العميدين مصطفى حمدان وريمون عازار في التحضير لعملية الاغتيال، في حين ان السيّد نسق أيضاً مع العميد رستم غزالة الرئيس السابق لجهاز الأمن والاستطلاع السوري في لبنان ومع آخرين من ضمنهم"أشخاص من مجموعة أحمد جبريل"الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة. ووفق التقرير، فقد وفّر حمدان وعازار الدعم اللوجستي لعملية الاغتيال الأموال، الهواتف الخليوية، السيارات، أجهزة الاتصالات اللاسلكية، الأسلحة، الخ.... وقال أحد الشهود انه التقى العميد مصطفى حمدان في منتصف تشرين الأول اكتوبر 2004 ودار بينهما حديث وصف خلاله حمدان الحريري بأنه"مؤيد لإسرائيل وسوف نرسله في رحلة. وداعاً وداعاً حريري". وقدّم المحققون أدلة على ان صهر الرئيس السوري بشار الأسد، اللواء آصف شوكت قد يكون شارك في إجبار أحمد أبو عدس على تصوير فيلم الفيديو الذي أعلن فيه مسؤولية جماعة"النصرة والجهاد"عن عملية الاغتيال، وذلك قبل أسبوعين من تنفيذها. وأشار التقرير إلى أن الاغتيال تم فوق الأرض وإلى عدم وجود أدلة على ان أحمد أبو عدس قاد السيارة المستعملة في العملية. وذكر أن استعمال اسم أبو عدس لم يكن سوى لتضليل التحقيق وأن الشريط الذي بثته شبكة"الجزيرة"الفضائية أرسل من دمشق إلى بيروت إلى اللواء جميل السيّد حيث تم وضعه في منطقة الحمراء والاتصال بمدير مكتب المحطة في بيروت غسان بن جدو لتسلمه وبثه على الهواء. وقبل أن يسلم ميليس تقريره الى أنان حذفت منه فقرة نشرت في اليوم التالي نقلاً عن"يونايتد برس انترناشيونال"الأميركية، تتضمن أسماء عدد من الضباط الأمنيين اللبنانيين والسوريين، هم ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الاسد، وآصف شوكت رئيس الاستخبارات العسكرية السورية وصهر الرئيس السوري، وحسن خليل الذي كان يرأس الاستخبارات، وبهجت سليمان الذي كان يشغل منصب مدير الفرع الداخلي في جهاز أمن الدولة، وجميل السيد. وكذلك تحدث التقرير عن عدم تعاون سورية مع اللجنة ما حدا بمجلس الأمن الى اتخاذ قرار حمل الرقم 1636 بتاريخ 31 تشرين الأول اكتوبر، يتحدث عن"تعاون سورية شكلاً لا مضموناً، وان مسؤولين سوريين حاولوا تضليل التحقيق من طريق اعطاء معلومات مغلوطة او غير دقيقة". وقرر أن"استمرار سورية في عدم التعاون في التحقيق سيشكل انتهاكاً خطيراً لالتزاماتها بموجب القرارات ذات الصلة 1373 2001 و1566 2004 و1595 2005. التقرير الثاني أما في تقريره الثاني، الصادر في 12-12-2005، فأشار ميليس الى"أن خطوط التحقيق المهمة في جريمة الاغتيال بعيدة من نهايتها"و"أن دمشق حاولت عرقلة مهمة اللجنة"و"أن غزالة اتهم الحريري بخرق هدنة مع لحود او ما عرف ب"بروتوكول دمشق". وشدد على"شبهة بوجود دوافع شخصية وسياسية وراء الجريمة"، محملاً"سورية مسؤولية تأخر كبير وأجوبة متناقضة في استجواب ستة مسؤولين سوريين مشتبه بهم". تقارير براميرتز وبعد التقريرين المثيرين لميليس، جاء التقرير الثالث لخلفه براميرتز أكثر هدوءاً وبعداً من ذكر الأسماء، مكتفياً بعرض الحال التي بلغها التحقيق وبخاصة التوصل الى تفاهم مشترك مع سورية في شأن الطرق العملية التي تتبع قانونياً للوصول الى الافراد والمواقع والمعلومات والاتصالات مع الحكومة. وأبدى براميرتز"تفاؤله"بأن التقدم الذي تحقق في التحقيق"سيوفر عناصر حاسمة لتحديد هوية المسؤولين عن هذه الجريمة على كل المستويات ولجعلهم يدفعون الثمن"، مشيراً الى ان تعاوناً سورياً اسرع مع اللجنة سيكون"ضرورياً"لمتابعة عملها. أما التقرير الرابع الثاني لبراميرتز فجدد فيه رغبته في القيام باستقصاء أوسع مشدداً على"أنّ وضع المعلومات المتعلّقة بالشهود والمشتبه فيهم على الملأ سيكون مخالفاً لمبادئ الانصاف والعدالة ويعطل الغاية المتوخاة لهما وقد يكون مضرّاً بأيّ قضيّة قد تحال على المحكمة". وعلى رغم هذه السرية التي دمغت التقريرين السابقين لبراميرتز واقتصار مضمونهما على سرد قضايا تقنية واستعادة بعض ما ورد في تقارير سابقة، فان تقريره الثالث، وهو الخامس في سلسلة التقارير، جاء ليحسم مسألة طريقة التفجير ليقول إنه حصل بعملية انتحارية. وجاء في التقرير المنشور في 26 أيلول سبتمبر 2006 أن"التفجير الذي استهدف الحريري نفذ على الارجح باستخدام 1800 كيلوغرام من المتفجرات وليس 1200 كيلوغرام، وان منفذه قضى في الانفجار وان المتفجرة وضعت فوق الأرض"، متحدثاً عن"عدد من الخيوط الجديدة، قدمت معلومات اضافية وستوفر روابط إضافية تجاه أولئك الذين نفذوا الجريمة". واعتبرت اللجنة من جهة ثانية ان التحقيقات تعزز القناعة بوجود رابط محتمل بين 14 اعتداء ارتكبت في لبنان بين تشرين الاول اكتوبر 2004 وكانون الاول ديسمبر 2005، وبينها عملية التفجير التي ادت الى اغتيال الحريري. وفي شأن سورية، قالت اللجنة ان تعاونها مع التحقيق كان"مرضياً بصورة عامة"، لكنها واصلت مطالبتها"بالتعاون التام"وهو تعاون اعتبرته اللجنة"حاسماً بالنسبة إلى النجاح في انجاز عملها بصورة سريعة". وفي تقريره السادس قال براميرتز إن التحقيق وصل إلى"مرحلة حسّاسة للغاية"، رافضاً وضع المعلومات المتعلقة بالشهود والمشتبه بهم في التداول العلني"لأن ذلك يناقض مبادئ الانصاف والعدالة". وكرر تأكيده انّ العبوة الناسفة التي أودت بحياة الرئيس الحريري، كانت موضوعة في شاحنة الميتسوبيشي، معرباً عن اعتقاده بأنّ"انتحارياً محتملاً أقدم على التفجير واظهر تحليل ال DNA لسنه انه لم يمض شبابه في لبنان، ولم يأت إلى لبنان إلا في الشهرين أو الأشهر الثلاثة التي سبقت موته"وإن كانت هناك بقايا بلاستيكية تشير إلى إمكان أن يكون التفجير حصل بواسطة أسلاك كهربائية". وكشف براميرتز انّ كميّة كبيرة من مادة"آر.دي.اكس"استعملت في العبوة الناسفة، مشيراً إلى انّ هذه المواد الشديدة الانفجار الممزوجة مع مادة"تي.ان.تي"، تُستعمل خصوصاً في العمليّات العسكريّة. وكشف أيضاً"العثور"عن شريط كاميرا فندق فينيسيا الذي كان"مفقوداً"، وتكلم عن شخص أتى إلى مسرح الجريمة قبل ثوان من حصول الانفجار. وقال انّ اللجنة تواصل عملها على سيناريوات عدّة في فحصها دوافع اغتيال الحريري، ومن بينها: 1 انّ الحريري كان ضحية مجموعة متطرّفة اغتالته بسبب علاقاته بدول أخرى في المنطقة وفي الغرب، 2 موقف الحريري بما يتّصل بالقرار 1559، 3 تمديد ولاية الرئيس اللبناني اميل لحود يمكن أن يكون من بين العوامل، 4 أن يكون الحريري اغتيل قبل نجاحه المحتمل في انتخابات أيار مارس 2005، 5 علاقة الحريري بصحيفة"النهار"، 6 إرادة الحريري في فضح سرقة الأموال من"بنك المدينة". وإذ لفت إلى انّ دوافع عدّة يمكن إعطاؤها صدقيّة، انتقل إلى معالجة جرائم الاغتيالات ومحاولات الاغتيال والتفجيرات في المناطق، فأبقى على اقتناعه بأن هناك روابط بين عدد من هذه الجرائم بعضها ببعض وبقضية الحريري أيضاً، ومن بينها على سبيل المثال وجود علاقة بصحيفة"النهار"بين مروان حمادة ورفيق الحريري وسمير قصير وجبران تويني، وصلة بين هؤلاء وجورج حاوي بحركة 14 آذار وبتجمّع البريستول. ثم أفرد التقرير مساحة لجريمة اغتيال الوزير والنائب بيار الجميّل.