القاهرة تعقد الملتقى الدولي الأول للشعر، بيروت تحيي الذكرى الخمسين لانطلاق مجلة "شعر"، الرباط تطلق مجلة "موزاييك" الشعرية في لغات ثلاث: العربية والفرنسية والانكليزية، دمشق تصدر للمرة الأولى الاعمال الشعرية الكاملة للشاعرة سنية صالح التي عاشت في ظل زوجها محمد الماغوط، الجزائر تحيي أمسيات شعرية متواصلة في مناسبة اختيارها عاصمة ثقافية عربية للعام 2007،"كتاب في جريدة"ينطلق في مشروعه الشعري العربي الشامل، والجزء الأول"مختارات من الشعر العراقي"وسيغطي المشروع كل البلدان العربية... الشعر بخير إذاً في العالم العربي بحسب ما"تشي"به هذه العناوين الكبيرة، علاوة على المشاريع الشعرية الصغيرة التي تشهدها العواصم ومنها مشروع"دار النهضة العربية"في بيروت، الذي يسعى الى"احتواء"الشعراء العرب ونشر أعمالهم في سلسلة واحدة، بغية اجراء ما يشبه الحوار الشعري العربي... مَن يستطيع أن يقول إن الشعر العربي الراهن يعاني"أزمة"؟ مَن يقدر ان يعلن ان هذا الشعر يشهد حالاً من التراجع فيما الشعراء يزدادون والدواوين تملأ رفوف المكتبات العربية؟ مَن يستطيع أن يحصي ما يُكتب من قصائد في العالم العربي؟ هذا الرواج"الظاهر"للشعر والنثر الشعري على رغم"نقيق"الناشرين العرب - هل يعني أن الشعر العربي الراهن لا يعاني أي مشكلة أو أي أزمة؟ قد لا يكفي هذا"الرواج"المعلن ليكون معياراً يمكن الحكم من خلاله على"سلامة"الواقع الشعري العربي وعلى رسوخه أو نهوضه. فالظاهر أمر والواقع الملموس أمر آخر. والشعر الذي يُحتفى به دائماً والذي تروّج له الصفحات الثقافية في الصحافة وبعض الدور والمنابر يعاني فعلاً أزمات عدة، ليس في العالم العربي فقط وإنما في بعض الدول الغربية أيضاً. والسؤال الأول الذي يُطرح هو عن القارئ الذي يكاد يكون"شبحاً"مجهولاً، لا الشعراء يعرفونه ولا الناشرون. هناك طبعاً قلّة قليلة من القراء معظمهم من الشعراء أنفسهم. هؤلاء يمكن رصدهم بسهولة. لكنّ الشعراء حتماً يجهلون قرّاءهم بل لا يعرفون لمن يكتبون، إذا افترضنا أنهم يتوجهون الى قراء معينين. الشعراء الكبار ذوو الجمهور قد يعرفون جمهورهم لا سيّما في الأمسيات الشعرية، عندما يقرأون له ما يحب أن يستمع اليه أو يصدمونهه في أحيان مقدّمين له قصائد غير شعبية وغير رائجة. أزمة القارئ إذاً هي الأبرز، وتشهد عليها أرقام المبيعات الشعرية. هناك دواوين لشعراء محدثين بارزين قد يكون من الفضيحة ابراز أرقام مبيعها. هذا أمر حقيقي. وقد يكون لجوء الكثيرين من الشعراء الى حفلات التوقيع حلاً لهذه المشكلة. لكنّ حركة الترويج هذه لا تعبّر عن حرية الاقبال على الدواوين الشعرية. إنها مبادرة مفروضة على"القراء"الذين هم من الاصدقاء والأقارب... الحركة الحقيقية هي التي تُسجل في المكتبات أو معارض الكتب حين يكون فعل الشراء ضرباً من الاختيار الحرّ. وعلاوة على أزمة القارئ أو القراءة، يعاني المشهد الشعري العربي الآن حالاً من الاضطراب والاختلاط والفوضى... وهذا ما ساهمت به قصيدة النثر - عن غير قصد - بعدما فُهمت خطأ وعُممت خطأ، فأصبحت أشبه بالأرض"المشاع"التي لا سياج لها ولا سور. علماً أن قصيدة النثر لا تقل صعوبة عن قصيدة التفعيلة أو القصيدة العمودية. ولعل ما زاد من ارتباك هذا المشهد أيضاً غياب النقد العربي الذي كان لا بدّ له من أن يرافق الحركة الشعرية المتنامية بسرعة. فمعظم النقاد العرب يتوقفون عند جيل روّاد الحداثة ولا يتخطون"تخوم"هذا الجيل، إما لجهلهم ما يحصل في المعترك الشعري الراهن وإما لتخوّفهم من خوض غمار الشعر الجديد الذي يجهلون كيف يقرأونه وكيف يقاربون تياراته وأجواءه الجديدة. وثقافتهم"المتوقفة"عند مفاهيم معيّنة، قديمة وثابتة، لا تسمح لهم بقراءة مثل هذه الأصوات المختلفة. وما أحوج المشهد العربي الراهن الى أقلام نقاد حديثين وحقيقيين، يعالجون ظواهره ومدارسه و"يغربلون"النتاج الهائل، فاصلين القمح عن الزؤان. لعل الشعار الذي حمله الملتقى الدولي الأول للشعر في القاهرة، وهو"الشعر في حياتنا"، يعبّر خير تعبير عن الغاية التي لا بدّ من التوجه اليها. أين أصبح الشعر في حياة الناس أو الشعوب؟ هل ما زال الشعر يمثل حاجة إنسانية عميقة، جمالية وروحية وميافيزيقية؟ أي موقع يحتل الشعر في عصر العولمة؟ هل نالت منه الحياة المادية والتكنولوجية والعملية أو البراغماتية التي تسود الآن؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها بالحاح، والاجابة عليها نظرياً لا تكفي. ولا يمكن التغاضي عن حال العزلة التي يؤول الشعر اليها، على رغم"المظاهر"شبه الخادعة التي تحيط به، بل على رغم تكاثر الشعراء والأعمال الشعرية. مَن يقرأ الشعر اليوم؟ هل استطاع"الجمهور"أن يواكب الثورات الشعرية المتلاحقة؟ هل يستطيع هذا"الجمهور"أن يستوعب ما يقرأ إن قرأ فعلاً الأعمال المغالية في تجريبيتها؟ قد لا يصح التشاؤم الآن فيما القاهرةوبيروتوالرباطودمشقوالجزائر وعواصم أخرى تحتفل بالشعر والشعراء. هذه مبادرات لا بدّ من توجيه تحية اليها على رغم بعض الشك الذي يساور الكثيرين من الذين يأملون كثيراً بما قد تتيح هذه المبادرات من حلول أو ما يشبه الحلول.