مضى نصف قرن إذاً على مغامرة يوسف الخال التي أشرك فيها عدداً من حالمي تلك الفترة الذين أرادوا تغيير العالم عبر الشعر. مغامرة لم تكن لتنجح لولا حاجة "المجتمع الأدبي"، يومذاك، إلى صوت جديد يختلف عن السائد. من هنا حفرت عميقاً في مكانها وزمانها على رغم كلّ النقد الذي يمكن أن نوجهه لها اليوم، أي أن قراءتنا لها راهناً، عليها ألا تنسينا الشروط التاريخانية التي تحركت في فضائها. لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه: ماذا بقي من"شعر"بعد مرور هذه السنين؟ على الأقل تركت وراءها أسماء لا يمكننا أن نتجاهلها في حركة الشعر العربي الحديث. في معنى آخر، هل نستطيع ألا نلتفت إلى أنسي الحاج ومحمد الماغوط وشوقي أبي شقرا وأدونيس وسعدي يوسف وغيرهم الكثيرين إذا أردنا أن نقرأ، مجدداً، حركة الشعر العربي الجديد؟ أشك في ذلك إذ انها أسماء أسست"تراث الحداثة"، ولا يزال بعضها حاضراً ومؤثراً في الحراك الشعري. أي أن"شعر"ليست أعجوبة أدبية، بل هي وقبل أي شيء آخر، شعراء صنعوا اسمها. أعترف بأنني لم أقرأ أعداد"شعر"إلا منذ سنين قليلة، وأعترف بأنني فوجئت بنصوص لا يمكنني تصور أنها وجدت فرصة النشر. ولكن مع ذلك، كانت المغامرة تستوجب ذلك. مغامرة فتحت آفاقاً لا يمكننا تجاهلها، بخاصة نحن الذين نكتب هذا المفهوم الشعري الذي انسل من تلك الحركة، التي فتحت لنا الباب كي نذهب بالتجربة إلى أمكنة أخرى. ولكن هل يعني هذا أننا تأثرنا بتلك الكتابة؟ جوابي الشخصي هو أنني آتٍ من كتابة أخرى - هكذا أدعي - لا وجود فيها لأي فضاء من"شعر". شاعر لبناني