السبت 1/12/2007 : مناصحة قبل حوالى أربع سنوات التقيت في واشنطن ماركوس فراندا، الأستاذ في جامعة ميريلاند، وحدثني عن العلاقة بين العولمة واستخدام الإنترنت، معتبراً هذا الاستخدام دليل تقدم وعلامة دخول في العولمة، بما هو وصول الى الآخر، وشيء من التبادل المعرفي بين الأفراد بصفتهم ممثلي أمزجة وحضارات. لم أقتنع حينها بالربط الآلي الذي يعتمده فراندا، وتذكرت لقاء واشنطن اثناء قراءتي اليوم تصريح عضو لجنة المناصحة السعودية محمد النجيمي، وفيه"أن مليوني موقع على شبكة الإنترنت تهدف الى نشر الفكر المتطرف وهي موجودة بلغات عالمية مثل الإنكليزية والفرنسية إضافة الى لغة قبائل البشتون. إن اكثر من 4500 موقع باللغة العربية تتوجه الى الشباب وتروج للتطرف من خلال فتاوى مضللة". ولا يدفعنا محمد النجيمي وحده لنتأكد من دور الإنترنت في نشر فتاوى إرهابية منسوبة الى الإسلام، إذ تكفي مواقع كثيرة تعلن انها تقود عمليات القتل والترويع والتخريب في أنحاء عدة من العالم، وربما كانت العاصمة التي ينطلق منها تنظيم"القاعدة"هي شبكة الإنترنت وليست نقطة محددة على الأرض. وفي الموقع الإلكتروني أو المواقع الذي يختاره الإرهابيون مسكناً لهم شيء من الرمزية، فهؤلاء الذين يمجدون الموت لا يستطيعون الإقامة فعلاً على الأرض، حيث نبات ملون وشجر يتنفس ويعطي البشر جمالاً وطعاماً وكساء، لذلك يبتعد الإرهابيون عن الأرض لأنها الحياة، فلا يريدونها للناس ولا لأنفسهم. الأحد 2/12/2007: صنع الله ابراهيم إذا استثنينا"اللجنة"و"نجمة اغسطس"و"بيروت بيروت"فإن روايات صنع الله ابراهيم تعتبر نسيجاً خاصاً في الرواية العربية، خصوصاً على صعيدي البناء واللغة. استثنيت الروايات الثلاث لأنني رأيت فيها صدى بنائياً أو إيديولوجيا لأعمال وأنفاس أخرى، وربما لا يشاركني الرأي كثيرون. ونسيج صنع الله ابراهيم نجده في روايته الجديدة"التلصص"الصادرة قبل حوالى شهر عن دار المستقبل العربي في القاهرة: أب وابن يعيشان معاً بعد موت الزوجة. الأب متقاعد مريض والابن في بداية مراهقته مستوحش وكثير المرض. الحياة اليومية للعجوز والفتى يراها الكاتب بعيني الابن. وهي حياة محدودة بأصدقاء الأب وبالنساء الجارات اللواتي يرى الابن شيئاً من عريهن، اما صداقات الفتى فقليلة، وربما هي مجرد رؤية من بعد لمجايليه صبياناً وبنات. وفي الأحوال كلها نرى الأب والابن في حال تلصص على الناس والمكان، وحتى على اخبار السياسة والفن في الجرائد وفي كلام المقاهي. لغة تمزج الفصحى والعامية وتحمل تجسيداً وحركة، فلا مكان لتحليل أو اصطناع غوص في أعماق هذه أو تلك من الشخصيات الكثيرة في رواية تبدو مثل منمنمة بلا حدود. لكن الإشارات الى اعماق الشخصيات وإلى أحوال السياسة والاقتصاد والحرب سقوط فلسطين تتم بطريقة لطيفة وعفوية، ومعها ملامح تفكك الطبقة المتوسطة المصرية، خصوصاً طبقة الموظفين التي ينتمي إليها الأب المتقاعد. وتحضر المرأة في الرواية كموضوع جنسي ينظر إليه من مكانين مختلفين، مكان الطموح الى معرفة السر يمثله الابن، ومكان الذي يحاول المحافظة على رباط مع المرأة ليثبت فحولة غير مؤكدة، ويمثل ذلك الأب الذي يعقد زواجاً جديداً فاشلاً وعلاقة محرمة فاشلة هي ايضاً. ومع تلصص العجوز وابنه، تبدو المرأة حياة موعودة أو حياة موصولة لذكور مقبلين على الرجولة او مودّعين لها، لكنها لا تحضر في أي صورة أخرى، وحتى ابنة المتقاعد من زواج سابق، وهي متزوجة ايضاً، تبدو صورتها، ودائماً في عيني الفتى، مجرد باحثة عن المال والجنس حين تسأل الفتى عن أموال الأب وحين تهجر زوجها لعجزه عن الواجب الجسدي المعهود. مجتمع مستقر تعرضه رواية"التلصص"، وفي الاستقرار خفقان أجساد وأحاديث خافتة عن الفساد السياسي وهيجان المطامع ممثلاً بتاجر يعتدي على أملاك الآخرين مزيناً عدوانه بميكروفون يبث عالياً الأذان وأحياناً الأناشيد الوطنية. وأبعد من التلصص نقرأ في الرواية هذه الشطحة - الرحلة:"يقول ماجد أفندي إنها هي التي طلبت الزواج منه واشترطت عليه ألا يتزوج عليها وألا يتناول الثوم أو البصل في طعام العشاء. يعلق أبي: معها حق. يواصل ماجد أفندي انه لا ينكر محاسنها. فهي تمده بالأموال التي يحتاجها وعند عودته من الخارج يجد الطعام جاهزاً مع جميع أنواع الفاكهة في غير أوانها كما يجد البيت نظيفاً والملابس مغسولة. - طيب وإنت زعلان من إيه؟ يقول انه لا يستطيع السيطرة عليها. فهي تحضر فوراً بمجرد التفكير فيها وتنصرف وقتما تشاء. وهي تقرأ أفكاره أولاً بأول فلا يستطيع الاحتفاظ بأي أسرار. تأتي الحلبة ويتناول منها رشفة. يميل عليه"عبدالعليم"ويهمس في أذنه. يقول"جمعة"افندي: فوق ما تتصور. يخاطب الجميع قائلاً انها تبذل كل شيء لإسعاده وطرد الملل عن نفسه. وفي بعض الليالي تسأله عن شكل المرأة التي يرغب فيها وتتشكل في الحال على هيئتها. مرة خواجاية بشعر أصفر ولابسة مايوه. ومرة راقصة شبه تحية كاريوكا. ومرة في جونلة قصيرة كأنها تلميذة راجعة من المدرسة .... يهب"ماجد"أفندي واقفاً: عن إذنكم يا جماعة. احسن بتندهلي. يغادر الدكان مهرولاً. أستعيد مقعدي. يقول الشيخ المعمم: البنات مش لاقية جواز وهو يروح يتجوز جنيّة؟ ... - أخبار ماجد أفندي ايه؟ يقول"عبدالعليم"ان زراكش حملت منه وأخذته معها الى مملكة الجان لتلد هناك. وإنها وضعت مولودها من دون مساعدة من احد وسار على قدميه من اول لحظة. يسأل ابي في اهتمام: شاف إيه هناك؟ - مفيش عندهم لا تروماي ولا أتوبيس... ومفيش كمان طيور أو حيوانات أو حشرات ولا مقابر. والجهاز الهضمي عندهم زي موتور الأوتومبيل السيارة. الفضلات ولا مواخذة تطلع بخار من ضهرهم زي الأوتومبيل بالظبط.- ورجع ليه؟ حقه يفضل هناك. - حس بالخنقة من قلة الأوكسجين. قالّها عاوز ارجع. خلِّتُه يقف على قدمها ويحط ايده على راسها. نفخت ببقها. وهوب لقى نفسه في سريره. - كده على طول؟ ما جرالوش حاجة؟ - عنده بس شوية صداع، ومرات ميقدرش يتحكم في المشي". الاثنين 3/12/2007 : نسيان الضروري جالساً لا يجد في الجلوس راحة. يهمّ بالوقوف. تطقطق ركبتاه. كأنه يعرف للمرة الأولى وظيفة العظام في تكوين الجسد. ينجح في الوقوف، يستقيم على قدميه. يتهيب المشي هو الذي كان يجوب البراري معلناً فرحه بجسده وبالطبيعة. يمشي الهوينى، يتأكد من صلاحية عظامه. إنسان يراقب وظائف جسمه ليس إنساناً طبيعياً. أفضل الأجساد ذلك الذي ننساه. وأفضل الأوطان هو الذي نعتبر وجوده بديهياً. والخسارة ان تتفحص دائماً وجودك: الجسد والروح والانتماء، وأن تتأكد دائماً فلا تعتبر الأمر تحصيل حاصل. الأربعاء 5/12/2007:: غرق أو ضياع قال جورجيو بيتيو عضو مجلس بلدية تريفيسو في شمال ايطاليا:"يجب ان نستخدم في العلاقة مع المهاجرين النظام الذي اعتمدته القوات الخاصة النازية فنعاقب عشرة منهم مقابل أدنى هفوة يرتكبها مهاجر ضد أي مواطن ايطالي". ولا يعنينا تراجع بيتيو لاحقاً عن تصريحه، فالوطنية المبالغ بها، أي النازية، تفاقمت في المجتمعات الأوروبية والأميركية منذ سنوات، وتعزّزت بعد أحداث 11 ايلول سبتمبر، وتنقل الأخبار مظاهرها مع مشاكل المهاجرين غير الشرعيين، ففيما كان بيتيو يطلق تصريحه كانت البحرية الجزائرية تنقذ مهاجرين اثنين من مركب غارق في البحر المتوسط فيما مات الباقون. ونلتفت الى رد فعل الغربيين ولا نطلق الصرخة في مجتمعاتنا العربية لمعالجة أسباب الهجرة الاجتماعية والإيديولوجية، ومنها الارتفاع المريع في عدد السكان وعدم ضبط الولادات بحجج يُنسب بعضها الى الدِّين، ولم نلحظ أي التفاتة، خصوصاً من مصر والمغرب، الى تجربة الصين الناجحة في ضبط المواليد بما يرفع معدل التنمية. قد يغرق المهاجر غير الشرعي وقد يصل، ولكن حين يتوهم انه حقق هدفه، سيعاني مما"سجّل"الشاعر العراقي/ الأميركي الراحل سركون بولص في قصيدة"اللاجئ يحكي"، الواردة في ديوانه الأخير"عظمة أخرى لكلب القبيلة": "اللاجئ المستغرقُ في سرد حكايته لا يُحسّ بالنار عندما تلسعُ اصابعه السيجارة مستغرق في دهشة ان يكون هنا بعد كل تلك الهُناكات: المحطات والمرافئ دوريات التفتيش، الأوراقُ المزوّرة... معلّقٌ من سلسلة التفاصيل- مصيره المحبوك كالليف في حلقاتها الضيقة ضيق البلاد التي تكدست على صدرها الكوابيس. المهرّبون، مافيات التهجير، لو سألتَني ربما كانوا أهون، وسماءُ النوارس الجائعة فوق سفينة معطوبة في اللامكان. لو سألتني، لقُلت: الانتظارُ الأبدي في دوائر الهجرة. والوجوه التي لا تردُّ الابتسامة مهما ابتسمت ومن قال انها اغلى هدية! لو سألتني، لقلت: بشرٌ في كل مكان. لقلت: في كل مكان، حجارة. يحكي ويحكي ويحكي لأنه وصل، لكنه لم يذُق طعم الوصول ولا يحسّ بالنار عندما تحرقُ أصابعه السيجارة".