من الناحية الشكلية، يبدو مؤتمر أنابوليس المحطة الأهم في مسار التسوية السلمية بين العرب وإسرائيل، بعد مؤتمر مدريد في 1991. وإذا كان كثير من المراقبين يعربون عن تشاؤمهم بخصوص ما يمكن أن يسفر عنه هذا المؤتمر، فإن المشاركة العربية الواسعة والمستظلة بقرار الجامعة العربية ومشاركتها المباشرة، تضفي أهمية حقيقية عليه، تتجاوز مسألة التسوية للصراع العربي الإسرائيلي، بل حتى المسار الفلسطيني منها. فالشروط القائمة اليوم لا تبشر بأي اختراق جدي. فلا الإدارة الأميركية راغبة في أو قادرة على ممارسة أي ضغط على الحكومة الإسرائيلية، لدفعها إلى تقديم تنازلات لا مفر منها للتقدم نحو تسوية سلمية"ولا الحكومة المذكورة تملك من القوة والهيبة ما يتيحان لها التقدم على طريق التسوية"وأضعف منهما حكومة محمود عباس التي خرجت غزة الحمساوية عن نطاق سيطرتها. إن فاعلين موصوفين على هذه الصورة لن يستطيعوا الإتيان بمعجزات. بهذا المعنى، يمكن الحكم سلفاً بالفشل على نتائج المؤتمر. أما المشاركة السورية التي جاء قرارها على طريقة تمنّع العذارى، فهي غير معنية بموضوع التسوية بقدر كون المؤتمر فرصة لكسر العزلة المفروضة على سورية دولياً وعربياً. فموضوع الجولان غير مطروح على طاولة التفاوض، بل يقتصر حضوره على كلمة نائب وزير الخارجية فيصل المقداد عن الحق السوري في الجولان. إسرائيل، من جهتها، غير معنية بإطلاق عملية تفاوض جدية لا مع السوريين ولا حتى مع الفلسطينيين"بل ستبذل جهدها لحملة تطبيع مع ممثلي الدول العربية، وخاصةً السعودية. فإذا حدث وخرج المؤتمر ببيان ختامي يعلن إطلاق مفاوضات للحل النهائي بين إسرائيل والحكومة الفلسطينية بجدول زمني محدد، يكون هذا"إنجازاً"غير متوقع. وفي نظرة إجمالية على قائمة المدعوين، يمكن الاستنتاج أن مؤتمر أنابوليس سيكون المحطة الأهم في المواجهة بين الولاياتالمتحدةوإيران. غياب هذه الأخيرة يشير إلى الهدف الحقيقي للمؤتمر. الإدارة الأميركية الغائصة حتى أذنيها في المستنقع العراقي، المترددة بين وسائل إيقاف إيران عند حدودها، سواء في ما خص برنامجها النووي أو نفوذها الإقليمي، جمعت، في هذا المؤتمر ممثلي الاعتدال العربي الذي تزداد مخاوفه من الدور الإيراني باطراد، وسورية التي تسعى واشنطن والنظام العربي المعتدل معاً لإبعادها عن حليفها الإيراني، بما يعزز عزله تمهيداً لإرغامه على الرضوخ بالحرب أو بوسائل أخرى. لبنان، بوصفه ساحة المواجهة الرئيسية للصراع الأميركي الإيراني، هو الآخر حاضراً بقوة في هذا المؤتمر. فالجزرة التي مدتها الخارجية الأميركية لسورية، بدعوتها إلى المؤتمر، وتضمينها الشكلي لموضوع الجولان في جدول الأعمال، ستطلب، لقاءها، مساعدة سورية على إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان. لا نعرف مدى قدرة حلفاء سورية اللبنانيين على المساهمة في الحل، لأن ذلك سيضعهم في مواجهة مع حزب الله، الأمر الذي قد يستتبع تفكك تحالف المعارضة اللبنانية ذاته. أما سورية نفسها فمن المرجح أنها لن تستجيب للطلب الأميركي لقاء مجرد الوعد بإعادة الدفء للعلاقات بينهما، لأن في أولوياتها طلبات أهم تتعلق بمصير النظام، كموضوع المحكمة الدولية وضمان استمرار نفوذها في لبنان، خاصةً إذا تذكرنا أنها قدمت سلفاً ثمن مشاركتها في أنابوليس، حين منعت انعقاد اجتماع للمعارضة الفلسطينية كان مقرراً في دمشق. في هذا الإطار يصبح مفهوماً اعتراض كل من حزب الله وحركة حماس على المشاركة اللبنانية والعربية في المؤتمر. فهما، ومن ورائهما إيران، يخشون جميعاً من شرخ محتمل في التحالف السوري الإيراني، الأمر الذي يمكن أن يترتب عليه تغيير كبير في موازين القوى الإقليمية، أي انكشاف إيراني كامل يسهّل مهمة الإدارة الأميركية في ضرب طهران أو احتوائها. * كاتب سوري.