نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤتمر إطلاق فلسطين من العزلة الدولية
نشر في الحياة يوم 23 - 11 - 2007

لا حاجة لمقارنة مؤتمر أنابوليس مع أي من مؤتمرات السلام الشاملة كمؤتمر مدريد، أو خلوات التفاوض الفلسطيني - الإسرائيلي كما في كامب ديفيد. إن مؤتمر أنابوليس سيكون أول تجمع عالمي من أجل إقامة دولة فلسطينية على أساس مرجعيات دولية من ضمنها المبادرة العربية التي اعتمدتها قمة بيروت.
العالم سيتوجه إلى أنابوليس ليقول للفلسطينيين إنه يضع قضيتهم في الصدارة، وليقول للإسرائيليين إن عليهم الآن اتخاذ الاجراءات العملية نحو حل الدولتين على أساس حدود آمنة لكل من إسرائيل وفلسطين. وهذا مهم، بغض النظر عن النتائج الفورية لما يُعرف أحياناً بلقاء الخريف الذي لن يكون عبارة عن جلسة مفاوضات ولا حفلة تدشين لفكرة جديدة ولا مهرجان. إنه مؤتمر اطلاق فلسطين من العزلة ومن قفص التقنين في الإرهاب، كما هو مؤتمر اطلاق نوعية جديدة من المفاوضات بمشاركة دولية ومراقبتها. وهو بالتأكيد ليس مؤتمر استبعاد سورية عن العملية السلمية، إذ أنها مدعوة إليه لتدعم فلسطين، إذا شاءت دعم فلسطين، شأنها شأن بقية العرب، ولتمهد إلى مؤتمر مشابه من أجل الجولان السوري المحتل.
ولا هو مؤتمر استهتار بالمسار اللبناني - الإسرائيلي من عملية السلام، لأن هذا المسار يسيّره القرار 425 الذي يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، فيما الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة تخضع للقرارين 242 و338. فالاهتمام العالمي بلبنان مستمر مهما حصل، لأن الأسرة الدولية ملتزمة اجباراً بدعم الدولة اللبنانية وبتفرد الدولة وحدها بالسلاح الشرعي، كما هي ملتزمة بانشاء المحكمة الدولية لمقاضاة الضالعين في الاغتيالات السياسية في لبنان مهما طال الزمن. فالتدويل لكل من فلسطين ولبنان له معنى آخر الآن، ولم تعد كلمة التدويل قابلة لاستخدامها كشتيمة بذيئة في أفواه المفلسين.
اليوم الجمعة سيُقبل لبنان على جديد ما قد يبدو للبعض أنه نهائي أو أنه يُنهي مساراً ما. القلق والخوف قد يعميان عن وقائع بديهية مفادها أن من المستحيل محو أو اجهاض الأمرين الأساسيين اللذين يستقتل في معارضتهما"حزب الله"وحليفاه سورية وإيران وشركاؤه الأصغر داخل لبنان: انشاء المحكمة الدولية لمحاكمة الذين تورطوا في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه وغيرها من الاغتيالات الإرهابية التي يثبت التحقيق ترابطها بهذه الجريمة، وتنفيذ القرار 1559 الذي طالب بتفكيك وتجريد سلاح جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، بما فيها"حزب الله"والفصائل الفلسطينية التي تعمل بأوامر من دمشق وغيرها من الميليشيات.
فمهما فعل أي رئيس لبناني متفق عليه، لن يتمكّن من إلغاء هذين الأمرين الأساسيين في نهاية المطاف. مهما تصوّر المحور الإيراني - السوري - و"حزب الله"واخوانه من أوهام، لن تبقى قوات الأمم المتحدة المعززة يونيفيل درعاً يحميه من المقاومة التي يهدد بها عن بعيد - وفقط من الساحة اللبنانية - مع وجود دائم لجيش الدولة وجيوش الميليشيات معاً. ومهما حاول هذا المحور، قد يستطيع أن يعطّل اجراءات هنا وهناك لعرقلة انشاء المحكمة الدولية، لكنه سيفشل قطعاً وحتماً في الحؤول دون انشاء المحكمة مهما فعل.
وحتى ولو دبّر هذا الحلف انقلاباً عسكرياً مدروساً في أعقاب اختلاقه فوضى مرعبة، بهدف تنصيب حكومة عسكرية موالية له، أو عبر اجراءات يقوم بها الرئيس المغادر أخيراً اليوم اميل لحود، لن تصمد مثل هذه الحكومة في وجه الضغوط الدولية التي لن تسمح بأن يتحول لبنان إلى قاعدة إيرانية - سورية ولا في وجه العزلة التي ستُضرب عليها في حال مثل هذا السيناريو.
والذين يراقبون بخوف تحقيق"اللجنة الدولية المستقلة في العمل الإرهابي"الذي أودى بحياة الحريري وفي الاغتيالات الإرهابية الأخرى، فإنهم لن يعرفوا ماذا توصل إليه التحقيق حقاً، لا سيما بعدما أحاط رئيس التحقيق الحالي سيرج براميرتز، التحقيق ببالغ السرية. وسيغادر براميرتز هذا المنصب مع نهاية السنة ليخلفه دانيال بلمار كندا. وسيقدم تقريره الأخير إلى مجلس الأمن يوم الثلثاء المقبل.
هذا التقرير لن يكشف عما توصل إليه التحقيق. لن يكشف عن أسماء. لن يتقدم باستنتاجات. لن يدين ولن يبرئ. سيرح براميرتز لن يغادر المنصب بمفاجأة مذهلة ولا بضربة قاضية. إنه لم ينته من التحقيق، ولذلك هناك مفوض جديد لترؤس التحقيق. ثم أن براميرتز متوجه إلى"وظيفة"جديدة في الأمم المتحدة ليترأس محكمة يوغوسلافيا خلفاً لكارلا دل بونتي، ولن يُطبل عند مغادرته"وظيفة"متوجهاً إلى أخرى. فهو ينظر إلى نفسه كموظف ولا اهتمام له ولا رغبة عنده لترك سيرة ذاتية تاريخية بارعة وراءه.
لذلك، ان سيرج براميرتز، من جهة، لم يخيب الآمال والوعود، لأنه لم يتقدم بوعد إلى أي جهة كانت بأنه سيكشف عما لديه في منتصف التحقيق أمامها أو أمام مجلس الأمن الدولي. ولم يعط أبداً واطلاقاً أي انطباع في أي وقت ما بأنه سيكشف عن أي اسماء أمام مجلس الأمن الدولي. فإذا تخيّل أحد ذلك، فإنه ضحية تخيلاته.
من جهة أخرى، يمكن اعتبار رئاسة سيرج براميرتز للتحقيق نكسة، لأن ما يبدو أنه فعله هو أنه أعاد التحقيق مجدداً في ما كان قد أنهى فريق سلفه ديتليف ميليس التحقيق فيه. يمكن القول إن ذلك لم يكن شأن براميرتز ولا كانت تلك مهمته، وإنه في الواقع سيَّس التحقيق، فيما كان يريد عدم تسييسه، وذلك لأنه تجاهل أهمية الضغوط العلنية على سورية وجدواها، وزخم ثقة الناس في لبنان. واعتقد أنه محقٌ بالتزام السرية.
وقد يكون. قد يكون ما في الحقيبة السرية لكل من براميرتز وفريقه ما يؤدي إلى اسكات منتقديه خجلاً، لأنه أحسن التحقيق وجمع الأدلة القاضية لتقديمها إلى المحكمة تنفيذاً لمهماته بحسب مفهومه اساساً لتلك المهمات. إنما مهما كان، لن يشكل التقرير الأخير لسيرج براميرتز حدثاً تاريخياً عندما يسلمه يوم الثلثاء المقبل إلى مجلس الأمن الدولي. فالرجل لا يريد التحدث بلغة الحدث التاريخي والسيرة التاريخية. إنه يسلم ملف ما أنجزه مع فريقه لمجلس الامن، إضافة إلى ما أنجزه ديتليف ميليس وفريقه منذ بدء التحقيق قبل سنوات إلى رجل جديد سنعتاد على اسمه وشخصيته هو أيضاً سيقرر نمط ووتيرة التحقيق واستكماله، لا سيما أنه الرجل الذي سيسلم القضية إلى المحكمة الدولية، وسنرى إن كان سيعتبر نفسه مكلفاً بمهمة مصيرية لشعب وبلد أو إذا كان سينظر إلى نفسه، كما فعل براميرتز، بأنه مجرد موظف يسلم حقيبة ويتسلم حقيبة ولا ينظر إلى الوراء وهو يقدم تقريره الأخير يوم الثلثاء.
يوم الثلثاء سيكون يوم فلسطين إذا سارت الأمور في لبنان بصورة تنقذه ولو موقتاً أو مرحلياً من صراع أهلي تكتيكي أو استراتيجي. مؤتمر أنابوليس قد يوجه رسالة موحدة عبر موقف يتخذه نحو لبنان، لكن التجمع هدفه أساساً التركيز على فلسطين. وحسناً تفعل جميع الدول المشاركة بتوجهها إلى أنابوليس لتقول لفلسطين: أنتِ في بالنا.
مؤتمر أنابوليس لن يختلق معجزة، ولن يسجل اختراقاً في المفاوضات لدرجة تحديده موعداً حاسماً لإنشاء الدولة الفلسطينية. إنه بداية أخرى وليس نهاية للعملية التفاوضية، ولأنه سيتحلل من التوقعات الكبرى منه، لن يكون مؤتمر أنابوليس صدمة أو خيبة للآمال بل قد يكون بين أكثر المؤتمرات اعتيادية على رغم أهمية الحدث بحد ذاته. قد يسمى بلقاء الضعفاء باعتبار القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية ضعيفتين. وباعتبار مضيف المؤتمر الرئيس جورج دبليو بوش"بطة عرجاء"، من وجهة النظر تلك. لكن تواضع التوقعات من المؤتمر بحد ذاته لا يعني أن اللقاء سيكون باهتاً تماماً. وهنا بعض الأسباب:
ما حدث من تهميش للمسألة الفلسطينية وما تم تنفيذه من عزل واستبعاد للسلطة الفلسطينية كان ضربة قاسية للفلسطينيين، ولذلك، ان فك العزلة وازالة التهميش تطوران ايجابيان جداً للقضية الفلسطينية وللذين يرون أن انشاء الدولة الفلسطينية ممكن فقط عبر المفاوضات، لأن خيار المقاومة المسلحة لا تدعمه عملياً الدول التي تتحدث بلغة المقاومة، وبالذات سورية التي لها حدود مع إسرائيل ترفض فتحها أمام المقاومة.
إن دخول إدارة جورج دبليو بوش طرفاً مباشراً في صنع السلام الفلسطيني - الإسرائيلي، أمر لا يُستهان به مهما كانت المشاعر نحو تلك الإدارة وطاقمها الحاكم. الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون تجاهل عملية السلام لمدة سبع سنوات ثم استفاق في السنة الأخيرة بحثاً عن سيرة تاريخية له، فخاض صنع السلام على طريقته، ودعا إلى كامب ديفيد كلاً من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك ايهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي.
في"كامب ديفيد"حدث ما يختلف على تفسيره وتأويله حتى مَن حضر اللقاء ومَن ساهم في إعداده. باراك لم يقدم إلى عرفات صفقة العمر في كامب ديفيد. العرض الذي قدمه باراك إلى عرفات جاء بعد حوالي سبعة اشهر من محادثات طابا بعدما تبيّن أنه سيخسر أمام ارييل شارون في الانتخابات الإسرائيلية. حتى بيل كلينتون نفسه يقول اليوم إنه كان على عرفات أن يقبل بما قدمه إليه باراك في طابا وليس في كامب ديفيد، معتبراً أن كامب ديفيد كانت قمة"كسر الجليد السيكولوجي وإحداث اختراق سيكولوجي"بين المعسكرين.
وللتاريخ، إن كامب ديفيد أحدث اختراقاً، إذ أن باراك فعل ما لم يفعله قبله أي قائد إسرائيلي: وضع القدس على طاولة المفاوضات. ولذلك قام شارون بالانتفاضة الإسرائيلية عليه وانتصر ضده. فلقد عبر باراك خطوطاً حمراً إسرائيلية، وجاءه التنبيه بالانقلاب عليه. ولذا، يشعر باراك بأن أصابعه أُحرقت فلسطينياً، وبالتالي يفضّل المسار السوري على المسار الفلسطيني من المفاوضات.
الناحية الثانية المهمة من كامب ديفيد كانت ناحية رفض القيادات العربية تلبية مناشدة ياسر عرفات أن تسير معه، يداً في يد، في القبول بالتفاوض على القدس انطلاقاً من العرض الإسرائيلي. القيادات العربية قالت له: سر ونحن وراءك، الأمر الذي فسره عرفات على أنه يعني: انتحر بمفردك.
هذه المرة، وفي أنابوليس، حرصت إدارة جورج دبليو بوش على مسألة فائقة الأهمية هي: احاطة القيادة الفلسطينية بدعم قيادات عربية ومسلمة ذات وزن كبير، كي تتمكن القيادة الفلسطينية من اتخاذ القرارات بلا لوم ولا انتحار، بل بثقة التمتع بشراكة عربية - مسلمة - دولية، بدلاً من الاستفراد بها في خلوات أميركية - إسرائيلية.
رسالة الدعوة التي وجهها بوش أدرجت كل مرجعيات التفاوض، بما فيها القرار 1515 لمجلس الأمن الدولي الذي دعم بالاجماع رؤية بوش لقيام دولة فلسطين بجانب إسرائيل، ومرجعية مؤتمر مدريد على أساس القرارين 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام والمبادرة العربية للتعايش والتطبيع مع إسرائيل، مقابل ازالة احتلال عام 1967 للأراضي العربية، كما تطرقت إلى القرار 194 المعني بحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين لعام 1948. هذه الرسالة قد تكون أهم من الوثيقة المشتركة الفلسطينية - الإسرائيلية، لأنها دعوة المضيف الرسمية إلى مؤتمر أنابوليس.
الرئيس الأميركي لا يقدم تعهداً خطياً في رسالته بأنه سيدشن شخصياً انشاء الدولة الفلسطينية وذلك لأنه، ببساطة، غير قادر على التقدم بمثل هذا التعهد. لكنه في تحدثه عن رغبته بأن يتم الاتفاق على انشاء هذه الدولة عبر سلام فلسطيني - إسرائيلي دائم قبل انتهاء ولايته، فإنه يقدم التزاماً علنياً بالعمل الدؤوب على انجاح رؤيته قبل مغادرته المنصب ويضع عملياً إطاراً زمنياً للمفاوضات. وقد ينجح.
قد ينجح على رغم كل العراقيل الإسرائيلية ومحاولات التعجيز التي تقوم بها فئات ومنظمات أميركية لإجهاض رؤية بوش، فلقد بذلت تلك الجهود منذ نشوء الرؤية. ومجرد انعقاد مؤتمر أنابوليس هو شهادة حيّة على فشلها في افشال انشاء دولة فلسطين في إطار حل الدولتين.
قد ينجح لأن جورج دبليو بوش يبدو أنه اقتنع أخيراً بأن الانتصار على الإرهاب يتطلب ازالة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي عن الطاولة إذا كان يريد تحييد غضب الشعوب العربية والمسلمة بسبب التحامل الأميركي عليها بسبب دعمها الأعمى لإسرائيل مهما احتلت وصادرت من أراض، ومهما انتهكت من قوانين دولية. قد ينجح لأنه استمع أخيراً، حسبما يبدو، إلى نصائح قيادات عربية ومسلمة رئيسية، مثل السعودية والأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة، بأن التطرف سينتصر على الاعتدال إذا لم تتغير السياسة الأميركية، وأن مفتاح الحلول لمختلف القضايا العربية الأخرى، ومن ضمنها العراق، هو في ايجاد حل للمسألة الفلسطينية - الإسرائيلية، لبّ النزاع العربي - الإسرائيلي.
مجرد انصباب بوش شخصياً على انجاح مؤتمر أنابوليس، له دلالة ووطأة مهمتان. فلنقل مثلاً إنه فعل ذلك من أجل الجولان، من المؤكد عندئذ أن تكف أبواق"الوطنجية"عن التخوين، كما تفعل الآن بحق القيادة الفلسطينية. فدمشق تتمنى، بل تتوسل إلى وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس أن تعيد السفير الأميركي إلى دمشق. هذه هي الرسالة الأهم التي حملها وزير الخارجية السورية وليد المعلم من رئيسه بشار الأسد عندما اجتمع برايس. وهذا حقه، إنما لا يجوز الاستهتار بانضمام الرئيس الأميركي شخصياً وطاقمه الى جهود انشاء دولة فلسطين وتسخيف أهمية هذا التطور المهم. وحقاً، لم يسبق أن وضع رئيس أميركي رؤية قيام دولة فلسطين على طاولة المفاوضات. وهذا لا ينفي أن بوش نافس الرؤساء الأميركيين قبله على كيفية خدمة إسرائيل، إلا أنه يبقى الرئيس الوحيد الذي نطق عبارة: انشاء الدولة الفلسطينية.
فإذا أراد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المزايدة على الشعب الفلسطيني، ليستمر في سخافة ابتسامته التخوينية والتسخيفية، كي تبقى بين يديه أدوات التخريب على القيادة الفلسطينية وعلى شفتيه وعود التحرير والمقاومة حتى آخر فلسطيني ولبناني.
وجود دول عربية رئيسية في مؤتمر أنابوليس أمر ضروري، لأن التغيب العربي عن الحشد الدولي لدعم قيام دولة فلسطين سيكون أمراً مستهجناً. مسائل التطبيع العربي - الإسرائيلي يجب ألا تخضع للشروط الإسرائيلية البائسة أو للمعادلات العربية التقليدية. كثير من الدول العربية له علاقات مع إسرائيل. أهم علاقات تجارية بين إسرائيل ودولة عربية ليست مع مصر التي تربطها بها معاهدة سلام، وإنما مع قطر التي لا معاهدة لها مع إسرائيل.
الحكومة الإسرائيلية تقدمت بتنازل اجرائي لمؤتمر أنابوليس بحيث وافقت على التفاوض على انشاء الدولة الفلسطينية بدلاً من الاصرار، كما سبق وفعلت، على استكمال الشروط الأمنية التعجيزية للمفاوضات. ما يريده الأميركيون بالمقابل هو أن يكون التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل غير مؤجل إلى نهاية المفاوضات، كما نصت المبادرة العربية، وإنما بالتوازي مع بدء العملية التفاوضية على انشاء الدولة الفلسطينية، إنما هذا مجرد تمن وليس شرطاً مسبقاً، لا سيما أن شكل الدولة الفلسطينية ما زال بعيداً عن الاتفاق الفلسطيني - الإسرائيلي.
أمام العرب الكثير مما يمكن لهم تقديمه إلى الفلسطينيين والإسرائيليين في أنابوليس وما بعد أنابوليس. مبعوث اللجنة الرباعية الخاص توني بلير يحتاج للدعم العربي الملموس للمساعدة في بناء المؤسسات الوطنية الفلسطينية. ولدى الدول العربية والدول الكبرى في العالم الاسلامي مسؤولية مميزة في مجال حماية الفلسطينيين من المزايدات عليهم وعلى قضيتهم من قبل قيادات دول عربية ومسلمة أخرى، مثل إيران وسورية.
دول الاتحاد الأوروبي تلعب دوراً اقتصادياً يجب تعزيزه بضغط سياسي على إسرائيل لتكف عن العقاب الجماعي للفلسطينيين في غزة، فبحسب قول وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، جون هولمز، في حديث إلى"الحياة"إن جزءاً مما سيحمله الأمين العام إلى مؤتمر أنابوليس هو ايقاظ الحاضرين الحالمين بالسلام إلى أن"ما يحدث على الأرض لا علاقة له بحديث التفاؤل وحديث السلام"، طالما يُعاقب شعب غزة"عقاباً جماعياً بسبب اجراءات السلطات الإسرائيلية"وبسبب"الانقلاب العسكري الذي قامت به حماس".
مؤتمر أنابوليس ليس مؤتمر المعجزة. لكن مجرد تجمع القيادات العالمية للتفكير بفلسطين وإرساء حجر انشاء الدولة الفلسطينية يجعل منه مؤتمر هدم جدار تهميش وعزلة الفلسطينيين عالمياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.