سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خروج بلير ودخول ساركوزي لا يحولان دون استئناف تركيا مفاوضات العضوية مع الاتحاد ... وأزمة بلجيكا نموذج . مصغر عن الخلافات في القارة 2007 الأوروبي : معاهدة لشبونة تنهي الأزمة المؤسساتية ولا ترفع سقف الطموحات
خرج الاتحاد الأوروبي في العام 2007 من أزمته المؤسساتية بعد أن توصلت البلدان الأعضاء إلى توقيع معاهدة لشبونة في كانون الأول ديسمبر والتي ستحل محل وثيقة الدستور التي ووريت التراب منذ أن رفضتها غالبية الناخبين في كل من هولنداوفرنسا في 2005. لكن توقيع معاهدة لشبونة تم من دون حماسة أنصار الوحدة الأوروبية ومن دون إرضاء المتمسكين بسيادة الدولة الأمة. وقد أخفقت شبكات الدعاية، على رغم أهمية الموارد المالية التي وضعها الاتحاد، في الترويج للمعاهدة لأسباب عزوف القسط الأكبر من الرأي العام منذ أعوام عن الشأن الأوروبي المشترك جراء عدم تقبل انضمام بلدان وسط وشرق اوروبا وارتفاع كلفة المعيشة واستمرار معدلات البطالة والضعف الذي يبديه الاتحاد في مواجهة تداعيات العولمة ومنافسة العمالقة الناشئين مثل الصين. أنصار الوحدة الأوروبية يرون في المعاهدة"المبسطة"، والعبارة للرئيس ساركوزي الذي هب فور تسلمه مقاليد الحكم في أيار مايو كالفارس على حصان أبيض من اجل إنقاذ اوروبا بمعاهدة الأدنى المشترك، سترة النجاة للمشروع الاندماجي الجماعي. وكان الزعماء الاوروبيون انتظروا بفارغ صبر انتهاء الاستحقاق الرئاسي في فرنسا في أيار لاستكمال حل الأزمة المؤسساتية من خلال المسودة التي مهدتها الرئاسة الألمانية للاتحاد في النصف الأول من العام 2007. وسارع الرئيس نيكولا ساركوزي في يوم تسلمه الحكم الى برلين لطمأنة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل حول دعمه مشروع المعاهدة الجديدة وهي صيغة معدلة لنص الدستور والتزامه أيضاً عرضها في الوقت المناسب على مصادقة البرلمان فقط حتى لا تتكرر تجربة الاستفتاء. وكانت مسودة المعاهدة خضعت لعملية تقزيم بفعل مقص الطلبات البريطانية ومزايدات التوأم الذي ترأس بولندا حتى خريف هذا العام. وانتزع رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير تسمية وزير الخارجية من المسودة واشترك مع عدد من القادة المحافظين مثل الرئيس الفرنسي الجديد والتوأم الذي حكم بولندا حتى خريف العام الحالي في حذف عبارة الدستور من المعاهدة المقترحة. وكادت مفاوضات القمة تنهار في آخر جولاتها في منتصف شهر حزيران يونيو في بروكسيل جراء مزايدات التوأم البولندي كازينسكي الرئيس وشقيقه رئيس الوزراء الذي طالب بمعدلات تساوي بين وزن بلاده وثقل المانيا خلال عمليات التصويت على رغم أن عدد سكان الأخيرة يتجاوز ضعف العدد لدى الأولى. وهو ما يفسر تأجيل تنفيذ بنود التصويت إلى منتصف العقد المقبل. أبعاد المعاهدة الجديدة وتفتح المعاهدة آفاقاً جديدة تسهل إدارة الشأن الأوروبي لكنها لا ترفع سقف الطموحات الأوروبية حيث أصبح الحلم الأوروبي صعباً بل ربما منعدماً لدى المواطن الذي يعاني البطالة أو يخشاها على مستقبله ويتساءل عن هويته وهو يشاهد من حوله توافد العمالة الشرقية ومنتجات الصين. ولخص رئيس البرلمان السابق بات كوكس وضع المشروع الأوروبي قائلاً:"بنينا أوروبا ولم نبني مواطناً اوروبياً". ويشترك كثيرون في القناعة بأن توسع الاتحاد واستيعابه دفعة البلدان الشرقية كان خطوة حاسمة في تغيير طبيعة المشروع السياسي وإبعاده عن ذهن رجل الشارع الذي قرن أوروبياً بقيم الرخاء والاستقرار. وتسهل الاتفاقية اتخاذ القرارات ونظام التصويت بين البلدان الأعضاء ال 27 ولكل منها حجمها ومصالحها الذاتية والحيوية. ويفترض أن يكتمل تنفيذ بنود المعاهدة الجديدة خلال الفترة بين 2014 و2017. وتتخذ القرارات داخل المجلس الوزاري وفق قاعدة الغالبية المزدوجة أي 55 في المئة من البلدان الأعضاء وبشرط أن تعد 65 في المئة من سكان الاتحاد. وتمكن المعاهدة الجديدة إلى حد ما تعميق مسيرة الاندماج حيث سيتم توسيع المجالات التي تتخذ في شأنها القرارات بقاعدة الغالبية إلى نحو 50 في المئة في مختلف السياسات منها ما يتصل بالأمن الداخلي لكل من البلدان الأعضاء كالهجرة والتعاون الأمني. كما تعزز المعاهدة صلاحيات محكمة العدل الأوروبية. واحتفظت كل من ايرلنداوبريطانيا على استثناءات تعفيها من الالتزامات المشتركة في قضايا الهجرة والأمن الداخلي. إلا أن التطور الأبرز في هذه المعاهدة يتمثل في استحداث القمة وظيفة رئيس الاتحاد وتعزيز دور منسق السياسة الخارجية. وسيضمن المسؤولان حضور الاتحاد ككل والتحدث باسمه في المحافل الدولية مثل الأممالمتحدة. وتمتد ولاية الرئيس سنتين ونصف ويتم اختياره من جانب رؤساء دول وحكومات الاتحاد ويفترض أن يكون من الذين تولوا الحكم في أي من البلدان الأعضاء. ويضمن دور الرئيس الجديد استمرارية العمل ومتابعة الأولويات وتنفيذ القرارات التي كثيراً ما يتأخر تداولها لأسباب توالي الدول الأعضاء على رئاسة الاتحاد مرتين في السنة. أما وظيفة منسق السياسة الخارجية التي يتولاها خافيير سولانا، في المجلس الوزاري، فستتسع صلاحياتها لتشمل مهمات العلاقات الخارجية في المفوضية الأوروبية والتي تتحملها الآن بينتا فيريرو فالدنير. وتضمن الصلاحيات الجديدة مسؤوليات إدارة موازنات المساعدات الخارجية ومعونات الإنماء والتعاون مع الجيران والشركاء. كما سيتحمل منسق السياسة الخارجية صفة نائب رئيس المفوضية الأوروبية. وتتساوى الوظيفة مع المهمات الموكولة إلى وزير الخارجية لكن تسمية الوزارة لم تدون في المعاهدة لأسباب اعتراض رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير حتى لا يثير المحافظين والمتحفظين على تعزيز مسيرة الاندماج السياسي الأوروبي. ولتفادي تعطيل دور الاتحاد في الساحة الدولية، تشجع المعاهدة البلدان الأعضاء على تكثيف النشاطات والتحرك بين مجموعات من البلدان من دون حاجة لاجماع البلدان الأعضاء ال 27، مثل التدخلات الجارية في تشاد ودارفور وجمهورية الكونغو الديموقراطية. وتقتضي المعاهدة الجديدة تقليص حجم فريق المفوضية الأوروبية الجهاز التنفيذي بدءاً من 2014. وهي تعد الآن 27 عضواً. وتمتلك كل من حكومات البلدان الأعضاء صلاحيات تعيين عضو في المفوضية لكنه لا يمثل بلده بل يمثل مصالح الاتحاد ككل. وسيتم تخفيض الأعضاء في منتصف العقد المقبل من 27 إلى ثلثي عدد البلدان الأعضاء مع اقتضاء نظام للتداول الداخلي للمساواة بين دول الاتحاد. وقد يساعد تعديل حجم المفوضية على تحسين أدائها لكنه قد يضعفها من الناحية السياسية بخاصة في نظر البلدان الكبيرة في الاتحاد عندما لا تعين إحداها عضواً يحمل جنسيتها. دخول ساركوزي وخروج طوني بلير وعلى صعيد البلدان الأوروبية فان فوز نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية يظل ضمن الأحداث السياسية التي أثرت في أداء الاتحاد. فالكل كان ينتظر وصوله لحلحلة أزمة فشل الدستور. وقد تزود الاتحاد بمعاهدة توسع مجالات القرارات الجماعية من دون أن ترفع سقف التطلعات السياسية. فالرئيس الفرنسي محافظ ولا يعد من أنصار الاندماج السياسي واستقلال اوروبا عن الولايات المتحدة. وعكس من سبقه في قصر الاليزيه، فالرئيس ساركوزي لا يعد ضمن دعاة النظام الدولي المتعدد الأطراف ولم يتخلف عن لقاء الرئيس بوش لتجديد الوفاء للعلاقات عبرالأطلسي. ولتجسيد العلاقة الحميمة الجديدة بين باريس وواشنطن، أطلق الرئيس الفرنسي خطاباً متشدداً عدائياً ضد ايران وقرر ايضا تعزيز مساهمة بلاده في القوات الدولية في افغانستان. ورأى ديبلوماسيون اوروبيون بأن تغير مواقف فرنسا تربك الديبلوماسية المشتركة وقد يكون الرئيس ساركوزي يدفع إلى"المغامرة"بالانخراط في سياسة اميركية أثبتت كل الدلائل فشلها سواء كانت في افغانستان أو في العراق. وهو يتخذ مواقف تبدو متسرعة تجاه ايران حيث كشفت الاستخبارات الأميركية نفسها"وقف ايران برنامجها النووي العسكري". ولعل أبرز تحول في سياسة ساركوزي بعد ظهوره على المسرح الأوروبي تراجعه عن اعتراضاته على انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي ما فتح الباب مجدداً أمام استئناف انقرة مفاوضاتها مع الاتحاد والمتوقعة في الربع الأول من 2008. ودخل نيكولا ساركوزي بثقل الرئيس إلى الساحة الأوروبية في وقت كان رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير حزم ذكرياته ليغادر تاركاً منصبه لشريكه ومنافسه وزير المال غوردون براون. ورحل بلير عن السلطة من دون أن يكون أدمج الجنية الاسترليني بالعملة يورو وهو خيار كان مطروحاً خصوصاً خلال ولايته الأولى. وانتزع بلير من شركائه في الاتحاد الكثير من التنازلات باسم السيادة البريطانية خلال مفاوضات المعاهدة. وحصل على استثناءات تعفي بريطانيا من التزامات التصويت بالغالبية في مجالات الهجرة والأمن الداخلي وكذلك في مجال الحقوق الاجتماعية، علاوة عن رفضه الانخراط في خطة دعم نواة القوات الأوروبية ومساندته شبه المطلقة للولايات المتحدة. ودفع الموقف البريطاني المتحفظ على الشأن الجماعي بعض الزعماء الأوروبيين مثل رئيس وزراء ايطاليا رومانو برودي ونظيره في لوكسمبورغ جان كلود يونكير إلى التفكير في تضمين المعاهدة الجديدة تشكيل نواة من الدول التي تبدي رغبة في تعميق الاندماج السياسي. لكنهما توقفا عند مستوى التفكير في الأمر حتى لا يزيدا في تعقيدات مفاوضات المعاهدة الأخيرة. وعقب الرئيس الفرنسي الأسبق والمشرف على مفاوضات مسودة الدستور، قبل طيها، فاليري جيسكار ديستان، على الصعوبات التي اثارتها بريطانيا خلال الجولات الأخيرة من مفاوضات المعاهدة في منتصف حزيران في بروكسيل باقتراحه"منح بريطانيا صفة خاصة داخل الاتحاد إذا كانت لا ترغب في تعميق مسيرة الاندماج الأوروبي". هكذا، سيذكر الأوروبيون رئيس الوزراء السابق طوني بلير. لكنهم قد يرون فيه ايضاً الرجل الأقل تحفظاً مقارنة مع زعماء الطبقة السياسية في بريطانيا حيال الشأن الأوروبي. ويعد بلير عدداً من الأصدقاء ضمن زعماء بلدان وسط وشرق اوروبا. ولن ينسى الجميع أنه شارك في حرب احتلال العراق على أساس اتهامات باطلة وفي غياب الشرعية الدولية. ومع ذلك فان حيويته والشبكات التي نسجها على مدى أكثر من عقد مع الأوساط الأوروبية قد تكون مفيدة بالنسبة لبقية حياته المهنية وقد دفعت البعض إلى ذكر اسمه ضمن الذين قد يرشحون للتنافس على مقعد أول رئيس للاتحاد الاوروبي في عام 2009، موعد بدء تنفيذ معاهدة لشبونة. بلجيكا وثمة بلد اوروبي هو بلجيكا قد يكون صورة مصغرة للانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي وضعف أداء مؤسساته المشتركة ومحدودية تأثيره في الساحة الدولية في وقت تتصاعد فيه قوة الصين وتسجل فيه الولايات المتحدة نكسات قواتها في العراقوافغانستان وخطر الركود الاقتصادي. وتواجه بلجيكا مخاطر الانقسام حيث عجزت الأحزاب الفائزة في انتخابات حزيران الماضي عن تشكيل ائتلاف يقود البلاد في المرحلة المقبلة. ويدور الصراع بين ممثلي الاقليم الفلمنكي والاقليم الفرنكوفوني. ويطالب الأولون بتوسيع صلاحيات الاقاليم من أجل خفض مساهمتهم المالية في صناديق الائتمانات والحماية الاجتماعية على الصعيد الفيديرالي. ويرى الجانب الفرنكوفوني بان طلبات إقليم الشمال تنم عن عدم الاعتراف بجميل العقود الطويلة حين كان الفلمنكيون مهاجرين يعملون في أحواض الصناعة بين السكان الفرنكوفونيين. وعلى رغم التقاء كل الاستطلاعات حول تمسك الغالبية بوحدة البلاد، فان شعور الانحلال والاحباط يسود الشارع الفلمنكي والفرنكوفوني على حد سواء. ويتابع الأوروبيون عن كثب ما يجري في بلجيكا لأنها قد تكون مختبراً لما قد تشهده الكثير من البلدان ويخاصة تلك التي تواجه حركات انفصالية مثل الباسك في اسبانيا والكورس في فرنسا و لالومباردي في ايطاليا.