تعقد في بروكسيل الأسبوع المقبل، قمة أوروبية لاختيار أول رئيس للاتحاد وأيضاً منسق سياسته الخارجية الذي سيتمتع بصلاحيات واسعة ليكون بمثابة «وزير خارجية أوروبا». وأعلنت السويد التي ترأس الدورة الحالية للاتحاد أمس، أن القمة التي تعقد في 19 الشهر الجاري، تأتي بعد مشاورات مع القادة الأوروبيين، في أعقاب مصادقة الدول ال27 الأعضاء في الاتحاد على معاهدة لشبونة التي تعتبر دستوراً أوروبياً، منظماً لآليات اتخاذ القرار في إطار الهيكلية الأوروبية الموحدة. ولم يتبلور بعد أي إجماع على مرشح محدد لرئاسة الاتحاد، ما يرجح أن يجري الاختيار على قاعدة الغالبية، علماً أن المنصب يكتسب أهمية سياسية كبيرة لأنه يضمن استمرار العمل المشترك ويمثل الوجه السياسي والمحاور الأوروبي الرئيس مع القوى العالمية. ويكتسب المنصب أيضاً، أهمية تاريخية، إذ يعكس مدى تقدم مسيرة الاندماج الأوروبي منذ انطلاقها منتصف القرن العشرين. وعلى رغم تعقيدات المساومة الجارية بين الدول الأعضاء ومحدودية صلاحيات الرئيس العتيد، فهو يشكل رمزاً لتوحد أوروبا سلماً، للمرة الأولى منذ تفكك الإمبراطورية الرومانية قبل ألفيتين. وسيكون في حوزة رئيس الاتحاد الأوروبي رقم الهاتف الذي بحث عنه وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر بقوله الشهير في السبعينات من القرن العشرين، إنه «لا يعرف بمن يتصل في بروكسيل» مقر مؤسسات الاتحاد. وسيُعين الرئيس الجديد بمقتضى معاهدة لشبونة التي ستدخل حيز التنفيذ مطلع كانون الأول (ديسمبر) المقبل، بعد استكمال مصادقة تشيخيا، آخر دولة عضو لتسلم المعاهدة إلى إيطاليا، بلد عهدة الاتفاقات، يوم غد الجمعة. كما ستعين القمة الاستثنائية الأسبوع المقبل، منسق السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد، وهي المهمة التي يتولاها خافيير سولانا منذ عشر سنوات حتى نهاية هذا الشهر. لكن المعاهدة تسند الى خليفة سولانا وظيفة نائب رئيس المفوضية وتعهد إليه بمسؤولية إنفاق موازنة ببلايين من اليورو سنوياً، لإدارة علاقات التعاون والشراكة مع الدول الأخرى، بينها الدول العربية، بالتالي سيتجاوز نفوذ المنسق الجديد ما يتمتع به سولانا، نظراً الى الموازنة الهائلة التي سيديرها «القسم الديبلوماسي المشترك». لكن تفاصيل المفاوضات والمساومات التي تميز العلاقات بين دول الاتحاد و «بروفايل» الشخصيات المرشحة، تقلل الأبعاد التاريخية للمنصبين الجديدين. ويخضع اختيار كل من الرئيس و «وزير الخارجية» إلى تحالفات تقليدية داخل الاتحاد وحاجته دائماً إلى توازنات سياسية بين اليمين واليسار، وبين الدول الأعضاء الكبيرة والصغيرة وبين الجنسين. ورجحت مصادر داخل الاتحاد كفة رئيس الوزراء البلجيكي هيرمان فان رومباي للفوز بالرئاسة، كونه ينتمي إلى بلد صغير ساهم في إنشاء المجموعة الاقتصادية الأوروبية. كما ينتمي إلى اليمين – الوسط، أكبر مجموعة سياسية في البرلمان الأوروبي. وينافس رئيس الوزراء البلجيكي كل من نظيريه في لوكسمبورغ جان كلود جونكير والهولندي يان بيتر بالكيننده. ويبدو أن المرشح البلجيكي ضمِن مساندة المحور الألماني – الفرنسي، بعدما تبخرت تقريباً حظوظ رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير الذي يمتلك الكاريزما والعلاقات العامة، لكن رصيده ظل هزيلاً في الشأن الأوروبي المشترك. وينتمي بلير إلى بلد لا يعتمد اليورو ولم ينخرط في معاهدة حرية تنقل الأشخاص (شينغين) ولا في التزامات الحقوق الاجتماعية. كما أن كثيرين لا يأسفون على زعيم «شق الصف الأوروبي» بمشاركته إلى جانب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في حرب العراق من دون شرعية دولية كافية. وأعلنت استوكهولم التي تقود المشاورات بين العواصم الأوروبية، أن الدول الصغيرة ترغب في أن تتولى رئاسة الاتحاد شخصية لا تفرضها الدول الكبرى، ويفضل أن تكون امرأة. وتعد رئيسة ليتوانيا السابقة فايرا فيك فريبيرغا، المرشحة الوحيدة لمنصب رئيس الاتحاد. وبعد عزوف وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند عن الترشح لمنصب منسق السياسة الخارجية للاتحاد، سرت تكهنات عن ترشح مواطنه بيتر مانديلسون أو مواطنتهما كاتي اشتون عضو المفوضية الأوروبية المسؤولة عن التجارة. وقللت مصادر مطلعة من حظوظ رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماسيمو داليما المرشح «المعزول» بسبب ماضيه الشيوعي.