سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"خريطة طريق" بموعد وحيد وتعليق مواضيع البيئة على ... المجهول . فشل مؤتمر "بالي" يتيح للعرب المطالبة ب "نقل التكنولوجيا" والمناخ عنصر حاسم في الانتخابات الرئاسية الأميركية
هل يفتح مؤتمر "بالي"، وبعبارة أكثر دقة فشله، الباب أمام الدول العربية للمطالبة القوية ب"نقل التكنولوجيا"Technology Transfer وهو الموضوع الذي يبدو وكأنه خرج أو كاد من ملف التفاوض الاستراتيجي مع الغرب منذ عقود"وخصوصاً منذ سبعينات القرن الماضي ومطالع ثمانيناته؟ ففي تلك الفترة، تبلور مفهوم عربي قادته المملكة العربية السعودية يرى أن من الممكن ردم الهوة بين الدول الصناعية والنامية، بواسطة خطة عملاقة للتنمية تستخدم دول العالم الثالث فيها أموال النفط والتكنولوجيا المنقولة من العالم الصناعي، ما يكفل النهوض بتلك الدول وإخراجها من تخلفها"وبالتالي حلّ المشاكل المرتبطة بالتخلف مثل الفقر والمرض والديون وغيرها. ولم يكتب لتلك الرؤية ان تصل إلى غاياتها المرجوة، على رغم أنها أثمرت في غير مجال وأنتجت الكثير من المشاريع والصناديق والتوظيفات والمبادرات الإيجابية وغيرها. وخصص الباحث الفرنسي الراحل جان- جاك سرفان شرايبر كتاباً عنوانه"التحدي العالمي"Le dژfi mondial لهذا الموضوع الذي لا يتسع المجال هنا للخوض في تفاصيله. الحزب الجمهوري ينكر الاحتباس الحراري في مؤتمر الأممالمتحدة عن التغيير في المناخ، الذي استضافته جزيرة"بالي"بين يومي 3 و15 كانون الأول ديسمبر الجاري، عادت عبارة"نقل التكنولوجيا"مجدداً لتوضع في صلب العلاقة بين الدول النامية والصناعية، بفضل الإصرار الواعي للمفاوض الهندي، مع دعم من نظرائه في آسيا، وخصوصاً الصين وأندونيسيا. والمفارقة أن المفاوضين العرب لم يظهروا اهتماماً كبيراً بهذا الخط، أو بالأحرى بهذا الباب الهائل الذي فتحته لهم وبضربة أقرب إلى المصادفة المعركة الهائلة عن المناخ التي شهدتها أروقة"بالي". فقد وضعت ظاهرة"الاحتباس الحراري"الولاياتالمتحدة في موقف حرج، باعتبارها مصدراً رئيساً لانبعاث غازات التلوث الناجمة من حرق الوقود الاحفوري النفط والغاز والفحم الحجري واستخدامه كمصدر للطاقة في المواصلات والصناعة والمنازل والمكننة الزراعية وغيرها. والحق أن الدول الغربية تعتمد هذا النوع من الطاقة منذ انطلاق الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. ومن المعلوم أن أميركا دأبت على رفض الاقرار بوجود ظاهرة الارتفاع في حرارة الأرض وبأنها تتصل بتراكم غازات التلوث في الغلاف الجوي، بداية من إنكارها على لسان الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب في"قمة الأرض"التي استضافتها مدينة ريو دي جينيرو في البرازيل في مطلع تسعينات القرن الماضي. وتابع الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش سياسة إنكار ظاهرة الاحتباس الحراري وعلاقتها بالتلوث، وبالتالي رفض تحمل المسؤولية عنها، إلى حدّ سحب توقيع سلفه الديموقراطي بيل كلينتون عن ميثاق"كيوتو"1997 الذي يلزم الدول الصناعية بخفض انبعاث عوادم احتراق الوقود الاحفوري إلى مستويات محدّدة وعبر جداول زمنية واضحة، والذي عمل كلينتون ونائبه آل غور على صوغه. ولكن الأمور لم تسر كما اشتهت إدارة بوش، التي وقفت في صف إنكار الاعتراف بظاهرة الاحتباس الحراري وبأنها ناجمة أساساً من التلوث بغازات حرق الوقود الاحفوري بصورة أساسية. وقد ساهم هذا الأمر في توتر العلاقة بين المجتمع العلمي الأميركي وهذه الإدارة. ومع حلول عام 2007، واجهت الإدارة الأميركية وضعاً خطيراً، لأن لم يعد في إمكانها أن تُدافع علمياً عن موقفها بصدد المتغيرات في المناخ. ففي شباط فبراير المنصرم، صدر تقرير علمي شارك في صوغه قرابة ألفي اختصاصي في شؤون المناخ، وأجمعوا على الإقرار بوجود ظاهرة الاحتباس الحراري وبأنها ناجمة من النشاط البشري وخصوصاً من تلوث الغلاف الجوي الذي تسبّبه الغازات المنبعثة من حرق الوقود الاحفوري المُستخدم في الصناعة والمركبات والآلات وغيرها. ووافق علماء الولاياتالمتحدة المشاركون في"الهيئة الحكومية الدولية عن التغيير في المناخ"على هذا التقرير، الذي حسم الجدال العلمي في هذه النقطة. وأحدث البيان نوعاً من الصدمة الإيجابية، لأن أحداً لم يعد بمقدوره تجاهل الاحتباس الحراري وآثاره الكارثية على البيئة، مثل الفيضانات وتزايد قوة الأعاصير الاستوائية وذوبان الثلوج في القطبين وغيرها. وتفاعل المشهد السياسي العالمي بأثر المناخ أيضاً، خصوصاً لجهة الصراع الدولي على الممرات البحرية التي فتحها الاحتباس الحراري في القطب الشمالي، والتنازع على الثروات المدفونة تحت ثلوج القطبين المرشحة للاختفاء! وهكذا، ساد جو من الجدية في شأن ظاهرة الاحتباس الحراري. وفي مطلع العام، أسست الأممالمتحدة منظمة جديدة للبيئة. وتتالت المؤتمرات الدولية عن المناخ، وتنقلت بين استوكهولم السويد وباريس فرنسا وفالنسيا اسبانيا. واتجهت الأنظار إلى"بالي"بتفاؤل كبير. ووصلت الوفود إلى الجزيرة الأندونيسية لتشارك في مؤتمر رعته الأممالمتحدة عن المناخ. وصرح مسؤولو المنظمة الدولية بأنه لم يعد مقبولاً أن لا تملك الكرة الأرضية حماية من المتغير المناخي سوى ميثاق"كيوتو"الذي لم يستطع إلزام الدول الصناعية بخفض انبعاثاتها من ثاني أوكسيد الكربون، على رغم صيغته الملزمة. وعقدت الآمال على صوغ ميثاق بديل من معاهدة"كيوتو"يكون أكثر قدرة على إحداث تغيير في ظاهرة الاحتباس الحراري. وبعد موجة التفاؤل، ساد الوجوم ثانية. عادت الولاياتالمتحدة إلى موقفها الرافض الالتزام بمستويات محددة من التخفيض في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. وتكرر في أروقة بالي مشهد وقوف ممثلي الإدارة الجمهورية وحيدين في مواجهة العالم في شأن المناخ. ومن موقف دفاعي، طرحت الولاياتالمتحدة مسألة ضرورة مشاركة الدول النامية في تحمّل المسؤولية تجاه المناخ، مع العلم أن الدول الصناعية هي الملوث الأول للغلاف الجوي كما أنها تصرفت في هواء الأرض منذ بداية الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. وهكذا، رفضت الهندوالصين، ومعهما كتلة من الدول النامية، الموقف الأميركي"فيما وقف الاتحاد الأوروبي بينهما محاولاً التوصل إلى تسوية ومُهدّداً شريكه الأميركي بمقاطعة مؤتمرات المناخ التي تنظمها الولاياتالمتحدة إن لم تتجاوب الأخيرة مع الإرادة الدولية في بالي. وفي اللحظة الأخيرة،"تراجعت"الولاياتالمتحدة لتنقذ الموقف برمته"وخصوصاً لكي لا يلقى عليها مسؤولية فشل ذلك المؤتمر، كما ظهر في تصريحات حلفائها ومناوئيها على حد سواء. في المقابل، لا يصعب القول إن"تراجع"أميركا غير مجد. فلم تقبل الولاياتالمتحدة في بالي سوى ما قبلت به قبل ذلك المؤتمر! وتمثل"التراجع"الشكلي لأميركا في اعترافها بظاهرة الاحتباس الحراري وهو أمر سبق أن أقرّت به، واستعملت الاعتراف لتتنصل من الالتزام بجداول زمنية أو بأهداف محددة بالنسبة لتخفيض انبعاث ثاني أوكسيد الكربون وغيره من العوادم الملوثة. لا التزام أميركياً بالأرقام أو بالمواعيد، ما خلا موعداً وحيداً: أن تنطلق المفاوضات عن المناخ وانبعاثات الغازات الملوثة في نيسان ابريل المقبل، لتستمر مدة سنتين. وأصرت الولاياتالمتحدة على ترحيل المواضيع المتصلة بتخفيض انبعاثات الكربون وغازات التلوث إلى المفاوضات الماراثونية التي يفترض أن تستمر سنتين، بدءاً من نيسان 2008. ويرى كثيرون أن هذه المناورة الواسعة لإدارة بوش مرتبطة بالانتخابات. فعند حلول نيسان المقبل، تكون الولاياتالمتحدة في ذروة انشغالها بمجريات حملة الانتخابات الرئاسية. ومن المعلوم أن الحزب الديموقراطي يعتبر البيئة نقطة ضعف مكشوفة في الحزب الجمهوري، وخصوصاً بعد أن نال نائب رئيس الجمهورية السابق آل غور من الحزب الديموقراطي جائزة نوبل عن اهتمامه بالبيئة، ما يعزّز الصورة المعروفة عن اهتمام الديموقراطيين بالبيئة. وبإمكان الحزب الجمهوري استخدام الموقف الراهن للقول إنه يتّخذ موقفاً أكثر مسؤولية حيال البيئة. ومن الناحية العملية، فإن المواقف الجمهورية المتصلبة والرافضة خفض الالتزام بتخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، هي محط رضى شركات البترول الأميركية التي تربطها علاقات وثيقة مع الإدارة الجمهورية الحالية. وفي المقابل، فإن فشل هذه المناورة يهدّد بوضع الحزب الجمهوري في موقف صعب انتخابياً، خصوصاً مع مسار الأزمات في الشرق الأوسط والعراق وإيران وأفغانستان، وتدهور العلاقات مع روسيا، واستمرار التوتر مع الصين، والانخفاض الكبير في سعر الدولار المُنذر بإطلاق موجة من التضخم، وأزمة الرهن العقاري، والارتفاع الهائل في أسعار النفط، والفضائح السياسية المتوالية وغيرها. ويُوحي المناخ السياسي السائد في واشنطن راهناً بحدوث تغيير داخلي كبير فيها. والمفارقة أنه يُذكر بالأجواء التي رافقت سقوط الرئيس الديموقراطي هنري ترومان وصعود الرئيس الجمهوري دوايت ايزنهاور، الذي رفع شعار"تجديد العقد الاجتماعي"في أميركا. هل يقود المناخ الى شيء مشابه في الرئاسيات الأميركية؟ لننتظر ونر. "نقل التكنولوجيا"من منظار البيئة وعقب انفضاض مؤتمر بالي مباشرة، تابعت الولاياتالمتحدة تحركها الاستراتيجي، وانطلقت من موقفها الدفاعي لتحمي اندفاعة هجومية قوامها التركيز على نقل الكرة إلى ملعب الدول النامية تحت شعار ضرورة أن"تشارك"في تحمّل المسؤولية حيال المناخ. وقد تحوّطت الدول النامية نسبياً من هذا الهجوم الأميركي، خلال مجريات"بالي"كما في مؤتمرات سابقة أيضاً. إذ تحاول أميركا التشديد على أهمية أن تنتقل الدول النامية إلى مرحلة الصناعة المتوائمة مع البيئة. ويبدو هذا الشعار محقاً على السطح، لكن ذلك الانتقال يحمل في ثناياه كلفة ثقيلة، ذلك أنه يقتضي استعمال مواد أولية متوائمة مع البيئة أو تحويل المواد الأولية التقليدية إلى خامات غير ملوثة للبيئة، وكذلك يفترض تطبيق"الصناعة النظيفة"التي تتطلب توظيف تقنيات متقدمة ومكلفة في التعامل مع الطاقة والانتاج. وانطلاقاً من هذا الأمر، تطرح الدول النامية موضوع البيئة من وجهة تنموية أيضاً، خصوصاً أن الدول الصناعية لم تواجه أعباء البيئة طوال قرنين من النمو الصناعي المنفلت. وترى أن المشاركة فعلياً تفرض على الدول المتقدمة أن تنقل التكنولوجيا والمعرفة إلى الدول النامية، لكي تتمكن من السيطرة على التقنيات النظيفة في الصناعة والطاقة، بمعنى تمكنها من المعرفة التكنولوجية بطريقة تمكنها من انتاج تلك التقنيات بنفسها، وعدم الوقوع في أسر التكلفة العالية لاستيرادها وكذلك تجنب فخ التبعية علمياً وعملياً للغرب الصناعي. وفي هذه الثنية بالتحديد من الصراع بشأن المناخ، ثمة فرصة نادرة قد تكون في متناول العرب: أن يصير"نقل التكنولوجيا"حقاً للدول النامية، بمعنى اندراجه ضمن التبادلات الاستراتيجية في الأسواق العالمية عبر إلزام الدول الصناعية بنقل معارفها وتقنياتها إلى الدول النامية، بما فيها الدول العربية. إنها فرصة نادرة فتحها المناخ، فهل يلتقطها العرب؟ أم انها مرشحة للضياع بفعل تآزر الجهل وغياب التخطيط الاستراتيجي في العلوم والتكنولوجيا وتجاهل الإرادة السياسية لكي لا يقال أشياء أخرى لأهمية العلم في التنمية واللحاق بالركب العالمي وتضييق"الفجوة الحضارية"مع العالم المتقدم؟ [email protected]