هل تراهن الدول المتفاوضة في مؤتمر الأممالمتحدة عن التغيّر في المناخ - المكسيك («كوب 16» COP16) الذي يستضيفه منتجع كانكون، على التوصّل الى اتفاقية في اللحظة الأخيرة في مؤتمر «كوب 17» المقرر عقده في مدينة دربان (جنوب أفريقيا) العام المقبل أو ربما في «كوب 18» المنتظر التئامه في قطر 2012، عندما يكون «بروتوكول كيوتو» قد استنفد كلياً؟ ربما يبدو سؤالاً كئيباً عن مؤتمر للبيئة يعقد في ختام سنة مكرّسة للتنوّع البيولوجي، وعقب 18 عاماً من المفاوضات الدولية المتلاحقة عن المناخ. وتبرّر السؤال أجواء المماحكة التي تسود مؤتمر «كوب 16» والتي تبدو وكأنها مجرد حلقة اخرى من سلسلة لم تنقطع من الخلافات المتشابكة حول قضية المناخ والبيئة. منذ البداية، حاول المؤتمر تجنّب الخلافات الشائكة. ومن أصل الأعمدة الخمسة الإستراتيجية في التصدي للتلوث والاحتباس الحراري (التخفيض، التأقلّم، التخفيف، الاستقرار وترسيخ بيئة نظيفة) التي ترسّخت في المؤتمرات السابقة عن البيئة والمناخ، ركّز المؤتمر على التأقلّم في شكل شبه حصري. ويعني التأقلّم ضبط عمليات التنمية، خصوصاً انبعاث الغازات الدفيئة، بما يتلاءم مع الوضع القائم في البيئة، بمعنى عدم مفاقمة أوضاع البيئة المتدهورة أصلاً. ومال «كوب 16» إلى التواضع، وركّز عينيه على التأقلم، وبقيت الخلافات متفجرة. خلل متفاقم منذ «قمة الأرض» في «كوب 16»، ترى مجموعة «77 + الصين» (التي تضم الدول العربية ومعظم الدول النامية) أن اليابان تحاول التملّص من التزاماتها في «بروتوكول كيوتو» تحت ذرائع شتى، فيما تشير اليابان إلى أن استمرار العمل بما التزمته في هذا البروتوكول، لم يعد عملياً. عمّ يدور النقاش في العمق؟ بصورة سريعة، من المستطاع الرجوع بالخلافات حول البيئة والمناخ الى «قمة الأرض» التي عقدت في مدينة ريو دي جينيرو في البرازيل. جاءت هذه القمة في مناخ رائق، إذ كانت الحرب الباردة انتهت لتوّها. وحضر الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب المؤتمر، بصفته ممثلاً لعالم جديد، محملاً بالآمال. على رغم ذلك، لم يسلّم بوش بوجود ظاهرة الاحتباس الحراري أصلاً! أحضر بوش معه خبراء في البيئة، قدّموا نماذج محاكاة افتراضية للمناخ على الكومبيوتر، كي «يثبتوا» أن الارتفاع الحاصل في درجة حرارة الأرض، وبالتالي في مستوى غازات الميثان وثاني أوكسيد الكربون وأول أوكسيد الكربون، لا يعني وجود غلالة تشرنق الأرض من تلك الغازات (التي تصدر عن نشاطات البشر)، ولا يبرهن ظاهرة الاحتباس الحراري. المفارقة، ان الحزب الجمهوري لا يزال متمسكاً بموقفه الذي ينفي وجود الاحتباس الحراري لحد الآن، بل إنه صار أشد تمسّكاً بها مما كانه أيام بوش الأب! اختتمت «قمة الأرض» على اتفاقية لحماية التنوّع الحيوي في البيئة، لكن الكونغرس لم يقرّها. في ولاية الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون، سجّل ما يشبه الانتصار الوحيد في موضوع البيئة، متمثّلاً ببروتوكول «كيوتو»، الذي أقرّ في 1997. ويقضي البروتوكول بأن تعمل الدول الصناعية (خصوصاً أوروبا واليابان)، على خفض ما تنفثه مصانعها ومواصلاتها ومولّداتها من غازات مُلوّثة، بنسبة تتراوح بين 5 و7 في المئة، كي تصل الى مستوياتها في بداية عقد التسعينات من القرن العشرين. وجرى التشديد على ضرورة ألا يزيد الارتفاع في حرارة الأرض، درجتين فوق ما كانته في عصور ما قبل الصناعة. في ذلك المؤتمر، جرى التشديد على أن الدول التي دخلت العصر الصناعي تتحمّل مسؤولية تاريخية عن التلوّث، وتالياً يقع عليها العبء الأكبر في التخفيف منه. ولأسباب متنوّعة اخرى، استثنيت الصين والهند من هذا البروتوكول. وسرعان ما تعقّدت الأمور مع عهد الرئيس جورج دبليو بوش الذي بادر الى التحلّل مما التزم به كلينتون حيال البيئة. وسحب توقيع بلاده عن البروتوكول، على رغم تصدّرها قائمة الدول المُسبّبة للتلوّث، وتالياً الاحتباس الحراري، وهي ظاهرة لم يكن بوش الابن ميّالاً للأخذ بها. وفي كانكون، تناقش اليابان أن الوضع الراهن يعني أن تواصل التزامها خفض انبعاثاتها من غازات التلوّث (نسبتها 3 في المئة من إجمالي هذه الغازات عالمياً)، فيما الولاياتالمتحدة والصين، وهما الملوّثان الأكبر للبيئة (50 في المئة) لا تلتزمان بها! ويزيد في حدّة الموقف الياباني، ان المؤتمر الفاشل في كوبنهاغن السنة الفائتة، اختتم باتفاقية صيغت في اللحظة الأخيرة بين رؤساء أميركا والصين والهند، وهي دول لا يلزمها «بروتوكول كيوتو» بشيء! واستطراداً، ما زالت النقاشات عن وجود الاحتباس الحراري مستمرة في أروقة كانكون، وإن بلهجة أقلّ مما كانته في مؤتمرات سابقة. إذ يناقش البعض أن التسليم بوجود احتباس حراري ناجم عن التلوّث بغازات الصناعة، يعني أن حرارة الأرض يجب أن تتزايد من سنة الى سنة. ويتمسك هؤلاء بأن التقلّب في الحرارة يلقي شكوكاً حول الاحتباس الحراري. لذا، بدا تقرير الأممالمتحدة عن الحرارة في هذا العام وكأنه يصبّ الزيت على النار، إذ رجحت «المنظمة الدولية للأرصاد الجوية» أن يكون عام 2010 من أكثر السنوات ارتفاعاً في درجات الحرارة. وفي كانكون، أوضحت المنظمة التابعة للأمم المتحدة، ان متوسط درجات الحرارة في العالم في الفترة بين عامي 2001 و2010 كان الأعلى منذ بدء تسجيل أحوال الطقس في عام 1850. وأضافت ان 2010 هو الأكثر حرارة حتى الآن، بمعنى أنه يلامس ما سُجّل عامي 1998 و2005: وهما الأكثر حرارة في تاريخ تسجيل حرارة الأرض. ولكن، ليس 2010 بالأكثر حرارة، إذ يرجح ان موجة البرد والثلج التي تضرب أوروبا وآسيا، كفيلة بأن تجعل سجل الحرارة فيه أقل من 1998 و2005. وإذا صحّ ذلك، فقد يعطي حجة قوية للمتمسكين بأن العلاقة بين التلوّث والاحتباس الحراري ربما كانت أكثر تعقيداً مما يبدو، ما يفتح باباً للتملّص من الالتزام المُقيّد في شأن غازات التلوّث! واستطراداً، يشار إلى ان «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية» (WorldMeteorologicalOrganization) هي المرجع في الأممالمتحدة في ما يخصّ حال الغلاف الجوي للأرض وسلوكه وتفاعله مع المحيطات، والمناخ الذي ينتج منه، وما يتصل بذلك من آثار على المياه ومواردها وتوزيعها. ويشير الاهتمام بتقرير «المنظمة الدولية للأرصاد الجوية» إلى الجو المتراجع الذي يسود نقاشات البيئة في كانكون عموماً. ويدلّ على التراجع غياب النقاش عن العلاقة بين نقل التكنولوجيا من الدول المتقدمة الى النامية، مقابل التزام الأخيرة بقبول قيود على صناعتها وتنميتها. وقد سيطرت هذه الترسيمة على كثير من نقاشات مؤتمرات البيئة السابقة، بل إن مؤتمر بانكوك الذي مهّد لقمة «كوب 15» في الدنمارك، تفجّرت خلافاته حول هذه النقطة أكثر من غيرها. ولا يتردّد البعض في الوصول الى استنتاج مفاده أن مؤتمراً يُعقد تحت آفاق ضيقة ومحصورة بهدف التأقلم، لن ينجح في حسم شأن البيئة المُعقّد. وربما كانت الدول تمارس نوعاً من سياسة «حافة الهاوية» (صاغها وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت مكنمارا في خضم أزمة الصواريخ مع كوبا)، بمعنى أنها تفضل التصعيد والتشدّد، حتى اللحظة الأخيرة، كي تحصل على أقصى ما يمكنها الوصول إليه. إذا صحّ ذلك التصوّر، فالأرجح ان تتكرّر إطالة النقاشات حول البيئة في دربان العام المقبل، فتصل الأمور الى نقطة حرجة (وأخيرة؟) في عام 2012، عندما تنتهي المدة الزمنية لبروتوكول كيوتو، فلا يعود ثمة مخرج سوى التوصّل الى تسوية ساخنة، في اللحظة الأخيرة حرفياً. هل علينا الانتظار حتى «كوب 18» في قطر 2012؟ هل تسجّل الدوحة حينها انتصاراً آخر، على غرار نجاحها في استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، عبر ملف كان البُعد البيئي (ملاعب مكيّفة تستهلك طاقة نظيفة تأتيها من ألواح شمسية - كهربائية)، جزءاً أساسياً منها؟