يبدأ الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي اليوم الإثنين زيارة لفرنسا تُكرّس خروجه من العزلة ويُتوقع أن تثمر اتفاقات ببلايين الدولارات ربما تشمل شراء اسطول من طائرات الركاب من شركة"ايرباص"وتجهيزات دفاعية. لكن أكثر ما سيكون لافتاً على هامش هذه الزيارة هو خطة فرنسا لبيع ليبيا مفاعلاً نووياً مدنياً، بعدما كانت"الجماهيرية"متهمة على مدى سنوات بأنها"راعية الإرهاب". وستكون هذه الزيارة الأولى للقذافي إلى فرنسا منذ العام 1973، علماً انه زار بروكسيل في 2004 في أول خروج له إلى أوروبا بعد سنوات العزلة. واضطر الرئيس نيكولا ساركوزي خلال مشاركته في القمة الاوروبية - الافريقية في لشبونة إلى أن يُدافع عن توجيهه الدعوة الى القذافي في ظل تصاعد الانتقادات الداخلية ضده. إذ قال:"إذا لم نرحّب بأولئك الذين يسيرون في الطريق نحو الاحترام، فماذا نقول للذين يسيرون في الاتجاه المعاكس؟". وأثارت زيارة القذافي مشاكل بروتوكولية. ففي البداية أُعلن أنها ستدوم ثلاثة أيام، لكنها صارت الآن ستة أيام. وسينزل في مقر ضيافة قرب قصر الرئاسة في الاليزيه، لكنه سيجلب معه"خيمته البدوية"لينصبها في حديقة قصر الضيافة. وقال مسؤولون فرنسيون أنهم ليسوا متأكدين بعد من البرنامج الكامل للزعيم الليبي خلال زيارته. كذلك قالت السفارة الليبية في باريس انها غير متأكدة من البرنامج في صورته النهائية. لكن القذافي وساركوزي سيلتقيان مرتين لإجراء محادثات يُرجّح أن تُركّز على الإرهاب والعلاقات الثنائية والاستراتيجية وعلى مشروع الرئيس الفرنسي لإقامة"اتحاد متوسطي". كذلك يُتوقع أن يشغل موضوع مكافحة الهجرة غير الشرعية حيّزاً من المحادثات كون كثيرين من المهاجرين ينطلقون من الأراضي الليبية عبر البحر المتوسط في اتجاه السواحل الأوروبية. وأعلنت ليبيا في العام 2003 تخليها عن برامج أسلحة الدمار الشامل، ودفعت تعويضات لضحايا تفجير طائرتي"بان أميركان"الأميركية فوق لوكربي عام 1988 و"يوتا"الفرنسية فوق النيجر عام 1989. ونال ضحايا الحادث الأول 2.7 بليون دولار، فيما حصلت عائلات الطائرة الفرنسية على 170 مليون دولار. وطالب رئيس النواب الاشتراكيين معارضة جان مارك ايروه، أمس الأحد، بالغاء زيارة القذافي، مؤكداً أن كتلته ترفض استقباله. وأعلن ايروه في بيان ان"استقبال العقيد القذافي في الجمعية الوطنية غير مقبول". وأضاف ان النواب الاشتراكيين"يرفضون استقبال رئيس الدولة الليبي"و"يطلبون رسمياً من رئيس الجمعية الوطنية الغاء تلك الزيارة". وتابع ايروه:"إذا أراد العقيد القذافي أن يكون مدعواً فعليه أن يضع حداً لنظام التجاوزات. لا بد أن يكف عن الاشادة بالارهاب الدولي قولاً وفعلاً". وشدد على أن"لجنة التحقيق البرلمانية حول الافراج عن الرهائن البلغار من ليبيا كشفت انهم تعرضوا الى التعذيب والانتهاكات"قبل الافراج عنهم بفضل تدخل الرئيس الفرنسي ساركوزي في تموز يوليو. وأضاف ان اللجنة"أكدت أن اللجوء الى التعذيب منهجي وما زال متواصلاً في السجون الليبية". وخلص الى القول انه"اياً كانت مبررات تلك الزيارة لفرنسا"فإنه"من غير المعقول ان توافق الجمعية الوطنية على مثل تلك الانتهاكات لحقوق الانسان"، مؤكداً ان"ذلك سيكون اهانة للضحايا ولكافة المبادئ الديموقراطية التي تمثلها جمعيتنا". ومن المقرر أن يجري القذافي خلال زيارته الرسمية لفرنسا محادثات مع رئيس الجمعية الوطنية برنار اكويه العضو في حزب اليمين الحاكم ويلتقي عددا من البرلمانيين. وفي الإطار ذاته، رفعت جمعية"تشيرنوبلاي"الفرنسية المناهضة للنووي، دعوى على الزعيم الليبي بتهمة التعذيب وطالبت بتوقيفه اثناء زيارته الى فرنسا. ورفعت الجمعية التي تتخذ من بوردو جنوب غربي فرنسا مقرا لها، دعوى الى مدعي الجمهورية في محكمة البداية في باريس الأحد، مشيرة الى"مبدأ الصلاحية الشاملة"الذي تبنته فرنسا في قانونها الداخلي عند توقيعها الاتفاقية الدولية لمكافحة التعذيب عام 1984. ويشير نص الدعوى الذي حصلت وكالة"فرانس برس"على نسخة منه الى"عمليات التعذيب التي تعرض لها الرهائن البلغار"، واعترف بها سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي، في آب اغسطس المنصرم، بحسب"تشيرنوبلاي"التي طالبت المدعي"باتخاذ الاجراءات"لتوقيف الزعيم الليبي اثناء زيارته الى باريس. واضافت الجمعية في دعواها:"نلفت نظركم الى أن معمر القذافي لا يتمتع بحصانة رئيس دولة، حيث انه في بلده لا يستفيد رسمياً من هذا الموقع لأنه يعتبر"زعيما"". وأضاف البيان"ان"المقايضة النووية"بين الرهائن البلغاريين الذين سلموا الى ساركوزي ليبدو وكأنه"مخلصهم"، والحصول على النووي الذي وعد به ساركوزي القذافي، سيؤدي الى تشجيع عمليات خطف رهائن مصحوبة بالتعذيب". وتساءلت تشيرنوبلاي:"كيف نتأكد من ان القذافي لن يعمد بعد تزويده بالتقنيات والمواد المشعة، الى تعزيز الانتشار النووي؟". وطالبت بالغاء الاتفاق النووي الذي عقده الرئيس الفرنسي والزعيم الليبي في 25 تموز يوليو المنصرم في طرابلس.