موسكو: «البريكس» لا تخطط لإصدار عملة موحدة    التوعية ودعم الشباب.. أبرز توصيات ورشة "إعمار الأرض" بالأحساء    تدريب 15 طالبة جامعية على نظم المعلومات الجغرافية بالشرقية    غوارديولا: مواجهات السيتي والريال المتكررة أصبحت مثل الديربي    الفتح يستعير نواف العقيدي    مخيم "مشراق 2″يختتم فعالياته التوعوية تحت شعار "شتاؤنا غير مع تواصل"    ضبط هندي ومواطن في القصيم لترويجهما مواد مخدرة    تعليم شرق الدمام" يكرم الفائزين بمسابقة تحدي القراءة العربي    هل يعود «بيكيه» ل«شاكيرا» ؟    الخليج يتعاقد مع النمساوي "توماس مورغ"    «صفقة السبت».. إطلاق 3 أسرى إسرائيليين مقابل 90 فلسطينيا    تعرف على تفاصيل «المصافحة الذهبية» للجهات الخاضع موظفوها لسلالم الخدمة المدنية    «الأونروا» تحذر: وقف عملنا يقوض هدنة غزة    الأستاذ يحيى الأمير.. "وجدت نفسي تلميذًا بين يدي الطبيعة ومواسم الحصاد كانت تأسرني"    المربع الجديد يستعرض رؤيته لمستقبل الحياة الحضرية في منتدى مستقبل العقار    رئيس «مكافحة الفساد»: قواعد «التسويات المالية» تهدف إلى استعادة الأموال المنهوبة    حرس الحدود بالمنطقة الشرقية ينقذ امرأة من الغرق أثناء ممارسة السباحة    خطيب المسجد النبوي: ثقوا بربكم الرزاق الشافي الغني عن الخلق فهو المدبر لأموركم    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 55 لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة    القيادة تهنئ رئيس جمهورية ناورو بذكرى استقلال بلاده    دور برنامج خادم الحرمين الشريفين في إثراء تجربة المستضافين في ندوة بمكة اليوم    الأمانة العامة للبرلمان العربي تعقد الاجتماع التنسيقي الأول لإعداد الاستراتيجية العربية للاقتصاد الأزرق    رحيل الموسيقار ناصر الصالح    الراجحي: رالي حائل نقطة انطلاقتي للمنصات العالمية    تقييم جديد لشاغلي الوظائف التعليمية بالمملكة من 5 درجات    رياح نشطة مثيرة للأتربة والغبار على تبوك والمدينة ومكة    ارتفاع اسعار النفط    ارتفاع أسعار الذهب متجهة لتحقيق مكاسب للأسبوع الخامس على التوالي    «سلمان للإغاثة»: تدشين مشروع أمان لرعاية الأيتام في حلب    فانتازيا المسلم بين سحرية التراث ورفض النخبة    هل سمعت يوماً عن شاي الكمبوتشا؟    دهون خفيّة تهدد بالموت.. احذرها!    للبدء في سبتمبر.. روسيا تطلق لقاحاً مضاداً للسرطان يُصنع فردياً    رابطة العالم الإسلامي تعزي في ضحايا حادثة اصطدام الطائرتين في واشنطن    القاتل الثرثار!    "الدهام" و"فيريرا" يكملان قائمة تحدي الخيالة الدولي بكأس السعودية 2025    وفاة ناصر الصالح    هل تنجح قرارات ترمب الحالية رغم المعارضات    العنزي يحصل على درجة الدكتوراة    قوة التأثير    الغامدي ينضم الى صفوف نيوم على سبيل الاعارة    التراث الذي يحكمنا    لماذا صعد اليمين المتطرف بكل العالم..!    نيابة عن أمير قطر.. محمد آل ثاني يقدم العزاء في وفاة محمد بن فهد    مصحف «تبيان للصم» وسامي المغلوث يفوزان بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    تجمع القصيم الصحي يفوز بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية السعودي 2025    "مفوض الإفتاء بمنطقة حائل":يلقي عدة محاضرات ولقاءات لمنسوبي وزارة الدفاع    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم مبادرة " تمكين المرض"    الديوان الملكي: وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    المفتي للطلاب: احذروا الخوض في منصات التواصل وتسلحوا بالعلم    عشر سنبلات خضر زاهيات    تعزيز العلاقات البرلمانية مع اليابان    أهم الوجهات الاستكشافية    مختبر تاريخنا الوطني    خطورة الاستهانة بالقليل    حسام بن سعود يستعرض مشروعات المندق    أمير حائل يناقش خطط القيادات الأمنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معوقات حرية الفرد في "سلاطة بلدي"
نشر في الحياة يوم 09 - 11 - 2007

"سلاطة بلدي" فيلم يثير جدالاً وتتعدد قراءاته وتختلف، وتصل في اختلافها الى حد التناقض. صاحبي الذي لا أذكر اسمه لأنني لم استأذنه يقول إن الفيلم يدعو الى التطبيع، ويؤصل لتاريخ الشيوعية في مصر، ويحسن من صورة اليهود ويسيء الى الإسلام. وعلمت بعد ذلك أنه لم يكن وحده صاحب هذا الرأي وإنما شاركه عدد من النقاد وآخرون ممن حضروا عرض الفيلم في مهرجان أبو ظبي.
للوهلة الأولى هناك في الفيلم أسرة مصرية مسلمة تزور اسرة من أقاربها اليهود في إسرائيل، والشخصية الرئيسة لها دور في تاريخ الشيوعية المصرية، والأسرة اليهودية التي نلتقي بها تترك أثراً طيباً في المشاهد نفسها. ولكن قراءتي للفيلم تناقض هذا الرأي.
لو نظرنا الى الفيلم بعين صافية بعيدة من التصيد والتنميط، لأمكننا ان نصل الى قراءة أخرى مختلفة وان كانت لا تصادر غيرها من القراءات.
هل يمكن ان نلصق تهمة التطبيع بكل من يسافر او يريد أن يسافر الى إسرائيل؟ الإجابة النمطية السهلة التي لا تفرق بين أسباب الحالات الفردية وبعضها، هي نعم. ولكن عندما ندقق النظر في أسباب الحالات وخصوصاً الاستثنائية ربما نتردد كثيراً في أن نطلق هذه التهمة، تهمة التطبيع والحال التي نحن في صددها هي حالة استثنائية جداً.
السيدة المسلمة العجوز نائلة كامل لها أقارب من اليهود من طريق الأب كانوا يعيشون معاً في مصر، ورحلوا عنها منذ أكثر من 50 عاماً واليوم ينتاب السيدة العجوز الحنين الى رؤية أقاربها الذين تفرقوا في بلاد مختلفة ومنها إسرائيل.
ابنة السيدة نائلة المخرجة نادية كامل أرادت أن تحقق أمنية أمها العجوز وان تجعل من زيارتها لأقاربها في إسرائيل وإيطاليا موضوعاً لفيلمها،. ولم يكن هدف الفيلم - في رأيي - ان تشغلنا بهموم أسرتها الخاصة الاستثنائية، لكن الموضوع كشف بقصد أو من دون قصد، عن جانب من جوانب أزمة الوجود الإنساني.
يذهب الفيلم الى أن السبب في هذه الأزمة يرجع الى بعض رجال الدين والسياسة. فهم الذين يمزقون العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان. ويسيرون على هدى من معكوس الآية"وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا".
في أول مشهد من مشاهد الفيلم نسمع خطيب الجامع وهو يلقي خطبة العيد. يصرخ في الجموع محرضاً إياهم ضد"الأعداء الذين يتربصون بالدين"، ولا يعني ذلك الإساءة للإسلام ولكن التحفظ على من يفسرون الدين على هواهم أو يؤكدون على معان دينية ضيقة من دون المعاني الأخرى الأكثر رحابة وتسامحاً، فالأمر لا يتعلق بالدين وإنما يتعلق بالأفراد وتطويع المقولات الدينية لمقاصدهم ودعم سلوكهم، وهو ما يؤكده المشهد التالي: نرى السيدة نائلة وهي تحكي لحفيدها عن زواجها من الشاب المسلم الذي أحبته وكانت وقتها مسيحية، وذهبت لتبلغ أهلها برغبتها في الزواج منه، فحذروها بأن المسلمين يسيئون معاملة النساء، الرجال منهم يتزوجون بأكثر من امرأة، ولكن حبيبها الشاب يطمئنها بأن من المسلمين من يحسنون معاملة النساء ومنهم من يكتفي بزوجة واحدة وضرب لها مثلاً بأسرته، فتزوجته ثم تحولت الى الإسلام.
كان الشاب الذي تزوجته هو سعد كامل الذي اصبح واحداً من كبار المفكرين الماركسيين في مصر، وشاركته في كفاحه وإيمانه بالماركسية، وكان لها نصيبها من السجن كما كان له نصيبه.
وأثناء إنجاز المخرجة للإجراءات الكثيرة لسفر والديها الى إسرائيل نسمع حواراً بين سعد كامل وزوجته يؤكد ضرورة إبلاغ المباحث يقصد مباحث أمن الدولة. وتتكرر كلمة تصاريح أمام الحفيد اكثر من مرة فيسأل عن معنى التصريح، فالدولة حاضرة دائماً تحكم تصرفات الأشخاص.
وكانت اخت المخرجة المتزوجة من فلسطيني تتمنى أن تصحبهم في هذه الرحلة لتمر على غزة لكنها خشيت ان صرحت لها اسرائيل بالدخول ربما لن تصرح لها بعد ذلك بالخروج، وفي مشهد آخر نعلم من حوار بين الأم وأحد معارفها الفلسطينيين أنه حتى مع توافر التصاريح، فإسرائيل أغلقت المعابر. وأثناء اللقاء الحميم بين السيدة نائلة وأقاربها في إسرائيل يتحسر الأقارب الكبار على الأيام الحلوة التي قضوها في مصر وما زالت تعيش في أذهانهم وتملأ قلوبهم. أحدهم يستعرض للسيدة نائلة حجرته البسيطة ويقول لها انه يقضي فيها ساعة منفرداً كل يوم مع غناء أم كلثوم، ولا يقبل أن تقاطعة زوجته أو زيارة صديق أو أي أمر آخر. فأم كلثوم ما زالت في قلبه. لكن أحلامهم لا تخرج بعيداً من حجراتهم، فالدولة العبرية سجنتهم داخلها.
وتحاول المخرجة ان تأخذ أمها وأباها لتعبر الحدود الى غزة إذ تلتقي بزوج شقيقتها الفلسطيني المسلم وأقاربه. في الطريق تستعرض الكاميرا الجدار العازل الذي أقامته إسرائيل لتعزل الفلسطينيين عن الإسرائيليين ويبدو سداً رهيباً بارتفاعه الشاهق. وعند نقطة التفتيش يمنعونها من التصوير ويمنعونها من العبور كما يمنعون الآخرين. وتعود هي وأسرتها خائبة من دون ان تستكمل أمنية أسرتها في لقاء بقية الأهل.
المشكلة هنا ليست مشكلة زيارة أو تطبيع، وإنما هي - كما تبدو لي - من تفاصيل الفيلم مشكلة الفواصل بين البشر التي يوجدها رجال السياسة ورجال الدين، وهي مشكلة لا حل لها، لأن لا خلاص من السياسة أو رجال الدين، والفيلم إذ يرصد هذه المشكلة يشير الى المأساة الوجودية الإنسانية التي يعاني منها الإنسان ويستحيل الخلاص منها. هنا يخيل إلي أن اختيار الزيارة لإسرائيل كان اختياراً نموذجياً حيث يمثل وجود إسرائيل في ذاته نموذجاً لقهر الفرد تحت ضغوط وأوهام السلطة الدينية والسياسية.
لقد استطاعت المخرجة بما صورته من عدد هائل من الساعات ان تخلص الى بناء فيلم متكامل في حدود 105 دقائق، جعلت منه عملاً فنياً رفيعاً يجذب اهتمام المشاهد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.