في مستهل كتابه الجديد "مقال الاربعاء - مختارات اعتباراً من العام 2000" دار الساقي يسأل الكاتب والصحافي سمير عطاالله:"هل يعيش المقال السياسي الى اليوم التالي؟ ماذا يبقى من الحدث الذي فقد حيويته وصار في رماد النهار؟". هذا السؤال الذي غالباً ما يطرحه كتّاب المقالات أو المعلّقون السياسيون حاول عطاالله ان يجيب عليه قائلاً في المقدمة:"كان الساخر الفرنسي بيار دانينوس يقول ان الانسان يحب ان يكرر يوم العطلة لا يوم العمل. والكتّاب عادة يعيدون جمع المقالات الادبية أو الفكرية، التي لا يمرّ عليها زمن او تصفرّ أوراقها في شمس الأيام. لكنني تلقيت قبل ثلاثة اعوام رسالة من طبيب في بيروت، بالبريد المضمون، يقول فيها:"إن المقال في الصحيفة يظل"فالتاً"الى ان نحفظه بين دفتين. احفظ هذه المقالات في دفتين". حفظت النصيحة وأضعت الرسالة .... بعد ذلك تبدأ المهمة الاكثر شقاء: كيف يمكن كاتباً ان يختار المقالات الصالحة للانتقال من عبور اليوميات الى ديمومة الكتب؟ ثم يأتي الامر الآخر: من يقدّم للكتاب؟ لدي قناعة قديمة بأن الكتاب الذي يحتاج الى تقديم، لا يستحق الصدور، والكاتب الذي يحتاج الى التعريف لا حاجة للناس الى ما يكتب". الا ان الكاتب لم يشأ كتابه بلا مقدمة فاختار رسالة كان بعثها اليه الأديب سليم باسيلا وجعلها بمثابة مقدمة. ومما كتب باسيلا مخاطباً عطاالله:"وذهبتَ الى سياسة لاقيتَ في الكتابة فيها، كداً يضني، وجهداً آذاك، فاصبرتَ نفسك على ما يصطلح عليها من تيارات وأهواء، ثبتَّ لها، وغلبتً عليها. كما ذهبتً الى سياسة هي حِدة ملكة، وصفاء ذهن، ورقائق، وتصوف، وعين لا تكسرها ريبة، ولا تقصرها جبانة، وسياسي لا يندلق على الناس بالزهو، ولا يهدهد كسلة الرخي على كرسي هزاز، او مقعد دوار في مجلس حكم، ويعرض عن مطالب السلطة، ويصدف عن مناهج العيش. أليس ان أبقى ما في فكرك السياسي أنك جعلته دليلاً عليك، وسبيلاً اليك، ولم تذهب به نفسك على لذائذ الحكم. لأنك كتبت في سياسة هي حق، وخير، وجمال، ومعرفة، وما تلكأت، ولا تلجلجت، ولا تكثرت، وذهبت في العمق منها من دون أعنات، وبرشاقة من دون تكلف، وتخيّر كلمة من غير قصد، أفلا يطيب لك في بعض ساعاتك ان يقرأك الناس في ما كتبت، فتدنيهم منك، وتدعوهم الى مسايرتك في ما تقدم عليه، وتحجم عنه، وما تتعذّب له، وما يؤرقك، وما يذهب بضوء عينيك، وما يسخطك، وما ينال منك، وما يسلمك الى كثير من الضنى والضيق؟".