دأب الكاتب والمعلّق الصحافي سمير عطالله على كتابة مقال أسبوعي في صحيفة «النهار» اللبنانية وهو بمثابة افتتاحية عنوانها «مقال الأربعاء» تصدر كل أربعاء. وارتأى أخيراً أن يجمع باقة من تلك المقالات التي كتبها بين العامين 2007 و2010 والتي كان لها صداها، لا سيما في لبنان، نظراً الى أن هذه المقالات دارت بمعظمها حول الشأن بل الشؤون اللبنانية التي تتجاذبها أحوال من القلق والتخبط والاضطراب... والأمل في أحيان. وعلى خلاف مقالاته الأخرى، خصوصاً زاويته اليومية في «الشرق الأوسط» التي شرّعها على قضايا وهموم شتى، سياسية، عربية ودولية، وثقافية واجتماعية، أفرد عطالله معظم زاويته الأسبوعية لهموم لبنان الكثيرة والمتعددة معالجاً الكثير من القضايا الشائكة والتناقضات والظواهر التي يتفرّد بها هذا الوطن، متابعاً ما يستجد وملقياً ضوءاً على التاريخ ومتناولاً أحياناً أموراً ثقافية. ولعل الكتاب الذي أصدرته حديثاً دار النهار بعنوان «لبنانيات» هو خير مرجع لقراءة أحوال لبنان وما طرأ من أحداث خلال الأعوام تلك وما تركت هذه الأحداث من آثار وردود فعل. وفي مقالاته هذه، اللبنانية المكابدة والهوى، بدا سمير عطالله كعادته كاتباً وأديباً ذا مراس متفرّد في فن المقالة، القائم لديه على الوعي الدقيق بما يعالج وعلى الإحساس المرهف بجمالية الأسلوب واللغة، ناهيك بالسخرية المحببة والنقد الملطّف حتى في لذعاته. ووزع الكاتب مقالاته المنتقاة من زاويته على فصول عدة: غياب قوى الحكمة، رئيس يمثل القيم، ضحايا الصراع، الدستور والجماهير، السلام الداخلي في عهدة الخارج، مجدداً... المسألة اللبنانية، رؤوس وقمم، الفرح المحرّم، سياسة بلا ذاكرة... ولعل النص الذي حمله الكتاب على غلافه الأخير يوضح أبعاده التي توخاها عطالله، وفيه: قد يفيدنا شيء من التواضع في تحسين تبصرنا بأمور الوطن وأحواله وأحوال الناس. فلا يعود همنا القفز نحو مسميات وهمية، واستحالات افتراضية، بل نسعى، ببساطة شديدة، الى جعل التوافقية اتفاقاً طوعياً لا صراعاً فوقياً. وننشر بين الناس القواعد الممكنة من الالتقاء، وليس منصات الكره والحقد في بلد يسير أهله على 200 ألف جثة أوغلت في دمائها جميع الأيدي، فلم تعد أي واحدة بريئة من دماء الصديقين، ولا خزانة خالية من الهياكل العظمية، ولا غرفة نوم خالية من الأشباح. نحن في بلد صغير، جداً صغير. ولا فضل لأحد على آخر بالتنكيل، سواء بالذات أو بالآخرين، إلا في الحسبة النسبية. جميعنا نعرف أماكن الجرائم وأبطالها، وإن كنا جميعاً نمشي مهللين في الجنازات ونحولها أفراحاً. وجميع السياسيين يقدمون مساوئ خصومهم كأسباب لهم وليس حسناتهم هم، ولا سيرتهم ولا شيئاً واحداً أنجزوه في عقود من التخبّط السياسي، والهياج العنفي، والانتقام القبلي. القفز الى الجمهورية الثالثة ليس قفزة شطب من مرجعيون الى تصوينة التويني. فلنتواضع قليلاً. فلنبن أولاً، وطناً خالياً من الصراخ والشتائم. ونرفع الناس من حال الواوية والسقايات الى مستوى البشر. وبعدها نشرع في بناء دولة ما، أي دولة. ومن ثم لا يعود الترتيب مهماً. ثانية ثالثة. الى آخرها.