الرياض أصبحت حاضنة عالمية لتمكين الشباب من مهارات مستقبل الصناعة    الذكاء الاصطناعي بوزارة الداخلية.. حلول تعزز جودة الخدمات والأمن    ارتفاع طلبات التمويل العقاري في أمريكا رغم ارتفاع الفائدة    السعودية تعزز شراكات اقتصاد الهيدروجين    دعم التبادل التجاري مع إيطاليا    12.5 مليار ريال مبيعات    «أونروا»: الضفة تواجه أسوأ أزمة إنسانية    «السيبراني»: احذروا من تحديثات منتجات NVIDIA    قوات إسرائيلية تتوغل مجدداً بريف القنيطرة    وزيرا داخلية البلدين يبحثان مكافحة الجريمة.. خطة سعودية – إسبانية مشتركة للتعاون الأمني    أبطال أوروبا.. ليفربول يسقط برباعية أمام آيندهوفن    في ربع نهائي كأس الملك.. الأهلي والاتحاد يواجهان القادسية والشباب    تقمص هيئة والدته «المتوفاة» لأخذ معاشها    تقليد إلفيس بريسلي ينهي مسيرة قاض    «شارع الأعشى 2» في ماراثون رمضان    السجادة الحمراء تجمع المعجبين ب«نجوم السينما»    استعرضا عدداً من المبادرات والمشروعات التطويرية.. أمير المدينة والربيعة يناقشان الارتقاء بتجربة الحجاج    عبر منظومة خدمات لضيوف الرحمن.. الحج: 13.9 مليون مرة أداء للعمرة خلال جمادى الأولى    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح أوروبا    خلال المؤتمر العالمي ال48 في جنيف.. السعودية تحرز 18 جائزة دولية عن تميز مستشفياتها    40% يضعون الطاقة الشمسية ضمن خياراتهم    نشر 500 عنصر إضافي من الحرس الوطني في واشنطن    القبض على مهربي قات    مركبة لناسا ترصد "برقا مصغرا" على المريخ    أمير تبوك يستقبل قنصل الفلبين    أمير الرياض يلتقي "تنفيذي حقوق الإنسان" في منظمة التعاون الإسلامي    أحلام آل ثنيان: «الدرعية للرواية» يقدم فرصة لنكون جزءًا من سرديات العالم    هلال مكة يسلم شهادة الامتثال الإسعافي لصحة جدة    وفد من وزارة الخارجية والكومنولث البريطاني يطلع على جهود مركز الملك سلمان للإغاثة في اليمن    مبابي يسجّل ثاني أسرع «هاتريك» في تاريخ دوري أبطال أوروبا    أكثر من 66 مليون قاصد للحرمين الشريفين في شهر    أمير قطر وتركي بن محمد يبحثان العلاقات الثنائية    أرقام خاصة بالهلال    المملكة تحرز 18 جائزة دولية عن تميز مستشفياتها    "تخصصي المدينة" يستأصل ورماً نادراً في المثانة    بدء أعمال الدورة ال55 لمجلس وزراء الإعلام العرب    غداً .. انطلاق الجولة الثانية من جولات الرياض لقفز الحواجز    أمير قطر يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    محافظ الأحساء يطلع على جهود مركز عبدالله بن إدريس الثقافي    ملف الرفات وتحديات الهدنة: تبادل هش ومصير معلق في غزة    تصاعد الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن: جهود مكثفة لإنهاء حرب أوكرانيا    إتاحة التنزه بمحمية الطوقي    "دعوة خميس مشيط" تواصل برامجها الدعوية في سجن الخميس العام لشهر جمادى الآخرة    «سلمان للإغاثة» يوزّع (882) سلة غذائية و(882) كرتون تمر في عكار بلبنان    المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب يعقد أعمال دورته ال21    الأمن العام يدعو ضيوف الرحمن إلى الالتزام بالممرات المخصصة داخل الحرم    نجاح النسخة الأولى من منتدى الأعمال الذي نظمته وكالة التجارة الإيطالية في المملكة العربية السعودية    13.9 مليون إجمالي مرات أداء للعمرة خلال شهر جمادى الأولى    عنبر المطيري تُشعل «وهج القصيد» في أمسية شعرية تحت مظلة الشريك الأدبي    التأكيد على أهمية ضمان مسار حقيقي للتوصل إلى حل الدولتين    خالد بن سلمان يرأس وفد المملكة في اجتماع مجلس الدفاع الخليجي    علماء: مذنب يقترب من الأرض مطلع يناير    موسكو تطالب بجدول زمني لانسحاب الاحتلال    «الجوازات» تصدر 25,646 قراراً بحق مخالفين    تماشياً مع الأهداف العالمية للصحة والتنمية.. الربيعة: السعودية حريصة على حماية حقوق التوائم الملتصقة    الداخلية تسهم في إحباط تهريب 28 ألف كلجم من الكوكايين ومادة الإكستاسي    أمير تبوك يستقبل سفير دولة الكويت لدى المملكة    تحت رعاية عبدالعزيز بن سعود.. تكريم المتقاعدين من منسوبي الأحوال المدنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكاوي سعيد في كتابة «خارج التصنيف»
نشر في الحياة يوم 05 - 12 - 2013

خاض الروائي المصري مكاوي سعيد تجربة مختلفة عن حكايات الأطفال والقصص والروايات التي أبدعها على مدار ربع قرن، كاتباً مقالات وتأملات وصوراً قلمية ولمحات مكثفة يصفها بأنها «كتابة خارج التصنيف»، تضمنها كتابه الأخير «أحوال العباد» (دار نون - القاهرة). لكنه لم يغادر إطلاقاً ولعه بالسرد طريقاً إلى طرح الفكرة وتحديد مسار البرهنة، ليجهض في طريقه حكايات عدة كان من الممكن أن يعيد إنتاجها لتصير «قصصاً قصيرة»، وبعضها كان من الممكن أن يمتد ليصير رواية كاملة الملامح، أو على الأقل جزءاً مهماً منها.
هذا اللون من الكتابة لم يأتِ عفو الخاطر، ولا مصادفة، إنما بتدبير من الكاتب الذي أراد أن يطلّ على الناس عبر صحيفة «الأهرام» القاهرية، للمرة الأولى وربما الأخيرة، في شكل مغاير عمّا اعتاده عنه القراء، محاولاً أن يستعيد المساحة التي فرغت برحيل الأديب إبراهيم أصلان، ويضاهي الطريقة التي يكتب بها في مصر كل من محمد المخزنجي وأهداف سويف وعلاء الأسواني وجمال فهمي مقالاتهم الصحافية. بل يزيد على هذا من خلال تلخيص فلسفات وقصص طويلة وروايات كتاب عالميين، بدءاً من أغاثا كريستي حتى فريدريك نيتشة، كي يستخلص العبرة منها ويوظفها بعناية في التفاعل الخلاق مع ما يجري في واقعنا المعيش.
بعد الثورة
وينبئنا الكاتب عن هذا التدبير قائلاً: «غالبية قصص هذا الكتاب وحكاياته ومقالاته، كُتبت بعد ثورة يناير ونشرت في جريدة الأهرام، بطلب من الجريدة حينما رغبت في الظهور بوجه ثوري، حتى ينسى الناس انحيازها السافر الى الرئيس المخلوع (يقصد حسني مبارك) ورجال نظامه وبطانته. ومن هنا، فقد استكتبت الجريدة عدداً من الكتّاب والمفكرين الذين رأت أنهم قادرون على القيام بهذا الدور بحكم طهارتهم الثورية، أو إن صح التعبير، سذاجتهم الثورية التي كانت دافعاً قوياً في قبولهم فكرة الكتابة في تلك الجريدة من دون أن يأخذوا حذرهم من تغير ميولها المتعددة. وعلاوة على «الأهرام»، توزع بعض مادة هذا الكتاب على صحف أخرى مثل «الحياة» و«الصباح»، ومجلات مثل «الدوحة»، و«السياسي» القاهرية التي توقفت عن الصدور بفعل ضائقة مالية.
لكنّ مكاوي سعيد لم يشأ أن يغادر ما اعتاد عليه، أو يستسلم لأسلوب أو طريقة في الكتابة كانت تصيبه بالملل، وظلّ طيلة حياته يُعيب عليها ويهجوها، ويراها منفرة للقراء لجفافها وتقريريتها وتكلسها، ولذا يقول في مقدمة كتابه: «كنت ابتعدت عن القالب الصحافي فيما أكتبه، واخترتُ قالباً أقرب إلى نفسي ووجداني، وهو قالب يقترب كثيراً من روح القص والحكي، بمقدار ابتعاده عن الجمود، ونضوب الخيال، الذي كان يصرفني كثيراً عن إتمام قراءة بعض المقالات والأعمدة الصحافية، فقدمت من خلال هذا القالب صوراً من مشاهداتي، وبعضاً من تجاربي وخبراتي وشذرات من سيرتي وقراءاتي».
وهذه المشاهدات والمشاهد المتتالية صنعت عمر الكاتب المعروف عنه أنه يجلس كثيراً في المقاهي صامتاً يراقب الناس أو يتلصص عليهم ويصطادهم حكايات مثل تلك التي حواها كتابه «مقتنيات وسط البلد»، أو كثيراً مما جاء في روايته الشهيرة «تغريدة البجعة» التي وصلت إلى القائمة القصيرة في الدورة الأولى لجائزة «البوكر» العربية. ولهذا لم يكن غريباً أن يهدي مكاوي سعيد كتابه إلى ما منحته إياه الأيام التي قضاها متأملاً من حوله أو جاعلاً من نفسه موضع تأمل، حيث يقول: «أهدي هذا الكتاب إلى الزمن الذي يتسرب من بين أصابع الكف، والذي كنت شاهداً عليه أحياناً، وفي بعض الأحيان كنت في موضع مشاهدة، غير أنني لا أخفيكم الحقيقة، كنت مستمتعاً في كلتا المرتين».
بين الماضي والحاضر
وفي الكتاب ساح مكاوي سعيد في الاتجاهات الأربعة، ذاهباً إلى الماضي وعائداً إلى الحاضر ومنطلقاً إلى المستقبل، ومتحدثاً عن تجاربه الذاتية، ثم مقتبساً من تجارب الآخرين، ومتنقلاً بين كتابة تقريرية في أقل المواضع وجمالية في أغلبها، إذ يحتفي بالحكاية واللغة والصورة، ويجعل من هذا التشكيل حاملاً للمعنى الذي يريد أن يعرضه، أو القيمة التي يسعى إلى ترسيخها.
وتأتي هذه الصور القلمية - من خلال حكايات كان بطلها أو كان غيره - تشريحاً للمجتمع المصري في لحظته الراهنة، وفضحاً لبعض الصور النمطية التي تستقرّ في أذهان الكثيرين منا عن الغرب، فنعرف طرفاً من رقابة السلطة على «البريد» وعلى حياة الناس الخاصة حتى كادت أن تعد عليهم أنفاسهم، ونقف على العوز او الفاقة التي من الممكن أن تجعل ضعاف النفوس ينزلقون إلى الجريمة، والتجارب الأليمة مع الامتحانات والانتخابات، وازدواج الشخصية التي تصيب بعضهم فيجعل الغاية تبرر الوسيلة من خلال حكاية الرجل الذي يغشّ في «القُرعة» حتى يصيبه الدور في الحج، والصاحب الذي يستعين بأصدقائه في شهادة زور لطرد ساكن من شقته وأولئك الذين حولوا الدين إلى قشور وتركوا اللباب، والديبلوماسي الذي يذهب إلى الغرب بسلوكيات الشرق، والمعاناة التي يعيشها بعض أهل الفن، ومغامرات طلاب الجامعة والمراهقين في العلم والحب، وطرفاً من حياة التجار والعمال والموظفين والحرفيين وأطفال الشوارع والباعة الجائلين والمتسكعين ومستحدثي النعمة الطفيليين، وجانباً من الاستهانة بالعلم والثقافة في حياتنا، وطرفاً من التفكير الذي لا ينتهي في «القضاء والقدر»، وبعض لمحات من الثورة وآثارها على الأذهان والوجدان والأجيال والولدان، ومآسي السلطة والشرطة والنخبة، ومعارك الوطن في البناء والتنمية، وحكايات عن الحب والحرب، والزواج والطلاق، وسياحة في الأمكنة والأزمنة، أو في الرحلات والتاريخ...
في كل هذا، يمزج مكاوي سعيد السياسة بالأدب، والحكاية بالمقال، ليصنع كتابة مختلفة نسبياً عن معظم السائد والمتاح، لم يرد لها أن تضيع، أو أن تحرفه كلياً عن مساره كواحد من البارعين في فن السرد، بل ربما كان يقصد وهو يكتبها أن يعطيها قدراً من الديمومة، من خلال الابتعاد بها عن وصف - وتحليل - العارض والعابر والجاري من الأحداث والوقائع، ليحفظها في نهاية المطاف بين دفتي كتاب، وأظن أنه نجح، إلى حد بعيد، في ما قصده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.