إطلاق سراح المعتقلين من السجون الأميركية والحكومية يبعث السرور في نفوس عائلاتهم. سرور سرعان ما تبدده الصدمة التي تصيب كثيرين منهم، بعد لقاء الأحبّة. المفاجآت، وأحلاها مُرّ، تكون في انتظارهم، بعد احتجازهم سنين من دون ثبوت تهمة بحقهم، منقطعين عن العالم وأنبائه وأخبار أعزائهم وأقاربهم وأصدقائهم... أخبار محزنة، تعود بهم وبأهلهم ومحيطهم إلى لحظة حدوثها في الماضي، لم تبلغهم في معتقلاتهم، خشية أن تزيد من معاناتهم وتفاقم تأزّمهم. أخبار مُرّة ... أمضى صدّيق في معتقل بوكا، جنوبالعراق، سنة ونصف السنة. عاد إلى بيته ليجد ابنه الأصغر بشار قد قُتل، وحفيده وسام من ابنته منى مصاب بمرض عضال، يقبع في إحدى المستشفيات السورية للعلاج. ولم يكن فهد أوفر حظاً من صدّيق، فهو الآخر أطلق سراحه ليعلم بوفاة ابنته الكبرى سعاد، في حادثة مرور، تاركة أطفالها الثلاثة في رعاية جدتهم. أم فاروق عاشت قلقة على مدى سنة ونصف السنة، متوجسة من اليوم الذي تسمع فيه بخروج زوجها كامل من المعتقل، تبحث عن طريقة تمكّنها من إخباره بأحداث أليمة توالت على العائلة، أثناء غيابه القاسي، كما تصفه. ولا تعرف كيف استطاعت إخفاءها عنه، خلال زياراتها له. وتقول أم فاروق إن الأسرة تعرضت لأكثر من مصيبة، خلال غياب زوجها، فقد قُتل ابنهم طارق، بينما كان في طريق عودته إلى المنزل في تكريت. وقُتلت ابنتها سناء في بغداد، وهي في طريقها إلى المدرسة. وتوفيت والدة أبي فاروق بمرض عضال. ولا يزال اثنان من أولاد أم قاسم، رعد وناصر، معتقلين في سجن بوكا. ولا يعرفان أن والدهما الذي كان معتقلاً أيضاً، فارق الحياة. وشقيقهما احمد، خُطف ثم صُفّي بعد خروجه من المعتقل. أم فاضل أخفت عن زوجها المعتقل تعرضهم للتهجير، وتركهم المنزل وأضطرارهم الى العودة إلى قريتهم، شمال بغداد، تاركين"الجمل بما حمل"، كما تقول. وتضيف:"لم أجرؤ على إخباره خشية إصابته بسوء، خصوصاً أن حالته النفسية متردية... قلتُ له انتقلنا للسكن في بيت والدتي". ومصادر المآسي وأسباب الأحزان هي الأفعال التي يرتكبها كل من الجيش الأميركي، والجماعات المسلّحة والميليشيات على أنواعها، بحق العراقيين. ... خبر حلو في مقابل الأحزان التي تصدم الخارجين إلى"الحرية"وتعود لتخيم على الذين سبق لهم أن عاشوها، هناك أخبار سارة"تبهج"بعض المعتقلين المفرج عنهم. فسناء، زوجة يوسف، قدمت لزوجها وهي تلتقيه يوم إطلاقه، بعد تسعة اشهر في الحجز، طفلتهما البكر. وقد أسمتها انتظار، لأنها وُلدت في فترة انتظار عودته. وتروي سناء:"فرح يوسف بها كثيراً... أسرته لم تستطع زيارته، وهو في السجن، بسبب خطورة الطريق إلى معسكر بوكا في البصرة. وحذّرهم أقاربهم مما قد يتعرضون له من أعمال خطف وقتل، في طريقهم إلى هناك". بالطبع، هناك أخبار حلوة أخرى، ولكن نسبتها إلى الأخبار المرة تبقى، والحال هذه، ضئيلة جداً... تُرى متى تنقلب الآية؟