بدأت أمس المفاوضات بين المسؤولين الحكوميين وإدارات مؤسسات النقل العام والاتحادات النقابية الفرنسية، للتوصل الى مخرج لإضراب وسائل النقل الذي دخل اسبوعه الثاني، واستمرت معه معاناة الفرنسيين لليوم الثامن على التوالي. واستهدفت هذه الجولة، الأولى بعد أسبوع من الاضراب والشلل الذي أصاب عموم فرنسا، تحديد اطار للتفاوض حول الازمة التي أثارها قرار الحكومة إلغاء نظام التقاعد الاستثنائي للعاملين في هذا القطاع، وتحديد جدول زمني له. وتأتي المفاوضات غداة يوم الاحتجاجات العارم الذي شهدته فرنسا أول من امس، تخللته تظاهرات في مختلف المدن الفرنسية، اختلط فيها عاملو النقل العام بالموظفين في الإدارات العامة والطلاب. وعلى رغم التفاوت بين المطالب التي ترفعها كل من هذه الاطراف، فإن نزولها معاً الى الشارع يعكس عمق التململ الاجتماعي في البلاد. ولعل هذا ما حمل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على العدول عن صمت التزمه طوال مدة الاضراب، لتأكيد تمسكه بإصلاح نظام التقاعد في قطاع النقل العام، ورفع مدة الخدمة فيه من 37.5 سنة حالياً الى 40 سنة. وأكد ساركوزي في المقابل، تفهمه مطالب موظفي الإدارات العامة الذين أضربوا دفاعاً عن قدرتهم الشرائية، وحرص على الإعلان عن مجموعة اجراءات تحد من التآكل في مستوى معيشتهم وتدنيه. والواضح ان ساركوزي تعمّد الفصل بين تحرك عمال النقل العام، وتحرك موظفي الإدارة، ادراكاً منه ضعف التأييد الشعبي لإضراب عمال النقل، في حين أن شعار الدفاع عن القدرة الشرائية كفيل بإثارة تعبئة شاملة في أوساط الفرنسيين. وعن الاحتجاجات الطالبية المرجح ان تتسع نطاقاً، أبدى ساركوزي الحزم نفسه الذي ابداه حيال عمال النقل العام، معتبراً ان مستقبل المؤسسات الجامعية وتطورها رهن بإصلاح أوضاعها، وتعزيز امكاناتها المادية، لتمكينها من المنافسة. وسبق انطلاق المفاوضات مع قطاع النقل العام، اعمال تخريب طالت عدداً من خطوط السكة الحديد، رافقتها حرائق متعمدة، ومن شأن ذلك أن يعزز الاستياء الشعبي ويؤدي إلى انحسار التضامن مع المضربين في هذا القطاع. وعلى رغم التحسن الطفيف في حركة السكة الحديد فإن الاضراب استمر أمس في القطارات والمترو الباريسي، في ظل استياء الركاب المتعبين والذين ضاقوا بأيام الاضراب الثمانية. وتشير التوقعات الى ان 400 قطار سريع تي جي في من اصل 700 ستعمل، مقابل عدد قليل من قطارات الضاحية الباريسية. ونددت ادارة السكة الحديد ب"عمل تخريبي منظم"، ودان سكرتير الدولة لشؤون النقل دومينيك بوسيرو ما سماه"تجاوزات خطرة". ونددت النقابات، ب"اعمال لا توصف ارتكبها جبناء"، فيما أعلنت وزيرة الداخلية ميشال اليو ماري انها طلبت من الأجهزة الأمنية بذل كل ما في وسعها للكشف عن المتسببين بهذه الأعمال. وعلى رغم التراجع الجديد الذي سجل امس في نسبة المضربين في قطاع النقل 22 في المئة، فإن الاضراب لا يزال على اشده في حركة القطارات وقطارات الانفاق والباصات. وبدأ الاضراب ينعكس سلباً على قطاعات اقتصادية اخرى قد يكون في مقدمها القطاع التجاري، وبدت غالبية المتاجر خالية من الزبائن، واضطرت إلى تسيير امورها بعدد محدود من الموظفين بسبب الصعوبات التي يواجهها بعضهم في التنقل، خصوصاً سكان الضواحي.