يواجه الفرنسيون، والباريسيين خصوصاً صعوبات جمة اليوم، في ضوء الاضرابات المتعددة التي تشمل السكة الحديد وشركة كهرباء فرنسا والمدارس العامة والبريد، وتترافق مع تظاهرات في العاصمة والمدن الكبرى. وجاءت الدعوة لهذه التحركات من الاتحادات النقابية الفرنسية المختلفة التي قررت وضع خلافاتها جانباً وتوحيد صفوفها، في اطار تحرك مطلبي هدفه حماية القدرة الشرائية للعاملين في القطاع العام وإلغاء التهديدات لمستقبل عملهم. وكان العاملون في البريد نفذوا اول من امس، اضراباً عاماً اختلفت التقديرات عن نسبة المشاركين فيه، فاقتصرت على 15 في المئة على حد قول الإدارة فيما اشارت الاتحادات الى ان النسبة بلغت 30 في المئة. واعتبرت الأوساط النقابية ان الإعلان المسبق الصادر عن الحكومة بحسم يوم الاضراب من اجور الموظفين المضربين، لعب دوراً في إثناء الكثيرين عن المشاركة فيه. وتبع اضراب البريد، اضراب موظفي السكة الحديد، ما ادى الى اضطرابات شديدة في حركة النقل بواسطة القطارات. وبلغت نسبة المتجاوبين مع الاضراب في السكة الحديد نحو 40 في المئة، بحسب النقابات، فيما قدرتها الإدارة بنحو 36.9 في المئة.واعتبر احد المسؤولين النقابيين ان هذه النسبة تمثل صفعة للحكومة، فيما اشارت إدارة السكة الحديد الى ان نسبة المضربين بين موظفيها جاءت مطابقة لتوقعاتها. وكانت ادارة السكة الحديد تداركت الصعوبات التي نجمت عن الاضراب، بنشر لائحة مفصلة بعدد القطارات العاملة على خطوطها ومواعيد انطلاقها ووصولها، مما اتاح لها تجنب الاختناقات التي تشهدها محطاتها خلال الاضرابات. وتراهن الاتحادات النقابية على درجة تعبئة مرتفعة اليوم، لتثبت للسلطات انها بعد فترة من التراخي، استعادت السيطرة على قواعدها وباتت قادرة على خوض مواجهة طويلة المدى لفرض مطالبها. في غضون ذلك، فإن الحكومة الفرنسية التي تجهد للسيطرة على العجز في موازنتها وخفضه الى ما دون 3 في المئة بحيث تكون على تطابق مع المعايير الأوروبية، تجد نفسها معرضة لضغط مركز ومزدوج. فهي مضطرة لمواجهة غضب النقابات من جراء التراجع في مستوى معيشة الفئات التي تمثلها وغضب ارباب العمل جراء الكلفة المرتفعة للعمالة في فرنسا. ولدى كل حركة تململ واستياء تتمحور نقمة الفرنسيين حول رأس السلطة، وهو ما عكسه استطلاع للرأي نشرته صحيفة"فرانس سوار"، وأفاد بأن 59 في المئة من الفرنسيين لا يرغبون ببقاء الرئيس جاك شيراك في السلطة لولاية رئاسية ثالثة سنة 2007 . في المقابل، افاد تقرير صادر عن رؤساء المحافظات الفرنسية المختلفة ان المواطنين فقدوا الأمل بكل شيء وأن الهجرة وانتقال المؤسسات الإنتاجية الى خارج البلاد يشكلان الموضوعان اللذان يقضان مضاجعهم، ويستمران في تغذية شعبية اليمين المتطرف.