واجه الفرنسيون مجدداً أمس كابوس الإضرابات، التي نفذها عمال السكك الحديد، وانضم إليهم عاملون في شركات الكهرباء والغاز التابعة للحكومة. يأتي الإضراب، الذي بدأ مساء الثلثاء الماضي، بعد إضراب مماثل نفذ في 18 تشرين الأول أكتوبر الماضي، احتجاجاً على خطة الحكومة لإلغاء ما يوصف بامتيازات يتمتع بها العاملون في قطاعات عامة تجيز لهم التقاعد بعد دفع مساهماتهم لمدة 37 عاماً ونصف العام، بدلاً من 40 عاماً مطلوبة من عمال آخرين. ولم تفلح المفاوضات التي دارت خلال الأسابيع الماضية بين المسؤولين الحكوميين والمسؤولين النقابيين في تقريب وجهات النظر وتجنيب البلاد موجة إضرابات جديدة، تثقل كاهل المواطنين المضطرين الى ابتكار وسائل نقل مختلفة للوصول الى أماكن عملهم. ورفض المسؤولون النقابيون الاقتراح الحكومي الذي يقضي برفع أجور العاملين في قطاع النقل العام لقاء موافقتهم على الخدمة لمدة 40 سنة بدلاً من 37.5 سنة قبل إحالتهم إلى التقاعد. ويمثل الإضراب اختبار قوة بين السلطة الفرنسية العازمة على اعتماد سلسلة من الإصلاحات للحد من العجز المتنامي، وعلى صعيد موازنة الضمان الاجتماعي تحديداً، نتيجة ارتفاع عدد المتقاعدين. وتعتبر النقابات أن إصرارها رفض تحديد سنوات العمل في قطاع النقل العام مرده القسوة التي تطبع ظروف العمل في هذا المجال، خصوصاً بالنسبة إلى سائقي القطارات وقطارات الأنفاق. وقدم اتحاد العمل العام"سي جي تي"عرضاً أخيراً لتخفيف مطالبه في شأن إجراء المحادثات بصورة جماعية بين الاتحادات وأصحاب العمل والحكومة وأصيبت شوارع باريس، باختناق في حركة السير وبفوضى عامة، فاختلطت السيارات الخاصة بسيارات الأجرة وكذلك الدراجات على أنواعها، وأيضاً المشاة ممن ليس لديهم أي سبيل آخر للتنقل. وذكر موقع"بي بي سي"أن 90 قطاراً فقط من أصل 700 قطار سريع عبر المدن واصلت عملها خلال الإضراب، وتم تقليص القطارات التي تخدم المسافات القصيرة، ولم يكن هناك خطوط مترو في باريس. وتتفاوت التوقعات بالنسبة إلى مدة الإضراب، بحيث يرى البعض أنه قد لا يستمر أكثر من أيام معدودة، ويتوقف بحلول نهاية الأسبوع الحالي، فيما يعتبر آخرون أن حالة التعبئة القائمة في أوساط عاملي النقل العام قد تحملهم على تمديده حتى 20 تشرين الثاني نوفمبر الحالي، وهو موعد إضراب موظفي الإدارات العامة المعنيين هم أيضاً بقرار تمديد سنوات الخدمة. وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ألغى زياراته إلى الخارج، ولازم باريس لمتابعة سير الإضراب، الذي يمثل صداماً أساسياً لإرادته الإصلاحية في وجه النقابات. وقال للبرلمان الأوروبي:"سأسعى الى تنفيذ الإصلاحات حتى النهاية.. لن يحيدني شيء عن هذا المسار"، وأشار إلى ان الامتيازات عفا عليها الزمن، وهي ظالمة لعمال آخرين. لكن الحكومة أشارت الى أنها ستضطر لتخصيص 5 بلايين يورو 7.3 بليون دولارلنظام معاشات التقاعد الخاص هذا العام فقط، لموازنة حساباتهم. وتراهن السلطات الفرنسية في هذا الإطار على الانقسامات التي يمكن ان تبرز في صفوف الاتحادات النقابية المختلفة، حيال مدة الإضراب وجدوى المضي في اختبار القوة الذي يكلف المواطنين قدراً فائقاً من المشقة. وتردد أن ثلاثة اتحادات نقابية هي"سي أف تي سي"وپ"سي أف دي تي"وپ"سي جي سي"، لا تحبذ إدخال البلاد في دوامة إضرابات مفتوحة. في غضون ذلك، يتوقع أن تصل تكلفة الإضراب في قطاع نقل البضائع بواسطة السكة الحديد بين 50 و100 مليون يورو، وفقاً لمدة الإضراب. ويأسف المسؤولون، لكون القطاع تمكن من خفض قيمة الخسائر التي سجلها في الفصل الأول من العام، وأضيفت إلى 260 مليون يورو من الخسائر سجلت العام الماضي. وتوقع مسؤولو القطاع سابقاً خفض خسائر هذا العام إلى 220 مليون يورو، لكن الإضراب الحالي الذي تبلغ كلفته 10 مليون يورو يومياً قد يعيد رفع قيمة الخسائر إلى 300 مليون يورو للعام الحالي. ويزيد الإضراب، مصاعب قطاعات النقل العام، الذي يجاهد المشرفون عليه منذ سنوات لإخراجه من العجز المالي الذي يواجهه.