لفتة إنسانية كريمة تلك التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر قمة"أوبك"في الرياض، أمام زعماء 13 دولة قادة دول أوبك، وعدد كبير من الوزراء والمسؤولين والإعلاميين وملايين المشاهدين خلف الشاشات، عندما هرول بكل عفوية باتجاه الزميل والصديق وليد خدوري، عندما كان يحاول الصعود إلى منصة الحفلة ليتسلم جائزته التكريمية ضمن المكرمين. التفت الملك عبدالله باتجاه الشخص المُكَرَّم، ولاحظ أنه يمشي بطيئاً وبصعوبة ويتكئ على عصا تسنده زوجته، وغير قادر على صعود المنصة بمفرده لتسلم الجائزة. ترك الملك عبدالله موقعه في منصة الحفلة، وأقبل مهرولاً باتجاه خدوري ليسلم عليه ويسلمه جائزته في مكانه، ثم يساعده في صعود المنصة ليأخذ مكانه بين المكرمين من الإعلاميين البارزين في مشهد لا يتكرر كثيراً. وقف حينها الحضور من زعماء وآخرين للحظة تفتقت فيها الجوانب الإنسانية، وصفقوا طويلاً لملك إنسان قدّر زميلاً إنساناً يستحق أكثر من تكريم. لا شك في ان أي تكريم مادي أو معنوي يكتسب أهمية خاصة في حياة المبدع، وهو خطوة تستحق الاحترام والتقدير، لكون مثل هذا التكريم يشحذ الهمم ويحفّز الأجيال على العمل الإبداعي، وينشر ثقافة الإخلاص والتفاني ويؤكد الحرص على تقديم خدمات مميزة. قبل سنوات ليست بعيدة، كانت الحكومات العربية لا تكرّم المبدع حتى يموت، لكننا بدأنا نشاهد في السنوات الأخيرة تغييراً واتجاهاً نحو تكريم المبدعين، وهو مسار نتمنى له الاستمرار. اعتقد اننا بحاجة إلى نشر ثقافة تكريم المبدعين والمتفوقين في كل التخصصات, لكون ذلك يعكس حالة اجتماعية إنسانية، سيكون مردودها صحياً، وهو ما يؤكد صفاء الروح ونظافة القلب، ويمنح حالة تفاؤلية مستقبلية للأجيال الجديدة. إن تكريم المبدعين واحترامهم والاحتفاء بهم, وتقديمهم في المحافل والمناسبات, مهمة ليست صعبة، بل مطلوبة، لكونها تبني علاقات طيبة وتحفّز على الثقافة والابداع والتفوق. مشاهد إنسانية لا بد من ذكرها، إذ كنت اقف إلى جانب الدكتور خدوري بعد التكريم، فأقبل إليه أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، مباركاً له الجائزة ومعتذراً منه في موقف إنساني، ومؤكداً له في الوقت نفسه أنه لم يعلم عن مرضه داعياً له بالشفاء، ولم تكن إلا لحظات حتى جاء إليه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح وسلّم عليه متمنياً له الشفاء العاجل. كانت لحظات إنسانية رائعة تستحق الذكر، خصوصاً أنني شاهدت الابتسامة الممزوجة بالشكر للأوفياء في عيني الزميل خدوري، وهو يزهو بها حتى انه تناسى مرضه، وربما شفي تماماً جراء المحبة الإنسانية التي طوقه بها زعماء دول وزملاء مهنة التفوا حوله وسألوا عن أحواله. تعرض الزميل خدوري قبل سنة ونصف السنة تقريباً إلى جلطة في الدماغ أقعدته الفراش، وبقي حبيس المنزل حوالي العام، إلا ان قدرة الله ثم محبة الآخرين له أعادتاه إلى الكتابة. والدكتور وليد خدوري وهو عراقي، من الصحافيين والخبراء البارزين في شؤون النفط، ولد في بغداد، وتركها باكراً وحصل على الدكتوراه من جامعة جون هوبكنز في واشنطن في العلاقات الدولية, وعمل مدرساً في قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت، ومديراً لإدارة الإعلام في منظمة الاقطار العربية المصدّرة للنفط"اوابك"، وعمل منذ عام 1981 رئيساً لتحرير نشرة"ميدل ايست ايكونوميك سيرفي"ميس، التي تصدر في قبرص وهي متخصصة في الشؤون النفطية والاقتصادية، ثم انتقل إلى صحيفة"الحياة"رئيساً للقسم الاقتصادي، حتى أصيب بجلطة في الدماغ، تحوّل بعدها إلى كاتب اسبوعي في الصحيفة ذاتها. كم هي رائعة المواقف الإنسانية العفوية التي يعبّر عنها قلب إنسان أبيض لقلب إنسان آخر، وكم هي مهمة تلك اللحظات التي يحتاج فيها كثير من المبدعين إلى تكريم يرفع روحهم المعنوية ويعيد النبض لقلوبهم المرهقة!