أثار إقدام الولاياتالمتحدة على تشكيل قيادة عسكرية مُوجهة الى أفريقيا تُعرف ب "أفريكوم"، موجة من الإنتقادات في القارة وبخاصة في البلدان التي اعتقد الأميركيون بأنها مرشحة لاستضافة مقر القيادة، ما حملهم على إبقائها موقتاً في شتوتغارت ألمانيا حتى شباط فبراير المقبل في انتظار العثور على بلد يقبل استضافتها. تُقلل المصادر الأميركية من حجم الخطوة التي أقدم عليها البنتاغون وتؤكد أن القيادة الجديدة المنوي تشكيلها لن يتجاوز عديدها 400 إلى 700 عنصر سيتمركزون في أحد البلدان المغاربية أو بلدان جنوب الصحراء. وعينت على رأس القيادة الجنرال الأميركي المتحدر من أصول أفريقية وليم وورد 58 سنة. وتتولى"أفريكوم"التي ستكون أداة إقليمية للحرب الأميركية على الإرهاب، مطاردة الحركات التي تصنفها واشنطن في خانة الإرهاب، وهي مُكلفة رسمياً طبقاً للوثائق الأميركية"قيادة العمليات العسكرية الرامية للتصدي للإعتداءات ومجابهة الأزمات"من دون تفصيل. لكن المساعي الأميركية لإقامة رأس جسر في شمال أفريقيا تكثفت مع تزايد تنظيم"القاعدة"في المنطقة، خصوصاً بعد الإعلان عن تحويل"الجماعة السلفية للدعوة والقتال"الجزائرية إلى تنظيم"القاعدة في المغرب الإسلامي". وإذا كانت مساعدة وزير الدفاع الأميركي تيريزا ويلان استبعدت إقامة قواعد عسكرية دائمة على النمط التقليدي في القارة الأفريقية، فإن مقر قيادة"أفريكوم"سيعتمد نقاط ارتكاز تشمل البنية الأساسية والذخيرة والمؤونة والوقود اللازم لأي تدخل عسكري طارئ. وقُدرت كلفة تشكيل"أفريكوم"ب270 مليون دولار. وفي ضوء هذا الإصرار على تكريس وجود عسكري مباشر في المنطقة رأى مُحللون أوروبيون أن واشنطن تتقصد تضخيم حجم الحركات السلفية المسلحة في المغرب العربي وجنوب الصحراء لتبرير تدخلها العسكري في هاتين المنطقتين. وربط آخرون تلك المساعي الدؤوبة بحماية إمدادات النفط من خليج غينيا التي تُؤمّن اليوم بين 15 و20 في المئة من واردات الولاياتالمتحدة من النفط الخام. ويُقدر أن يرتفع حجم هذه الواردات إلى 35 في المئة في غضون السنوات ال 15 المُقبلة. هذا عدا عن وارداتها من شمال أفريقيا، وبخاصة الجزائر. أما مُخططو البنتاغون فبرروا خطوة إنشاء"أفريكوم"بالرغبة في تجاوز التداخل القائم حالياً بين ثلاث قيادات عامة تخضع لها القارة الأفريقية هي"يوكوم"Eucom في أوروبا و"باكوم"pacom في الباسيفيكي و"سنتكوم"centcom في آسيا الوسطى التي تتبعها سواحل أفريقيا الشرقية. وأبعد من توحيد القيادة العسكرية في القارة الأفريقية يحرص الأميركيون أولاً على تأمين حضور دائم ومباشر في قارة أمضت شعوبها العقود الأربعة التي مضت على استقلالها في مطلع الستينات، مُعارضة للسياسات الأميركية التي اعتبرتها تكريساً ل"نمط استعماري جديد". وبعد رفض بلدان أفريقية بينها الجزائر وليبيا وأفريقيا الجنوبية استضافة قيادة عسكرية أميركية مُوجهة للمغرب العربي وبلدان جنوب الصحراء، قررت الولاياتالمتحدة إرجاء تحديد البلد الذي سيستضيفها إلى شباط فبراير المقبل. وتسبب العرض الذي قدمته واشنطن إلى موريتانيا لاستضافتها بتجاذب قوي بين الحكومة ومعارضيها الذين حذّروا من الموافقة على العرض وهدّدوا بتسيير مظاهرات في الشوارع لحملها على رفضه. وعلى رغم أن قادة المعارضة ناقشوا المسألة مباشرة مع الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، إلا أنهم قالوا إنهم خرجوا من اللقاء"غير مطمئنين". أما الجزائر فأبلغت الأميركيين عدم رغبتها في استضافة مقر القيادة وإن أكد الرئيس بوتفليقة في تصريحات أدلى بها أخيراً لصحيفة"آي بي سي"الإسبانية أن بلده لم يتسلم عرضاً من الأميركيين في هذا المعنى،"ما يجعلها غير مطالبة بالرد إيجاباً أم سلباً"على ما قال. وجالت وفود عسكرية برئاسة الجنرال وورد على نيجيريا والسنغال وغانا وأثيوبيا وكينيا وأفريقيا الجنوبية لمحاولة إقناع حكوماتها باستضافة مقر القيادة الجديدة، فيما توجه وفد آخر إلى بلدان شمال أفريقيا. لكن حكومات المغرب والجزائر وليبيا ومصر وجيبوتي اعتذرت عن ذلك، وإن أظهرت رغبتها في المحافظة على علاقات متينة مع الولاياتالمتحدة في مجالات أخرى. ويبدو أن ليبيريا هي البلد الأفريقي الوحيد الذي عرض استضافة مقر القيادة الأميركية، إلا أن الأميركيين غير متحمسين للتجاوب مع العرض، ربما لبعدها الجغرافي عن المنطقة المُستهدفة. ولا يبدو الرأي القائل بأن"أفريكوم"تشكل فصلاً جديداً من المنافسة الأميركية ? الفرنسية على النفوذ في القارة الأفريقية قريباً من الواقع، لأن هذا الصراع الذي بلغ أوجه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، تراجع في السنوات الأخيرة مع انشغال واشنطن بمحاصرة الزحف الصيني الكاسح. وتوجد قواعد عسكرية فرنسية اليوم في ست نقاط مختلفة من القارة هي جيبوتي وتشاد وأفريقيا الوسطى وساحل العاج والسنغال، إضافة الى جزيرة مايوت، إلا أن هذا الحضور ما انفك يتضاءل ولم يعد يشكل منافساً حقيقياً للولايات المتحدة. والأرجح أن عين أميركا مُركزة على الصين في الدرجة الأولى لمحاولة وقف زحفها السلمي على القارة من خلال الاستثمارات الكثيفة والمعونات والقروض المُيسرة. وأشار خبراء إلى أن عدد السفارات الصينية في أفريقيا على سبيل المثال أكبر من عدد السفارات الأميركية فيها. ويُذكر في هذا الصدد أن الحضور الديبلوماسي الأميركي في القارة الأفريقية تراجع أعقاب الاعتداء المزدوج على السفارتين الأميركيتين في دار السلام ونيروبي العام 2003. وأفادت مصادر أوروبية أن الأميركيين أجروا اتصالات مع باريس ومدريد ولندن سعياً الى إقناع البلدان الثلاثة بالإنضمام إلى قيادة"أفريكوم". وأوضحت المصادر أن واشنطن التي تخشى ردود الفعل الأفريقية السلبية على حضورها العسكري في القارة، تحاول تلطيف صورتها بإضفاء طابع جماعي على القوة التي تعتزم نشرها في أفريقيا، إضافة الى استثمار خبرة البلدان الثلاثة في العلاقات مع القارة. ورجحت مصادر فرنسية أن يكون هذا الموضوع من الملفات التي سيبحثها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في زيارته المرتقبة واشنطن، وهي الأولى من نوعها منذ وصوله إلى سدة الرئاسة في أيار مايو الماضي. وإذا كان مُستبعداً أن يتطوع ساركوزي الذي يُهيئ لتحالف غير مسبوق بين باريسوواشنطن لإقناع بلدان أفريقية"صديقة"لفرنسا بقبول استضافة مقر"أفريكوم"، فالأكيد أنه لن يكون حجر عثرة أمام محاولات أميركا إقناع تلك البلدان باستضافتها. وهو عنصر مُهم في المساعي المكثفة التي ستقوم بها واشنطن في الأشهر الأربعة التي أفسحتها لنفسها قبل حلول ميقات نقل مقر القيادة الموقتة من شتوتغارت إلى أرض أفريقية.