تطرق الأبواب في مصر بائعات صينيات يعرضن ملابس العرائس وسلعاً أخرى، رخيصة وجيدة وجميلة. انه مظهر جديد من مظاهر الغزو التجاري - وربما الثقافي - الصيني لبلادنا، وهو مظهر ما إن تتعرض له حتى يترك في نفسك أحاسيس عدة متناقضة. فأنت ربما تحبه وتشجعه لأنك تتعاطف مع هذا الزائر الذي قطع البحار والجبال والفيافي والقفار، وأتى إليك من مشارق الأرض يعرض عليك ما أنتجته ماكينات بلاده خصوصاً ان هذه المنتجات رخيصة وجيدة وجميلة. وأنت أيضاً تحسده، وربما تحقد عليه، فيما تنتابك المخاوف من هذا الطارق الذي يعرف حاجتك إليه ويغزوك بها في عقر دارك. ومن فرط تأثيره وسحره على نفسك سترحب به وستكرمه وحتماً ستبتاع من بضاعته. ولأنهم يعرفون أن الشيء الواحد في مصر له أسعار عدة، تبعاً لتغير الزمان والمكان وپ"الذمة"أيضاً، يخاطبونك بهذه اللغة:"اشتر اشتر. وفي فصال"مع أن المجتمعات التي أتوا منها لا علم لها بما نسميه نحن الفصال أي التفاوض على الثمن لأن السلعة قد لا يكون لها أكثر من ثمن واحد في أنحاء الصين. ومن فرط ذكاء الدولة الشيوعية أنها ترسل إلى الدول العربية والإسلامية باعتها من المسلمين، في حين ترسل البوذيين الى بلدان أخرى في الشرق أو في الغرب. وقد أعجبني جلباب اشتريته من"سعيد"- البائع الصيني المسلم - أثناء زيارتي الإسكندرية، وكان الجلباب حقاً رخيصاً وجيداً وجميلاً، وربما لهذه الأسباب مجتمعة لم"أفاصله". إلا أنني لما رأيت كيف عبثت الماكينات الصينية ب"فانوس رمضان"هذه السنة، اشتد حنقي على الصينيين الذين خلعت ماكيناتهم"الفانوس"من فوق عرشه ووضعت مكانه"بوذا". وحسدت الصينيين على هذه الماكينات الشيطانية، التي تدور بلا توقف، في حين لا ماكينات لنا دائرة أو حتى متوقفة وربما لن نملكها حتى قيام الساعة.. وحقيقة لست أدري لماذا صار لجميع أمم الأرض وشعوبها ماكيناتهم، في حين عدمنا نحن العرب فقط من بين البشر هذه الماكينات. واللافت من أمر البائعات الصينيات أنهن يجلسن في المقاهي التي لا يجلس فيها سوى الرجال في الأحياء الشعبية، خلال ساعات التجوال، يأكلن ويسترحن وربما يحتسين الشاي والقهوة. ولا يقتصر نشاط الصينيات على مصر وحدها، فأخيراً تحدثت الصحف السعودية عما أسمته"طوفان البضائع الصينية الرخيصة"الذي يحيط بالحرم النبوي من جهاته الأربع، وتعرضها بائعات صينيات محجبات. لقد باتت كل مدينة عربية وكل قرية، بل وكل حارة وعزبة تعج بالأطنان من البضائع الصينية والمروجين لها.. تدخل هذه البضائع بتقنين أو بغير تقنين فتطرد البضائع والسلع الأصلية من مكانها لتحل محلها، ما أدى إلى فناء مئات الحرف الأصيلة في البلاد العربية، والتي عمرت آلاف السنين. علي عبدالعال - بريد الكتروني