قد لا يكون السؤال الذي طرحه المتنبي قبل قرون، عن الجديد الذي يحمله العيد معه في كل مرة، مهمّاً بالنسبة الى الجزائريين. على رغم الظروف المعيشية الصعبة التي قد تحدّ من فرحة الاطفال في هذا اليوم السعيد، إلاّ أن إصرار الأهل على الاحتفاظ بقدسية هذه المناسبة لما تعنيه للأطفال، تبقى أقوى من كل الظروف. فالعيد في الجزائر هو عبارة عن ملابس جديدة، وحقائب يد صغيرة، ووعود كثيرة برحلات مميزة إلى مدن الملاهي الترفيهية وزيارات الأهل. وتمر قصة هذا اليوم عبر ترتيب زمني تفرضه فسيفساء العيد الذي يرجو كثيرون من الاطفال ساعاته ألاّ ينتهي. تبقى صبحية العيد من أجمل الأوقات التي من الممكن الإشارة إليها، حيث تجلس الأم عند الفجر لتحدّد نصيب كل عائلة من"الطْبق"، بينما يكمل الاطفال آخر أحلامهم، هم الذين كانوا يصرخون في آخر أيام شهر رمضان بأعلى أصواتهم"غدوة العيد نذبحوا عايشة وسعيد". و"طبق العيد"هو الهدية التي توزّع مع الفجر والتي تتبادلها العائلات كتقليد راسخ، ويكون الأطفال هم"المرسال"الذي يؤدي وظيفة منح الهديّة للجيران الأقرب من البيت. ويحتوي"الطبق"وهو سلّة من القش الملون على حلويات تصنعها النساء ويتنافسن على جودتها، وتسمى"حلوة الطابع"، إضافة الى خبز الدّار الذي يطلى بالبيض والسانوج، وحبيبات من التمر والزبيب وقطع حلوى صغيرة تدعى"الديدراجي". و"الطبق"هو في الأصل صدقة عن أرواح الموتى في العائلة. إذ تحضر كلّ أسرة هذه الهبة أو الصدقة على نية على شخص ميت من العائلة كفأل صدقة عليه. توقظ الأم أطفالها يوم العيد باكراً لترسلهم إلى عائلات مختلفة، قبل أن يرتدي الأطفال ملابسهم الجديدة ويتناولوا الفطور ليوصلوا"الطبق"الذي يغطى بقماشة. يعود الأطفال الى بيوتهم، وتحرص الأم على تكليف جميع أبنائها بهذه المهمة ،عادة يكونون دون السابعة عشرة من عمرهم. يتناولون إفطارهم ويرتدون ملابسهم الجديدة ثم يلتقون في ساحات مجاورة من البيوت للعب والتباهي بثيابهم والحديث عن"موازناتهم"المالية وما يمكن أن يفعلوا بها. وبعد الانتهاء من تنظيف المنازل، تتحضر العائلات لزيارات الأهل والأقارب والأصحاب، ولتبادل الهدايا والصحون التي يتنوع محتواها بين العرايش والصامصة والدزيريات ومقروط العسل وسواها من الحلويات التقليدية وكل عائلة بحسب قدرتها. ولا تزال الأمهات حتى اليوم تصر على ترسيخ هذه العادات لدى أطفالها حتى تبقى رمزاً للصلة بين الأفراد وللإبقاء على هامش الزيارات والتبادلات بين العائلات القريبة، ولئلا تمحى من يوميات الجزائريين مثل هذه التفاصيل الدقيقة التي تصنع من العيد يوماً مميزاً بأحداثه وفرحته الخاصة.