كان الرجل يبدي تبرماً من قنوات عربية فضائية تخصصت ببث الأفلام الأجنبية، ووصل إلى نتيجة أن هذه القنوات تتبادل الأفلام في ما بينها، بعد أن تعيد بثها عشرات المرات، فأصبح يراها مثل محال الفيديو تنسخ وتؤجر، مع بعض الاختلاف، ويظهر أن هذا من حقوق الجيرة الفضائية! قلت لصديقي: لست ملزماً بالمشاهدة، وإعادة البث مهما كثرت ممارسة لحريته، كما انها تشير إلى مقدار "وزن" احترام المشاهد، ربما هم يحترمون انشغاله، والإعادة المتكررة تتيح له فرصة جديدة. ما هو أهم من إعادة البث مرات هو فقدان بوصلة الهوية، أصبح أمراً عادياً بث أفلام تسيء إلى المجتمعات العربية والإسلامية، كان الإعلان عن عرض مثيل لها أو هي بالذات في وقت مضى مدعاة لردود واستنكار. فقدان البوصلة والهوية هذا يشير إلى ان هذه القنوات سلمت إدارتها من الداخل لأجانب، بصيغة تسليم المفتاح، وتفرّغ المالك للتحقق من الدخل الإعلاني. وكثرة العرض مع ضيق قاعدة المنافسة في هذا النوع من الفضائيات أصبح يؤثر سلباً أكثر من أي وقت مضى على ذهنية أجيال ناشئة، فيتم "الغسيل" من بوابة الترفيه البريء! والقنوات الإخبارية الفضائية العربية، وتلك التي تعطي أولوية للأخبار، فشلت بامتياز في تحقيق مستوى أدنى من التنسيق، حتى في التصدي لقضايا تمس المجتمعات التي تخاطبها وتبث من على أرضها، لا تزال هذه القنوات أسيرة المتوافر، ومصدر هذا المتوافر معروف ومحدود. وعندما يكون هناك موفد خاص للقنوات الفضائية العربية، فهو ينتقل للمواقع الساخنة التي قرر درجة سخونتها الإعلام الغربي، استنساخ بامتياز. مجرد عدسة أخرى تضاف إلى العدسات لتزيد من حجم التكبير. لم تستطع القنوات الفضائية تحقيق إنجاز بسيط في التركيز، مثلاً، على قضية واحدة تكون هي، أي القنوات نفسها، مصدر الاهتمام بها دولياً. ولنأخذ مثالاً طازجاً مرّ مرور الكرام على تلك الفضائيات، على رغم أنه يعني العاملين في مكاتبها ومجتمعات يعيشون في أوساطها، ويقولون إنهم من أدوات التعبير لمكوناتها. لنقرأ سوياً هذا الخبر "أوصت وكالة الطاقة الدولية دول منطقة الشرق الأوسط بضرورة نشر الأجهزة الخاصة برصد الإشعاعات النووية داخل أراضيها، وقالت الوكالة في مذكرة تم توزيعها على الدول المعنية إن هذا أصبح ضرورة ملحة، بعد صدور تقارير عن تسرب في مفاعل ديمونة الإسرائيلي". لو ركز الإعلام الغربي على هذه القضية ستجد القنوات الفضائية العربية تلهث خلفه، ولن يحدث ذلك، لأنها إسرائيل. تخيل لو كان هناك تنسيق فضائي عربي خاص، يركز على قضايا بهذا الحجم. بالطبع هذا من أحلام اليقظة، فإذا كانت الحكومات العربية لم تتوافق على حد أدنى من التنسيق، فكيف بفضائيات ليس لها هاجس سوى الحصول على مقدار أكبر من المال السهل؟ [email protected]