تزامن اجتماع وزراء الاعلام العرب و اجتماع وزراء الاعلام والثقافة العرب بالقاهرة مع تزايد التحديات التي تواجه الامة العربية، والتي تتطلب آلية اعلامية عربية جديدة لمواجهة الخطر المحدق بالامة، والدفاع عن الهوية، والتأكيد على حقوقها المشروعة. ولا شك ان الاعلام العربي منوط به مهام جسام في المرحلة المقبلة تعكس نبض الشارع العربي تجاه قضايا المصير المشترك وتنقل المواطن إلى آفاق المستقبل لمواكبة التطورات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يمر بها العالم. ولكن.. هل الاعلام العربي قادر حاليا على القيام بدوره المنوط به؟ وما الخطط التي يجب الأخذ بها لتفعيل دورة ؟ اعلن معالي وزير الثقافة والاعلام الدكتور فؤاد الفارسي بوضوح لدى وصوله القاهرة للمشاركة في اجتماعات وزراء الاعلام العرب، ان الظروف الراهنة شديدة الاهمية بالنسبة لعالمنا العربي مما يتطلب رسالة اعلامية ترتقي إلى هذه الظروف، وبالتالي علينا ان نخاطب العالم لا نقول بخطاب اعلامي موحد، ولكن بخطاب اعلامي متكامل، وان يتضمن الخطاب الاعلامي توضيحاً لوجهة النظر العربية في القضايا والامور التي يعاني منها العالم العربي في الوقت الراهن مشدداً على اهمية الاتفاق على بند التكامل بين السياسات الاعلامية والثقافية العربية. وكانت فكرة التكامل التي طرحها وزير الاعلام السعودي هي محور المناقشات في اجتماعات اللجنة الرباعية الدائمة للاعلام بجامعة الدول العربية . وفي هذا الصدد قال أمين بسيوني رئيس اللجنة إن اهمية التكامل الاعلامي العربي باعتباره اصبح مظلة عربية للاعلام خاصة وان هناك حالياً 75 قناة فضائية عربية مشيراً إلى ان هذا التجمع العربي يعد انعكاساً للتعامل بين الاعلام والثقافة يعبر كل منهما بأسلوبه عن التكامل.. ومن جانبه يقول الدكتور محمود عبد العزيز مدير ادارة الاعلام بالجامعة العربية ان هناك قضايا اعلامية ملحة يجب التركيز عليها واعطاؤها الاولوية في العمل العربي المشترك اولها دعم الخطط والبرامج الاعلامية المساندة للقضايا العربية على الساحة الدولية، وثانيها تنسيق القدرات العربية في مجالات الانتاج والبث الاذاعي والتليفزيوني وثالثها مشروعات الاعلام المشترك. ولا يمكن الحديث عن دور الاعلام العربي في دعم القضايا العربية دون الاشارة إلى الفضائيات العربية التي اصبحت تمثل العمود الفقري في التوجه العربي نحو مخاطبة الاخر وطرح قضايا الامة، خاصة وان هناك نحو 142 قناة تليفزيونية قضائية حكومية وخاصة في العالم العربي. وقد اكد سفير خادم الحرمين الشريفين في الكويت احمد بن حمد اليحيى في مقال حول الفضائيات العربية التي تفتح شاشاتها للارهابيين لالقاء بياناتهم من حين إلى اخر تاركة القضايا العربية الملحة التي يجب التركيز عليها، مما ينحى بهذه القنوات عن دورها المنوط بها في خدمة القضايا العربية ذات الأولوية. حيث اشار إلى واقعة حدثت باحدى القنوات العربية حينما قامت باذاعة بيان لاحد الارهابيين يبارك فيها العمليات التفجيرية التي وقعت بالرياض والدار البيضاء ويصف من قاموا بها بأنهم ابطال ولهم الجنة، مؤكداً ان هذا التصرف هو تسطيح لعقول العرب والمسلمين واستهتار بمشاعرهم، فنحن نعلم كيف كان موقف القنوات الفضائية الامريكية والغربية حينما وقع حادث 11 سبتمبر، حيث كانت دعماً وسنداً لبلادها خلال المصائب والمحن ولم تكن عبئاً اضافياً على بلادها تساهم في بذر الفتن. ويقول الدكتور عاطف النجمي رئيس جمعية الدفاع العربي ان هناك مؤامرة لمحو هوية الثقافة العربية، واختراق العقل العربي، وبالتالي فان الاعلام العربي يجب ان يكون حائط الصد الاول وقوة الردع لضرب أي محاولة وبالتالي فلا بد من تكامل العمل الاعلامي العربي بحيث ان يشكل في مجمله منظومة اعلامية متكاملة للمواجهة بالاضافة إلى ضرورة وجود دور اساسي وجماعي للمثقفين العرب، للحفاظ على الهوية الثقافية ومواجهة محاولات تشويه الصورة. وفي طرحه حول كيفية الحفاظ على الهوية العربية يقول امين بسيوني رئيس اللجنة الدائمة للاعلام بالجامعة العربية، انه لكي نحافظ على الهوية العربية فان ذلك يتطلب امرين، اولهما ان يوجد البديل الفضائي العربي، وان يوحد الانتاج العربي الذي تبثه الفضائيات. واضاف ان الانفاق المادي على هذه الفضائيات العربية ضخم جداً وهي لا تدر عائداً يغطي مصروفاتها، فان ثقافة الفضاء غير منتشرة، ويؤسفني القول ان هذه القنوات العربية لا تقوم باداء الدور الاعلامي الثقافي المطلوب منها وطنياً وقومياً ذلك رغم انه توجد رؤية واضحة تتجسد في الاستراتيجية الاعلامية الموضوعة والتي صدق عليها وزراء الاعلام العرب عام 1995 وقد تحددت هذه الوثيقة في ميثاق شرف اعلامي عربي. ومع ذلك فان الفضائيات العربية تعتبر سلاحا عربيا فعالا اذا احسن استخدامه في تصحيح الصورة عن العرب للتعبير عن المواقف العربية وتصحيح الصورة العربية التي تشوهها المصادر الاجنبية ويشير امين بسيوني إلى نقطة مهمة بقوله انه لا بد من التفرقة بين الأعلام العربي- العربي وبين الاعلام العربي الموجه إلى الخارج. ويقول الدكتور علي عجوة عميد كلية الاعلام بجامعة القاهرة ان التقاء الثقافات ضرورة لتحقيق التقدم الانساني لكن المشكلة تأتي عندما ينبهر مجتمع ما انبهاراً شديداً بثقافات اخرى دون حركة فهو يتعرض بهذا للموت مشيرا الي ان نحن في المنطقة العربية مهبط الرسالات واصل الحضارات نقف احياناً مكتوفي الايدي وننبهر بما يدور حولنا دون ادراك. مشيرا الى انه قد أصبحت الخطورة مضاعفة، بل ان بعض البرامج الحوارية صارت لتعميق الخلافات واشكال الصراع بدلاً من محاولات الاصلاح وجمع الشمل بين العرب وصولاً إلى وحدة الفكر العربي. ايضاً فان بعض القنوات تبث برامج تبرهن على مهاراتها في زيادة الخلافات وتحويل الموضوعات من خلافات في الرأي إلى صراع ترتفع فيه نبرة الحوار باستخدام الفاظ بزيئة وقاسية لا ينبغي ان تكون وهذا يؤدي إلى مزيد من التباعد وليس التقارب بين العرب الأمر الذي يشكل تهديداً خطيراً للهوية العربية. وحول اسباب التخوف من فقدان الهوية، يقول الدكتور سامي الشريف وكيل كلية الاعلام، ان هذا التهديد يأتي من الفضائيات العربية اولاًً ومنذ 3 سنوات اجريت بحثاً عن هذه الفضائيات والحفاظ على الهوية، والواقع ان هذه الفضائيات التي يزيد عددها على 140 قناة أنشئت كرد فعل لانشاء الفضائيات الاجنبية بدليل ان القمر العربي "عرب سات" ظل يدور في الفضاء 5 سنوات بدءاً من عام 1985 إلى ان استأجرت مصر قناة فيه وبثت القناة الفضائية العربية الاولى عام 1990 ثم بعدها بدأت الدول العربية في اطلاق قنواتها إلى حد ان ازدادت دون مبرر موضوعي ودون هدف. واكتشفت هذه القنوات احتياجاها لمواد تبثها فاعتمدت على استيراد مواد اجنبية تغطي معظم ساعات الارسال. وحول فكرة وجود اعلام عربي متكامل تقول الدكتورة حنان يوسف استاذ الاعلام العربي بجامعة عين شمس اننا في حاجة إلى التكامل بين القنوات الفضائية العربية وليس إلى تنافسها مع بعضها وهذا يحقق المصلحة لكن القنوات العديدة التي انشئت وبلغت تكلفتها اكثر من 6 مليارات دولار لم تحدد أهدافها الاستراتيجية بل ولم تحدد جمهورها المستهدف مما يجعل أداؤها متخبطاً لكن بعد كل هذا ما الذي يمكن فعله؟ . وتقترح الدكتور حنان استراتيجية عربية إعلامية لمواجهة التحديات الراهنة في مقدمتها انشاء قناة فضائية عربية موحدة وعلى اساس ان يجيء التمويل الجماهيري باسهم مختلفة القيمة منها سهم بجنيه واحد، وذلك على غرار تجربة قناة فضائية جماعية واحدة وهي قناة "اليورونيوز" التي تتحدث باسم الاتحاد الاوروبي مع عدم اغفال خصوصية كل بلد بل انها تبث وفق نظام فني معين ان يراها المشاهد باللغة التي يريدها. وتؤكد صديقة حياتي رئيس القناة الفضائية المصرية ان الاعلام العربي يمتلك من الافراد العاملين به من يتمتع بالكفاءة والابتكار واصحاب الخبرات الكبيرة التي تساعد على خروج المادة الاعلامية بالشكل اللائق. ووصفت اداء قناة "العربية" بانها ممتازة خاصة انها قناة وليدة، مشيرة إلى ان (العربية) تقدم تغطية رائعة للاحداث وتسير بخطى ثابتة نحو حجز مكانة كبيرة من القنوات الفضائية الشهيرة. من جهته اكد هاني خيرت المخرج المصري في قناة النيل الدولية ان القنوات العربية اثبتت انها دائماً على مستوى الحدث، وقدمت كل قناة كل طاقاتها الممكنة للخروج بأحسن تغطية تلبي احتياجات المواطن العربي الذي كان يبحث بمؤشر القنوات عن افضل القنوات التي تغطي الحدث. مضيفا هذا التنافس بين القنوات العربية يسمح بميلاد قنوات جديدة متخصصة سواء في المجالات الاخبارية او الاقتصادية او الرياضية.. الخ. وهو ما نشاهده الان على الاقمار الصناعية. اما سلمى الشماع مذيعة ورئيس قناة النيل المصرية ترى ضرورة تفعيل دور القنوات العربية لخدمة القضايا العربية والبعد عن المغالاة والتضليل وتوضيح الصورة الصحيحة عن العرب. واوضحت ان هناك قنوات فضائية عربية تاجرت بقضايا الامة وبحثوا عن زعامة في وسط الحرب مثلما كان يوجد في الماضي اثرياء حرب من الشخصيات التي لها وزن في الامة. من جانبها تقول الدكتورة منى الحديدي لا بد من وجود استراتيجية عربية متكاملة للحفاظ على الهوية والدفاع عن المصالح العربية، ودعم صمود الشعب الفلسطيني واستقلال العراق مشيرة إلى انه اثناء الحرب على العراق لم تستطع أي فضائية عربية او اجنبية ان تقدم ما كان يحدث بالفعل على ارض الواقع.