ماذا تبقى من "شرعة 77" تاريخ ولادة حركة المعارضة التشيكوسلوفاكية، ومن حركات المعارضة في أوروبا الوسطى؟ فثمة من يذهب الى أن اعلان بيان حقوق الانسان، ببراغ 1977، مهّد الطريق الى الحركة الثورية الديموقراطية في تشرين الثاني نوفمبر 1989، وكان الايذان المبكر بانهيار الانظمة الشيوعية. ويرى هؤلاء أن انتقال فاتسلاف هافيل من المعارضة الى الرئاسة هو دليل على تكلل مساعي المعارضة الديموقراطية بالنجاح. ولكن هذه الرواية المبسطة للامور تغفل ظروف نشأة شرعة حقوق الانسان، وتتغاضى عن أفول السياسة التي ورثت الشرعة هذه بعد بلوغ الديموقراطية المنشودة. وقبل ثلاثين سنة خلت، لم يكن في وسع أحد التنبؤ بمآل حركة المعارضة. ففي ذلك الوقت سادت تشيكوسلوفاكيا موجة تطبيع داخلي فرضتها الدبابات السوفياتية، بعد قمعها"ربيع براغ"في 1968، وكانت"شرعة 77"بمثابة خروج عن"المتوقع". وكان أول دعاة هذه الشرعة الفيلسوف جان باتوتشكا، صاحب"مقالات في البدعة". توفي الرجل في آذار مارس 1977، بعد استجواب الشرطة طوال عشر ساعات متواصلة. وما آدنت به"شرعة 77"هو التنديد بنظام ينتهك حقوقاً تضمنها اتفاقات حقوق الانسان الدولية، عوض الدعوة الى اصلاح هذا النظام و"أنسنة الاشتراكية الحقيقية". وكان التزام حقوق الانسان الجامعة بمنزلة تنظيم المجتمع والمؤسسات السياسية على أسس جديدة. فهذا الالتزام أدرج معارضة النظام والتنديد به في سياق المجتمع الأوسع. ولم تبق المعارضة مقتصرة على النخبة المثقفة أو"المستشرقين"، على ما كان الأمر في روسيا مع الكاتب ألكسندر سولجينيتسين، وداعية حقوق الانسان أندريه ساخاروف. فهذه المعارضة سعت الى انشاء دائرة حرة داخل المجتمع نفسه، تسمح بالتقاء المثقفين وتداولهم النظر، على مختلف مشاربهم. وبعد إعلان"شرعة 77"، سادت نظريتان أوساط المراقبين. وافترضت الأولى ان اصحاب هذه الشرعة مجموعة من المثقفين المنعزلين عن مجتمع "حارة"من المثقفين خائف ومتداع. ونسبت الثانية، الى المثقفين، وهم أقلية، مهمة تمثيل المجتمع، أو الكثرة الصامتة. وغداة الثورة المخملية، في 1989، وعلى أثر تأسيس"المنتدى المدني"، بقيادة فاتسلاف هافيل وأصدقائه، راج الرأي الثاني. وبدا أنه أقرب الى الحقيقة. وتبوأ المعارضون السابقون مكانة عالية من الساحة السياسية، وحسب الناس أن صنفاً جديداً من الديموقراطية قد يتمخض عن سيرورة"ابتكارها"ومشاركة المدنيين فيها. وجرت الرياح على ما لا تشتهي السفن. فسرعان ما حلت الاحزاب محل"المنتدى المدني"، والسياسيون محل المعارضين السابقين. وعزا بعض المراقبين فشل المعارضة في الحكم الى ضعف تماسك أفكارهم، السياسية، بعد 1989، فالانتقال من المشاركة المدنية في الحكم الى المؤسسات، ومن الدعوة الى القيم الاخلاقية الى منطق السلطة وتصريف الاعمال وادارتها، طريق شائكة. وذهب بعض المراقبين الى أن قدامى المعارضين أخلّوا بالتزاماتهم، وأهملوا نقد الحداثة الغربية ومجتمع الاستهلاك ونسوا دعوتهم الى نبذ العنف. وعلى رغم أفول حركة المعارضة السابقة، وهذا الأفول قاسم مشترك بين الدول الشيوعية السابقة، لم يطو، جديد"شرعة 77". ولا يزال الدفاع عن حقوق الانسان، ومساندة المعارضة الديموقراطية في مواجهة الديكتاتوريات، مسألتين راهنتين من بورما الى بيلاروسيا. ولا يزال المجتمع المدني، واضطلاعه بالمراقبة وفرض القيود على السلطة، شرط المحافظة على ديموقراطية المؤسسات. وكان سهم"شرعة 77"والمعارضة بأوروبا الوسطى راجحاً في إخراج اتفاقات هيلسنكي بين الكتلة السوفياتية والديموقراطيات الغربية من جمودها، وإدراجها في سياق التفاعل بين الرأي العام والناشطين المستقلين على جانبي القارة الأوروبية. وكان نشوء حركة"سوليدارنوسك""التضامن" ببولندا، في 1980، منعطفاً اجتماعياً وتاريخياً اتفق مع احتدام المناقشات الاوروبية لهوية القارة. فعلى سبيل المثال، كانت اعمال هافيل تناقش في باريس، وكان المثقفون الفرنسيون يقصدون براغ لإقامة ندوات سرية. وهذا التبادل بين شطري أوروبا، الشرقي والغربي، ضعف بعدما توحد شطرا القارة. فكأن توسع الاتحاد الاوروبي شرقاً نقل، فعلاً، معايير الشطر الغربي الى المنتسبين الجدد في الشطر الشرقي، ولم يتبنّ بعض معايير الشطر هذا. عن جاك روبنيك مدير أبحاث ودراسات، "ليبيراسيون" الفرنسية، 25/1/2007