26 روائياً سعودياً جديداً أطلوا على المشهد الأدبي في العام 2006، أي هناك 26 رواية جديدة كتبها شبان وشابات، كانوا مجهولين لدى القارئ حتى ذلك الحين. وأظهرت دراسة ببليوغرافية أعدها القاص خالد اليوسف، أن 41 رواية سعودية صدرت خلال العام 2006 وحده 20 رواية لكاتبات و21 رواية لكتاب، وهو ما يرسخ الرواج الذي تشهده الرواية في السعودية هذه الأيام، والإقبال اللافت على كتابتها، لم يبق وقفاً على كتاب السرد أو الأدباء من شعراء وسواهم، إنما أضحى يمارس كتابتها أطباء وصحافيون وأساتذة جامعيون وطلبة. وسنة تلو أخرى يتزايد الطلب على قراءتها ومتابعة الجديد حولها، حتى إن بعض المكتبات في الدول المجاورة، أصبحت تخصص أكشاكاً للروايات السعودية، تلبية للطلبات المتزايدة عليها، ولأن هذه الأعمال لا توزع في الداخل. صدور هذا العدد من الروايات، لكتّاب وكاتبات غالبيتهم من الشبان، فاجأ الكثير من المهتمين لضخامته، بل هو فتح عيونهم على ما تفعله الرواية اليوم في القراء والمجتمع السعودي، فيما شكل العدد من جهة ثانية صدمة للبعض، ذلك أن جزءاً كبيراً منه يغامر بأدبيات الرواية وجمالياتها، لمصلحة البحث عن الإثارة من خلال التطرق إلى مواضيع ذات طابع فضائحي، وهتك للتابوات بأنواعها على نحو مباشر وصادم في آن واحد. 26 روائياً جديداً لم يخرجوا من معطف غازي القصيبي وتركي الحمد، ولا رجاء عالم أو عبده خال من أصحاب التجارب الروائية البارزة، والأكثر رسوخاً في المشهد الأدبي السعودي، إنما خرجوا من معطف الروائية الشابة رجاء الصانع، صاحبة"بنات الرياض"، الرواية الأشهر والأكثر انتشاراً في عواصم العالم العربي، التي لا يزال الإقبال عليها مستمراً، وتباع في أكشاك الصحف وعلى الأرصفة، وحققت عائدات مادية تعد ثروة لناشرها دار الساقي. وثمة روايات تأتي كما لو كانت رداً على مضمون"بنات الرياض"، فهي تحاول إعادة الاعتبار الى المجتمع السعودي، الذي يرى اصحاب هذه الأعمال، أن الصانع انتهكت محرماته وتطاولت على مقدساته الاجتماعية، لذلك يحاولون هنا تقديم صورة أخرى إيجابية شديدة المحافظة. وتتصدر اليوم قضايا الرواية السعودية الصحافة الثقافية، وتشغل فيها مساحات واسعة، ليس فقط في السعودية، بل في الوطن العربي أيضاً، في محاولة لاستيعاب الدوافع وراء هذا الإقبال عليها، لكن من دون دراسة نقدية مهمة، تستجلي حقيقة هذا التيار من الروايات، فمعظم ما يكتب هو مقالات صحافية لا تذهب بعيداً في تحديد الأسباب والدوافع. وفي هذا الخصوص يقول الروائي تركي الحمد:"للأسف النقاد السعوديون مشغولون بالتنظير، أكثر من انشغالهم بقراءة الأعمال الموجودة. ونادراً ما نجد قراءة لعمل سعودي، وإن وجدنا قراءة فنادراً ما نجد نقداً موضوعياً. فالناقد السعودي مشغول بتعريب أنماط نقدية معينة، من دون محاولة قراءة العمل المحلي. واذا تطرق البعض لعمل محلي يتكلم عن نظريات أجنبية ومحاولة البحث عنها في تلك الرواية وإن لم يكملها". ويتحدث بعض المثقفين اليوم عن غياب الفرق، بين معظم هذه الروايات وبين مجلات"التابلويد"، التي تتخصص في نشر فضائح المشاهير، فكلاهما بحسب هؤلاء، يتوسلن الفضيحة، ليحقق مبيعات عالية، في تلبية رغبات قراء نهمين لكشف الأسرار والمسكوت عنه. يقول الباحث عبدالرحمن الحبيب، مشخصاً هذه الظاهرة، أن ثمة جمهوراً"حجبت عنه المعلومات، وهو متعطش لكشف المحجوب من الأخبار والأحداث، والسلوكيات والممارسات الاجتماعية والسياسية، فصار قطاع كبير من الناس يهتم بتلك الروايات التي تكشف ذلك المستور وتناقشه بأسلوب تقريري مباشر". ويرى الحبيب أنّ ليس غريباً"زيادة الاهتمام بالمرأة الروائية لأن الفضائح عندما تسجلها تغدو أكثر جاذبية وإثارة، من تسجيل الرجل في مجتمعنا المفرط في محافظته". وتقول القاصة رقية الشبيبپأن إحسان عبدالقدوس وغادة السمان، يبدوان محافظين، إزاء جرأة الروائيات السعوديات،"ما لم أستطع أن أتجاوزه في ما تكتبه بعض الروائيات، ذلك الانفتاح الذي لا يمكن تقبله في المجتمع العربي بعامة، فما بالك بمجتمع محافظ كمجتمعنا؟ إحدى الروائيات قرأت لها مصادفة روايتين صدرتا في لندن، صورت فيهما المجتمع السعودي كأنه مجتمع سيئ السمعة، ووصفت بدقة متناهية وبما لا يخطر على بال إحسان عبدالقدوس في زمانه". وتوحي الظاهرة الروائية للناقد معجب الزهراني، بپ"أن وضعية مجتمعية بأكملها بدأت تغري كثيرين وكثيرات بالكتابة عنها من منظور روائي يجابهها بقدر ما يستثمر التباساتها". ويرى أن هذه الوضعية في حاجة إلى جهود باحثين وباحثات، من مختلف العلوم الإنسانية لتحديدها وتحليلها معرفياً اذ"لا يمكن الناقد أن ينهض بقراءتها إلا لماماً، وفي إطار ما يطرحه النص السردي من قضايا وإشكاليات. كأنني أقول إن الكتابة الروائية والنقد الذي يحاورها سيظلان محكومين بالفقد المعرفي والتبسيط الفكري ما دامت الوضعية في مجملها غير خاضعة للتحليل الجاد والتأمل العميق". لكن الروائي محمود تراوري يفضل أن تترك الفرصة للكل لممارسة الكتابة"فنحن أحوج ما نكون إلى التراكم الكمي، الذي بالضرورة سيقود إلى تراكم نوعي، يفرز المنتج مع مرور الوقت". راهنت هذه الروايات على ما اسمتهپ"الجمهور"، ولعلها وفقت في رهانها، فهي لم تكن لتحقق هذا الانتشار، لو أنها توجهت إلى شريحة الأدباء والمثقفين، الذين يواصلون التبرؤ من هذه الموجة الروائية، ونعتها بأقسى الأوصاف. على أن هؤلاء الروائيين الشبان يعتزون كثيراً برواياتهم ويدافعون عنها بحماسة، بل ويتهمون معشر الأدباء والروائيين المكرسين بالغيرة والجمود وعدم الجرأة، في تعاطيهم مع قضايا المجتمع الأكثر حساسية. ويلقي بعض المثقفين بالمسؤولية على دور النشر العربية، في ترويج هذه الروايات"من خلال تجاوز المعايير الحقيقية للنشر، فهم لا يحتكمون إلى جودة النص، بل إلى ما سيجنونه من عائد مادي مغرٍ، لقاء طباعة أعمال تفتقد إلى أبسط المقومات الفنية". والمسألة تصل إلى حد اتهام أصحاب دور النشر، بإقحام جمل وعبارات في الأعمال. وحصل أن هدّد أحد الشبان بمحاكمة دار نشر كبيرة، متهماً إياها بادخال تغيير في عمله، سعياً إلى الإثارة. وعلى رغم أن الناشر دافع عن نفسه، ونفى الاتهامات التي وجهت إلى داره، إلا أن المثقف السعودي لا يزال يرى أن هذه الدور متضلعة في دفع الكُتاب الشباب إلى استسهال كتابة الرواية. ويصف القاص خليل الفزيع هذه الروايات بپ"مجرد هذيان يقف وراءه أصحاب دور النشر، التي تريد الربح المادي في الدرجة الأولى، وإن كان ذلك عبر طرق معوجة وغير أخلاقية". ويبدي رغبته في رواية"تثير الجدل من دون أن تثير الغرائز، وتطرح أسئلة من دون أن تستسلم لشذوذ السلوك أو الفكر". أخيراً، إذا كان البعض يرى في هذه الطفرة الروائية رد فعل عنيف على الانغلاق وعدم المكاشفة، بصفتها تنفيساً أو فضحاً، فإن البعض الآخر يتساءل حول المصير الذي ستؤول إليه، بعد أن يتعود المجتمع على الانفتاح. يطرح عبدالرحمن الحبيب أن مآل هذا النوع من الرواية النسيان". اختلاس" لهاني نقشبندي "اختلاس" رواية للكاتب السعودي هاني نقشبندي صدرت حديثاً عن دار"الساقي". وأشيع في بيروت حيث طبعت الرواية أنها ستمنع، لكن الأمر كان مجرد اشاعة، بحسب ما افادت الدار، وهي راجعت جهاز الرقابة في الأمن العام اللبناني وكذلك وزارة الاعلام. ويكتب نقشبندي في مقدمة الرواية:"كثيراً ما كنت أشعر ان الحياة تكرر نفسها من دون ارادة منا، أتخيل الله يهبنا الفرصة لاعادة اكتشاف انفسنا، والتخلص من خطايانا، لنصبح اكثر نقاء وقرباً منه. لكن ذلك لا يأتي من دون الاعتراف بهذه الخطايا التي ستتكرر بدورها ان بقينا مختبئين وراء الممنوع بلا سبب، والحرام في غير حرمة! ربما يشاركنا الآخرون في الخطايا نفسها. لكن دورنا ليس اصلاح ثقوب الكرة الارضية، بل اصلاح ثقوبنا نحن وليصلح الآخرون ثقوبهم. انها محاولة للعلاج اذاً، لكنني لن أكون الطبيب هنا، بل لعلني المريض أكثر مني طبيب. وكلي ثقة ان المريض هو افضل طبيب لدائه".