الأهلي يعبر الخليج    في انتقاد نادر... ميقاتي يندّد بتدخل إيراني "فاضح" في شؤون لبنان    رئيس الوزراء البريطاني: مقتل السنوار «فرصة» لوقف إطلاق النار    محمية الملك سلمان... ملاذ آمن وبيئة خصبة لتكاثر غزال الريم    ضبط (3) مواطنين في تبوك لترويجهم مادتي الحشيش والإمفيتامين المخدرتين    مفتي موريتانيا: مسابقة خادم الحرمين لحفظ القرآن لها أهمية بالغة    2,603 طلاب وطالبات من تعليم جازان يؤدون اختبار موهوب1    يتقاسمان الولايات المتأرجحة.. الفارق يضيق بين هاريس وترمب    فريق أنوار التطوعي يفعِّل اليوم العالمي لسرطان الثدي بمستشفى بيش العام    "خويد": أول جمعية متخصصة للفنون الأدائية والمسرح في المملكة    المعرض الأول لسفرجل بالعارضة بجازان    اللجنة الدولية للتحقيق تدعو إلى إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية    «الزكاة والضريبة والجمارك» تحبط تهريب 1.2 مليون حبة كبتاجون بمنفذ «حالة عمّار»    تشكيل الأهلي المتوقع أمام الخليج    خطيب المسجد النبوي: القلب ملكُ الجوارح وسلطانه فبصلاحه يصلُحون وفسادهم بفساده    خطيب المسجد الحرام: يتعجل المرء في الحكم بين المتنازعين قبل التبين    الأحمدي يكتب.. الهلال وتحديات المستقبل!    السياحة السعودية تعزز حضورها الدولي وتستهدف الصين    وصول الطائرة الإغاثية السعودية السادسة محمّلةً بالمساعدات للشعب اللبناني    ارتفاع سعر الروبل مقابل العملات الرئيسية    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول أمطار على معظم مناطق المملكة    ارتفاع أسعار النفط إلى 74.45 دولار للبرميل    فريد الأطرش .. موسيقار الأزمان    «صرخات مؤلمة».. تكشف مقتل الطفلة سارة    «إندبندنت»: النساء بريئات من العقم.. الرجال السبب!    سينر وألكاراز يواصلان تألقهما وينتقلان إلى نهائي "The six Kings Slam"    5 مواجهات في انطلاقة دوري الدرجة الأولى للكرة الطائرة    لصوص الأراضي.. القانون أمامكم    الدفاع المدني ينبه من استمرار هطول الأمطار الرعدية على بعض مناطق المملكة    «تحجّم».. بحذر!    اللثة.. «داعمة الأسنان» كيف نحميها؟    تركي بن طلال.. العاشق المحترف    المساقي عليها تضحك العثّري    الابتعاث للدراسة الأكاديمية للباراسيكولوجي    مفهوم القوة عند الغرب    «وقاء نجران» يشارك في مهرجان مزاد الإبل بأعمال الفحص والتقصي    عبدالرحمن يحصد ذهبية الاسكواش بالألعاب السعودية    ذاكرة الهلال لن تنساني    أبسط الخدمات    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً عن هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية    استيقظ يااا مانشيني    التسويق الوردي!    الأمير فيصل بن سلمان يدشّن الأعمال الكاملة للمؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى    الحضور السعودي «أوروبياً» .. لردم هوة العثرات العالمية    الدولار يدخل معركة الرئاسة الأمريكية    العلاقات العربيّة / الصينيّة: نحو مجتمعٍ ذي مصيرٍ مُشترَك    وزير الإعلام يفتتح أكاديمية "واس" للتدريب الإخباري بالرياض    محمية الشمال للصيد.. رؤية الحاضر بعبق الماضي    إنفاذًا لتوجيهات القيادة .. تمديد فترة تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية المتراكمة على مرتكبيها    برقية شكر للشريف على تهنئته باليوم الوطني ال94    تجمع الرياض الصحي الأول يطلق فعاليات توعوية بمناسبة "اليوم العالمي للإبصار"    متوفاة دماغيًا تنقذ ثلاثة مرضى في الأحساء    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الخامسة لمساعدة الشعب اللبناني    نباح من على منابر الشيطان    السعودية إنسانية تتجلى    نائب أمير تبوك يستقبل أعضاء جمعية الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليا    أمين الطائف يقف على المشاريع التطويرية بالمويه وظلم    26 من الطيور المهددة بالانقراض تعتني بها محمية الملك سلمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجيش الاسرائيلي بعد رحيل حالوتس ... صورة باهتة وخيارات قلقة !
نشر في الحياة يوم 31 - 01 - 2007

من غير المتوقع أن تصطدم كرة الثلج التي شكلتها استقالة رئيس الأركان الاسرائيلي دان حالوتس على خلفية نتائج حرب تموز يوليو الماضي ضد لبنان، وأداء المؤسسة العسكرية البائس خلالها، بجسم غريب يوقفها عند حد الاكتفاء بإطاحة رأس الهرم العسكري الذي تؤكد المعطيات المختلفة أن الاستياء الواسع في أوساط الضباط والجنود الذين شاركوا في الحرب الأخيرة على لبنان، والضغط الشعبي العارم، والنتائج المتوقعة للجنة فينوغراد الحكومية، هي التي أجبرته على مغادرة الموقع الأبرز في المؤسسة العسكرية الاسرائيلية رئاسة الأركان، ذلك أن هذه الكرة المتدحرجة التي يتوقع لها أن تجرف في طريقها رؤوساً كبيرة في المؤسسة السياسية والعسكرية، وعلى رأسها وزير الدفاع عمير بيرتس، وربما رئيس الوزراء ايهود اولمرت نفسه، تختزن في داخلها خليطاً من الأخطاء والاشكاليات والمعضلات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية التي كانت تتراكم في شرايين ومفاصل الدولة العبرية، وتؤسس لاستحقاقات من طراز نوعي جديد، ولا سيما في أوساط المؤسسة الأهم التي تعتبر حامية دولة اسرائيل وحاضنة ديمومتها واستمرارها، ونعني بها مؤسسة الجيش الذي أصيب بزلزال عنيف يصعب تقدير درجة ومستوى خطورة هزاته الارتدادية.
ويأتي هذا التطور الذي ستعمل المؤسسة السياسية على التخفيف من تداعياته من خلال تسعير"حرب الخلافة"على منصب رئيس الأركان، بعد فترة وجيزة على تلوين"تقدير الوضع الاستراتيجي"الذي أعده الجيش الاسرائيلي لعام 2007 صورة الكيان العبري بالرمادي والأسود، من خلال استشرافه اجتياز ايران حافة الاستقلال التقني النووي، وتوقع تدني مستوى الاستقرار الاقليمي في ظل ارتفاع احتمال التفجر على الجبهة الشمالية في سورية ولبنان، وكذلك على الجبهة الفلسطينية. ووفق التقدير المتشائم الذي شكل دعوة للاستنفار في كل مفاصل الدولة والمجتمع الاسرائيليين، فإن العام الحالي سيكون جوهرياً بالنسبة الى البرنامج النووي الايراني، إلا أن تقديرات الجيش الاسرائيلي، وفق ضابط لخص للصحف العبرية معطيات التقدير، ترى أن ايران ستتمكن من تحقيق ذلك فعلياً بحلول نهاية العام الحالي. أما بخصوص الجيش الاسرائيلي فيري التقدير انه بحاجة الى ثمانية مليارات شيكل 1.7 مليار دولار في العام من أجل إعداد نفسه كما ينبغي في عدد من المجالات، كتأمين الاحتياجات العملياتية المستجدة والبحث والتطوير وتحديث حجم القوات ومعالجة الفجوات في مستوى التدريبات، وغير ذلك.
العنوان الأبرز في تقدير الجيش الاسرائيلي الذي حاول مقاربة قضايا سياسية وأمنية شاملة لها علاقة بحراك وتطورات ومآلات الصراع المحتدم على أكثر من جبهة في الشرق الأوسط، يتعلق بواقع ومستقبل هذا الجيش، لا سيما وأنه منذ انتهاء الحرب الاسرائيلية الأخيرة على لبنان، وعلى رغم محاولات التعويض عن الفشل الميداني والسياسي غير المسبوق عبر تصعيد الاعتداءات على غزة التي تحولت الى ساحة مفتوحة لوسائل وأدوات القتل الاسرائيلية، لم تعرف الدولة العبرية الهدوء أو الاستكانة لنتائج الحرب التي نزعت أوراق التوت عن أزمة القيادة السياسية والعسكرية والاستخباراتية، والأهم عن الجيش الاسرائيلي الذي جرى تصويره خلال السنوات والعقود الماضية على أنه من طبيعة خاصة غير قابلة للاختراق أو العطب. إذ أن قوى اليمين المتطرف التي تضامنت بشكل كامل مع حكومة اولمرت خلال الحرب أخذت بتصعيد حملاتها الشرسة ضد هذه الحكومة التي وضعت اسرائيل على أعتاب الهزيمة، فيما كان الملفت المثير لتساؤلات عميقة هو تلك الحملة السياسية والصحافية، التي تحولت الى شعبية في الآونة الأخيرة، ضد وزير الدفاع عمير بيرتس الذي كان قد ضحى برؤيته الاجتماعية التي انتخب باسمها لصالح حقيبة الدفاع التي لا يفقه منها شيئاً، وضد رئيس أركان الجيش الاسرائيلي الجنرال دان حالوتس، وضد القيادة العسكرية عموماً، وذلك بعد أن كان النقاش في أخطاء الجيش وتقصير قياداته ووحداته يتم في غرف مغلقة بعيداً عن أسماع العرب والعالم والرأي العام الاسرائيلي وعيونه.
والواقع ان الجيش الاسرائيلي الذي يحتل مكانة استثنائية مميزة في الدولة العبرية كونه خاض، ومنذ قيام الدولة في العام 1948، عدداً من الحروب المتتالية مع الدول العربية المجاورة لها، كما واجه انتفاضتين فلسطينيتين خلال العقدين الماضيين، يعيش زلزالاً بعد سلسلة الإخفاقات الخطيرة قبل وخلال حرب تموز يوليو على لبنان. وتفيد الدروس المستخلصة، وفق الصحف الاسرائيلية، من نحو 40 تحقيقاً أجراها الجيش الاسرائيلي للنظر في الاخفاقات العسكرية في حرب لبنان الثانية، بأن الأعوام الستة للانتفاضة الفلسطينية أدت الى توجيه غالبية اهتمام الجيش الاسرائيلي الى المناطق المحتلة التي كان لها الأولوية على ما يجري على الجبهة الشمالية. وقد استغل"حزب الله"السياسة الاسرائيلية لإقامة مواقع له على طول الحدود، ولشن عملياته في أي وقت يشاء.
وفي أعقاب خطف الجنديين الاسرائيليين من قبل"حزب الله"، وبعد قرار شن الحرب، كان الجيش الاسرائيلي، وفق خلاصة التحقيقات، يفكر بمصطلحات المناطق المحتلة عمليات أمنية تقليدية ضد عدو ضعيف وهذا ما قام بتطبيقه، لكن قدرات"حزب الله"فاجأت الجيش الاسرائيلي مما سمح للحزب بضربه في نقاط ضعفه مثل مهاجمة المدرعات والقوات البرية بالصواريخ المضادة للدروع، أما القوات النظامية، وبصورة خاصة قوات الاحتياط، فلم تكن مدربة كما يجب للقيام بالمهمة لأن الانتفاضة تسببت بخفض موازنة التدريبات. وقد اعترف عدد من القادة العسكريين بأن القدرة القتالية للجيش ضعفت، وأن استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية أضعف التدريبات والتقنيات القتالية، مما شكل ضربة للتفكير السائد.
وعليه، أدى ضعف القوات البرية التي لم تحضر بما فيه الكفاية، والتي تعودت على القتال في المناطق المحتلة، الى تفضيل استخدام سلاح الجو، وأعطى الجيش الاسرائيلي اهمية كبيرة لقدرة النيران الهائلة على حساب المناورة. وهذه العقيدة القتالية ولدت أيام رئيس الأركان السابق موشيه يعلون وتعززت في أيام دان حالوتس قائد سلاح الجو. وحسب ضباط كبار حاليين في رئاسة الأركان، فإن خطيئة"الغطرسة الجوية"كانت المبالغة في الاعتقاد أن بالإمكان انجاز المهمة في لبنان باستخدام القوة الجوية فقط. وشكلت هذه النظرية الأساس للفشل في الحرب. وجاء في تقرير آخر ان حالوتس أيد بصورة كبيرة فكرة الحسم الجوي، وتحفظ عن عملية برية لوقف اطلاق الكاتيوشا، وحتى عندما اتضح له أن سلاح الجو وحده لا يكفي اصر على رفض القيام بعملية برية.
هذه العقيدة الخاطئة، تضيف خلاصة التحقيقات، وعدم فهم ما يجري على أرض المعركة أديا الى سلسلة قرارات خاطئة لرئاسة الأركان العامة مثل عدم إعداد الخيارات البرية في الوقت المحدد، وتأجيل تعبئة فرق الاحتياط يعترف حالوتس بأنه أخطأ عندما لم يدفع الحكومة الى الموافقة على دعوة الاحتياطيين قبل ذلك، واستخدام أسلوب"السلامي"بحيث تتقدم القوات وتسيطر وبعد ذلك تنسحب من دون أن توظف هذه العملية في مواجهة متواصلة ضد"حزب الله". كما برزت ثغرات في عمل سلاح البحرية. وقد اعترف قائد سلاح البحرية انه اعتبر امكان امتلاك"حزب الله"لصاروخ أرض - بحر من طراز ايراني أمراً"خيالياً ومبالغاً فيه". ويعترف انه حتى يوم اصابة البارجة بالصاروخ، أي بعد يومين على حادثة الخطف، لم يكن بعد مدركاً ان ما يجري هو حرب. وذلك بالاضافة الى ظهور مشكلات في القيم على مختلف المستويات. فرئاسة أركان الجيش لم تتصرف بصفتها القيادة العليا وجرى اتخاذ عدد من القرارات المهمة ضمن أوساط ضيقة من دون احترام المراتب، ولم يتقيد عدد من الضباط في رئاسة الأركان بالهرمية المعروفة عندما قاموا، بواسطة الهاتف، بتوجيه تعليماتهم ونصائحهم الى قادة الفرق على الجبهة من دون تسجيلها بطريقة رسمية.
تعود جذور الجيش الاسرائيلي، الذي يعتبر الأقوى في المنطقة على رغم الضربة المادية والمعنوية التي تلقاها خلال عدوان تموز الماضي على لبنان، الى التنظيمات الأمنية لحركة اليهود قبل احتلال فلسطين مثل مجموعة"هشومير"الحارس، وفرق المتطوعين اليهود في قوات الحلفاء الجدوديم، وفرق العمال، وعصابات شتيرن والأرغون، وما سمي ب"المنظمة العسكرية القومية"وذلك قبل أن تهيمن عصابة"الهاغانا"على ساحة العمل العسكري المسلح ضد الفلسطينيين وتشكل النواة الحقيقية للجيش الاسرائيلي. وقد لعب بن غوريون، بوصفه رئيساً للوزراء ووزير للدفاع من سنة 1948 وحتى سنة 1963 باستثناء 15 شهراً ما بين 1953 و1955 دوراً مركزياً في عملية تحول العصابات الصهيونية الى جيش نظامي موحد وإجباري ومحترف، وترك تاثيراً لا يمكن محوه في سمات هذا الجيش وعلاقته مع مكونات الدولة الاسرائيلية الأخرى.
ويمكن الوقوف على رؤيته لدور الجيش في قوله:"لقد كانت المهمة الأساسية ل"تساحال"هي حماية الدولة. ولكن تلك لم تكن مهمتنا الوحيدة، إذ على الجيش أن يكون مركز تعليم وريادة للشباب الاسرائيلي، سواء المولودين داخل اسرائيل أو القادمين الجدد. ان من واجب الجيش تثقيف جيل رائد سليم في الجسم والعقل، شجاع ومخلص وقادر على توحيد القبائل المبعثرة ويهود المهجر ليجهز هذا الجيل نفسه لتحقيق المهمات التاريخية لدولة اسرائيل".
وكان معهد"فان لير"الاسرائيلي، وبمشاركة عدد من الأكاديميين العسكريين الاسرائيليين والأجانب، قد عقد، قبل أسابيع حلقة دراسية في القدس المحتلة تحت عنوان"هل هو جيش له دولة؟"وذلك للبحث في دور الجيش في الحياة العامة الاسرائيلية. أما الدافع الأساس لهذه الورشة التي ساهم في أعمالها أكاديميون من جامعات اميركية وفرنسية، فكانت القناعة بأن الجيش الاسرائيلي"تساحال"يملك نفوذاً حاسماً، ليس فقط في القضايا العسكرية والأمنية، وانما كذلك في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الثقافية، كما راكم تأثيراً استثنائياً في كل ما يتصل بالمفاوضات مع الفلسطينيين ومع الدول العربية، ناهيك عن سيطرته المبالغ فيها على الزعماء والساسة وصناع القرار، واستمرار احتكاره لما يسمى"التقدير القومي"، وبقائه"مقاول البدائل للحكومة في كل ما يتعلق بالخطوات السياسية والعسكرية"، وتأثيره الحاسم على وسائل الإعلام وسواها من المؤسسات المكونة للدولة والمجتمع في اسرائيل.
أبرز ما حملته الحلقة التي استمرت أعمالها يومين، هو محاولة اثبات انه برغم كون"الأمن"ميداناً مركزياً في حياة سكان اسرائيل، فإن هذا الموضوع ما زال يعالج بطريقة تقليدية محافظة، عبر التركيز على البعد الرسمي في العلاقة بين"الأمني"و"المدني"، ما يفرض الحاجة الى خلق اطار مناسب لتوضيح القضايا ذات الصلة بمكانة الأمن في دولة اسرائيل من وجهة نظر جديدة، وكي تظهر للجمهور الواسع صور تعامل أخرى ذات صلة بالقضية. كما حاولت الدراسات المقدمة معالجة مفهوم"الأمن"والمؤسسة الأمنية بكل مقوماتها، وعناصر الشبكة الأمنية في الخدمتين الدائمة والاحتياطية ونتائج الأمن وآثاره المختلفة على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اسرائيل، وعلى عملية الصراع مع الفلسطينيين، وعلى شكل وطبيعة العلاقة مع الجوار الاقليمي ومع مختلف دول العالم.
الأهمية الاستثنائية لحلقة العمل هذه تكمن في محاولتها تسليط الضوء على أكثر المناطق حرمة في اسرائيل، وكشف الحجب والأستار عن تغلغل الجيش الاسرائيلي الذي اعتبره مؤسس الدولة العبرية دافيد بن غوريون"أكاديمية المواطنين"، في كل مفاصل الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية بعدما اعتاد السياسيون الاسرائيليون على وضع مواطنيهم أمام خيارين: إما أن يتاح للجيش فعل ما يراه مناسباً دون أية مساءلة تذكر، واما الاستعداد لتقبل الهزيمة التي تؤدي الى التعرض ل"الإبادة"!، كما تكمن في كشفها واقع وحقيقة الأزمة العامة التي تمر بها اسرائيل التي تفترض وظيفتها الاستراتيجية كمخفر متقدم للمصالح الرأسمالية العليا في المنطقة أن يبقى الجيش خارج النقاش، وتناقض واقع الحال هذا مع مفاهيم وأسس وآليات المجتمع المدني، وتجليات الحراك الاقتصادي والاجتماعي المرتهن لسطوة العسكريين ورؤاهم ومصالحهم ونزواتهم الدموية المندرجة في اطار الوظيفة الاستراتيجية.
وبناء على ذلك، امتد نفوذ الجيش الى كل مفاصل الحياة في اسرائيل، وكان له الدور الأساسي في عملية عصرنة الدولة وادخال وتطوير الصناعات الحديثة، بحيث يمكن اليوم اعتبار المؤسسة العسكرية أهم وأكبر مستخدم في اسرائيل بعدما وسّعت وزارة الدفاع منذ عام 1967 صناعات الالكترونيات والطائرات والصواريخ التابعة لها والدبابات وسواها. ولكن هذه القفزات في تأثير الجيش الاسرائيلي وقيادته لعمليات التحديث والتطوير لم تكن بلا آثار جانبية ساهمت في خلقها بعض العمليات الإرهابية الفاشلة التي عملت على إيقاظ النقد الجماهيري لهيمنة وزارة الدفاع والاستخبارات على الدولة ومؤسساتها تحت دعاوى أولوية الأمن والدفاع مثل القضية المعروفة بقضية لافون. بيد أن ذلك لم يصل الى حد المطالبة بتحديد التخوم التي تفصل المؤسسة العسكرية عن مؤسسات الدولة الأخرى. كونها الأداة الفعالة في عملية التحديث ودمج المكونات البشرية لدولة اسرائيل في بوتقة الصهر التي تتخفى تناقضاتها المزمنة وراء العدوانية البربرية التي تسم هذا الكيان الوظيفي.
ومع ذلك، ينبغي لفت النظر الى أن واقع هيمنة الجيش الاسرائيلي على الدولة ومكوناتها يتطلب استمراره شرطاً أساسياً قوامه أن يكون هذا الجيش منتصراً دائماً. وبالتالي، من المنطقي الاستنتاج أن عدم تمكين الاسرائيلي من تحقيق انتصارات عسكرية مجانية سيؤدي ليس فقط الى وقف عدوانية اسرائيل، أو كبحها على الأقل، وانما ايضاً الى انهيارات ذات طبيعة نوعية في مختلف المجالات التي تلعب فيها المؤسسة العسكرية دوراً أساسياً. ولكن، في المقابل، لا بد من الاعتراف بأن سطوة الجيش هذه لا تترتب عليها، وفق المنظور، امكانية قيامه بانقلابات عسكرية على غرار ما يحدث في العديد من دول العالم الثالث التي يقوم فيها الجيش بالاستيلاء على السلطة بعد أن يفقد الثقة بالسياسيين الفاسدين، دون ان يعني ذلك عدم وجود فساد في أوساط المؤسسات المدنية والعسكرية الاسرائيلية. ولعل الأسباب الكامنة وراء ذلك تعود، بشكل رئيسي، الى دور ووظيفة الكيان الاسرائيلي في الاستراتيجية الكونية للدولة الأعظم في العالم الولايات المتحدة وشركاتها الاحتكارية الكبرى، وارتهان الجيش الاسرائيلي والمؤسسات الأخرى برمتها لموافقة مصادر التمويل والتسلح على أية خطوات رئيسية ومهمة يمكن القيام بها، وفي مقدمها إلقاء القبض على السلطة بشكل مباشر.
ما يمكن استخلاصه من مفارقات"الجيش الذي يملك دولة"هو أن الدراسات المتعلقة به تبقى جزئية ما لم تأخذ بنظر الاعتبار السياق العام الذي وجد فيه، وعلاقته الجدلية بالمؤسسات الأخرى المختلفة، واندراج ذلك في اطار التشكيل العام للقوة الكبرى التي تحاول الهيمنة على العالم بعد إعادة صياغته بما يتلاءم ومصالحها التي لا تعرف أية حدود.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.