علاء الاسواني طبيب الأسنان المصري الذي انتقل من كتابة القصة القصيرة الى الرواية أصبح خلال سنة روائياً مشهوراً في أوروبا. وفي فرنسا حلّت روايته "عمارة يعقوبيان" في ترجمتها الفرنسية في لائحة الكتب الأكثر مبيعاً ورشحت لجوائز عدة. هذه الرواية كانت بمثابة"ضربة حظ"كما يُقال، استطاع صاحبها أن يخرج عبرها من حصار اللغة العربية الى العالمية، علاوة على تحوّلها فيلماً سينمائياً، وقريباً مسلسلاً تلفزيونياً. وهذا"حظ"يُحسد عليه هذا الروائي الذي يشارف على الخمسين من عمره، فهو نفسه لم يتوقع هذا النجاح الكبير في مصر والعالم العربي وفرنسا، كما عبّر في تقديمه الطبعة الرابعة من روايته. إلا أن الشهرة الذائعة للرواية لا تكفي لتصنع منها حدثاً روائياً كبيراً. في القاهرة اختلف النقّاد حولها، بعضهم تحمّس لها وبعضهم انتقد بشدة الطابع الفضائحي الذي توسله الكاتب ليحقق ما يشبه الصدمة الاجتماعية والسياسية، ويجذب القارئ الغربي الذي يميل عادة الى مثل هذا الأدب"المكشوف". ولكن بعيداً من هذا الاختلاف حول الرواية تبدو"عمارة يعقوبيان"عملاً فريداً بجوّها وشخصياتها والمواقف التي تحفل بها ولو بالغ صاحبها بضعة أحيان في"تغريب"صورة المجتمع المصري بغية إثارة القارئ. وكان جريئاً جداً في بناء شخصية الرجل المْثلي ورسم علاقاته، مع أن نهايته المأسوية السريعة والمفتعلة لم تكن مقنعة تماماً، إذ لم يكن من الضرورة ان يُقتل هذا الرجل المثلي وفق هذه الطريقة المجانية. وقيل إن جمهوراً مصرياً وعربياً كان يصفق في الصالات خلال مشاهدته الفيلم، لمشهد قتل الرجل المْثلي. وهذا أمر له دلالاته الواضحة. كُتب الكثير عن"عمارة يعقوبيان"ايجاباً وسلباً، وأعمل النقاد مبضعهم فيها وشرّحوها ولم يدعوا زاوية فيها إلا تطرّقوا لها. وهذا ما سيفعلونه برواية علا الاسواني الجديدة"شيكاغو"، متابعين من خلالها تجربته المثيرة. أما النقد الفرنسي فكال الكثير من المديح للرواية، ووجد فيها صورة مختلفة للمجتمع المصري، واقعية ونافرة، سوداء وساخرة. ومثلما جذبت الرواية النقاد الصحافيين جذبت أيضاً القرّاء الفرنسيين الذين وجدوا فيها قدْراً من الحنين الى الزمن الفرنكوفوني أيام كانت مصر تعجّ بالفرنسيين والأوروبيين والمواطنين الذين يجيدون الفرنسية. والترجمة الفرنسية للرواية، التي أنجزها جيل غوتييه، بدت جميلة وخلواً من الركاكة التي عرفتها الصيغة العربية الأصلية، مع حفاظها على الطابع الواقعي واليومي للغة. ومَن يقارن بين الترجمة الفرنسية والنص الأصلي يجد أن الترجمة أشد سلاسة وأقل وعورة وأكثر أدبية. وما يجب الاعتراف به هو أن علاء الاسواني اعتمد لغة فصحى قريبة من العامية المصرية، وشاءها لغة الحياة والواقع المصري، وليس لغة الأدب والكتب. ولذلك حفل النص العربي بالركاكة والضعف في صفحات كثيرة، ولم يخل أيضاً من الأخطاء اللغوية. وهذه المآخذ باتت تعرفها أعمال روائية كثيرة في العالم العربي، بعدما أصبح الهمّ اللغوي ثانوياً وهامشياً، وبات الكثيرون من الروائيين يحلمون بالكتابة خارج اللغة نفسها أو بالعامية، وفي حسبانهم أن اللغة ليست ما يصنع الرواية بل الجو والشخصيات والعلاقات والمواقف... طبعاً لم تؤثر"ركاكة"الرواية على جوّها وعلى شخصياتها الطريفة ولا على نسيجها، على رغم بعض الضعف الذي اعترى بنيتها وعلاقات الشخصيات. فالرواية هذه هي أبعد من أن تُحدّ باللغة والصنيع اللغوي. إنها رواية الواقع مفضوحاً ومعرّى أو مكشوفاً. لكن هذه السمات لا تمنع قارئاً عربياً يقارن بين الترجمة الفرنسية والنص الأصلي، من أن ينحاز الى الترجمة الفرنسية بسلاستها وقوّتها، وأمانتها في الحين عينه، للنص الأصلي.