يحيي المطرب الجزائري رشيد طه سلسلة حفلات على مسرح "ديوان العالم في باريس، بدأت أمس وتستمر حتى بعد غد الأحد، ويقدم خلالها أبرز اغنياته، بالإضافة الى نخسته من اغنيتي "جانا الهوى" لعبدالحليم حافظ و "غني لي شوية" لأم كلثوم. ويشكل طه المقيم بين بلده الأم وفرنسا، ظاهرة فنية غير عادية. فهو عرف منذ بداية تسعينات القرن العشرين، كيف ينطلق وحده على الساحة الدولية، بعدما اشتهر أساساًً في إطار فرقة"كارت دي سيجور"بطاقة إقامة التي كوّنها مع اثنين من أصدقائه. وفي آخر ألبوم له بعنوان"ديوان 2"المكمّل لألبوم"ديوان"الصادر قبل 8 سنوات، يردّد طه مجموعة من الأغنيات الشعبية المغاربية القديمة، بقدرات فنية عالية، على رغم ارتباطه الجذري باللون الغنائي الذي صنع شهرته، وهو"الراي". ولد رشيد طه في وهران في الجزائر عام 1958، وترعرع في هذه المنطقة التي تعتبر مهد موسيقى"الراي"، قبل أن يأتي إلى فرنسا وهو في العاشرة من عمره، بسبب عثور والده على وظيفة في مصنع للنسيج قرب مدينة ليون آنذاك. واضطر المراهق رشيد الى العمل مبكراً في محاولة منه لرفع المستوى المادي للعائلة. فاستخدم موهبته التجارية ليبيع قواميس في الأسواق الشعبية، وكذلك مضخات ضد الحريق وأجهزة لتدفئة البيوت والمكاتب. وتأثر رشيد طه منذ صباه بحب والده للموسيقى، إذ كان الرجل يعمل في مصنع في وهران نهاراً، ثم يدندن فوق العود في المقاهي الشعبية ليلاً، وكان يقول:"المصنع لتربية أولادي، والموسيقى لنفسي". وكان اللون الذي يعتنقه الأب هو"الراي"الشعبي، وهي موسيقى المحرومين والفقراء. وحاول رشيد بعد تأليف فرقته في فرنسا، أن يعتنق لون ال"روك أند رول"، مع إدخال نبرات عربية إليه، مبتعداً عن"الراي"كلياً، فأعاد صوغ أغنية"دوس فرانس"فرنسا الحالمة المعروفة عالمياً والتي يغنيها أصلاً المغني الفرنسي الراحل شارل ترينيه، ووضبها على الطريقة العربية الممزوجة بال"روك أند رول"، محققاً لنفسه ولفرقته شعبية واسعة لدى المغتربين، وكذلك عداوات بين الفرنسيين الذين اعتبروا الأغنية استفزازاً لهم وإهانة لتراثهم الغنائي، إلا أن رشيد انجرف نحو لون"الراي"في شكل لاشعوري لاحقاً، ووجد نفسه يؤلفه ويلحنه ويغنيه بنجاح، فقرر العمل بمفرده واعتزال الفرقة. وبخلاف زميله المغني خالد مثلاً، فإن طه معتاد الغناء في أفق الاضاءة على المشكلات الاجتماعية والسياسية والحكايات الصعبة التي تمسّ العربي في الغربة عموماً. وهو يرفض أن يغني للمرأة والحب فقط، مدعياً ان هناك من فعلوا ذلك من قبله بطريقة يصعب منافستها. ويعيش طه اليوم بين فرنساوالجزائر، لكنه كثيراً ما يسافر إلى المنطقة العربية لإحياء حفلات غنائية. وفي ألبومه الأخير"ديوان 2"، يردد طه أغنيات باللغة الفرنسية، تحية للبلد الذي يأويه، وإن كان عانى فيه سابقاً، أي قبل أن يشتهر، المشكلات ذاتها التي تعترض العدد الأكبر من المغتربين، لا سيّما المغاربة منهم. استطاع طه ان يبني شعبيته في الغرب على أكثر من عنصر. فجذب صوته جمهوراً واسعاً، خصوصاً بين المدافعين عن حقوق الإنسان العربي والمغترب، بسبب معاني كلمات أغنياته وما تتضمنه من نداءات إلى اعتناق حرية التعبير الاجتماعي والفني في كل مكان.