قبل بدء الحفلة بقليل، دخلت مسرح"مركز الحسين الثقافي"مجموعة من الشباب الجزائريين يحملون أعلام بلادهم، وبدأوا الرقص وهم يلوّحون بالأعلام تحت خشبة المسرح الذي لم يستطع استيعاب الجمهور الكبير الذي جاء ليحضر رشيد طه، وليلته الاستثنائية التي أحياها في العاصمة الأردنية أول من أمس. أطفأت الأنوار، وبعد قليل أخذت تشتد وتتلون، ليظهر رشيد طه جالساً على الكرسي مرتدياً بدلة وربطة عنق، فكان إيذاناً للآلات القليلة المرافقة للفرقة بالصراخ، وبدأ طه يغني بصوت خشن وبهدوء غير متوافق مع رقصات الشباب الجزائريين القريبين منه. لكن الهدوء الذي عاشه طه لم يستمر طويلاً. فخلع سترته، واستبدل بقميصه الأبيض وربطة العنق "بلوزة" جلدية لامعة، وانضم إلى حلقة الرقص مع أغنية"شوف"، من ألبومه الجديد "تيكتول - من أنت". ولم تلبث الأغنية أن تنتهي حتى يواصل طه الغناء، من دون فاصل، وفي جو يشحن الجميع، وخصوصاً الشبان الجزائريين والقليل من المغاربة الذين تركوا مقاعدهم، وتوجهوا إلى المسافة الصغيرة الفاصلة بين المقاعد وخشبة المسرح، ليعقدوا حلقات راقصة أججتها ألحان طه الصاخبة. غنى الفنان الجزائري نحو ساعة ونصف ساعة، ورافقه في الغناء مواطنه عازف العود حكيم الذي استلم الميكروفون وغنى فيما كان رشيد طه يتخذ مكاناً بعيداً على المسرح يرطب حلقه ويدخن السجائر، لتكتمل لليلة"المجنونة"بكل معنى الكلمة ميزاتها: طه قدم ألوانه الغنائية التي لا تختصرها موسيقى الراي، وإنما تمتد إلى عوالم موسيقية أوروبية استفاد منها خلال رحلته الغنائية، حتى قبل أن يترك الفرقة التي بدأ الغناء معها في الثمانينات في فرنسا وبريطانيا. كما أنه قدم أغنيتين من ألبومه الجديد، هما "شوف"و"أنا قلبي صافي" التي شاركه غناءها الجمهور بحماسة كبيرة، علماً أنه استنفد طاقته عندما غنّى أغنية "يا رايح وين مسافر" الشهيرة، فضج المسرح وقام ولم يقعد. وطه عرف كيف يستفيد من الجمهور الذي كلمه بكل اللغات التي يعرفها، وقدم له ما يريده هو وما أراده الجمهور. فكان يطلب من الحاضرين السكوت عندما تدفعهم الحماسة إلى الصراخ والقفز إلى خشبة المسرح راقصين مع الألحان التي لا تهدأ، وكان يطلب منهم في مقام آخر الغناء معه، وكان يرقص معهم أيضاً، وينحني باتجاههم ويهز رأسه معهم طرباً باللحن. ولما كثر الطلب على أغنيته الأشهر"يا رايح وين مسافر"قدمها طه مرتين، الأولى باللحن الذي عرفه الجمهور واشتهرت به الأغنية، وقدمها في المرة الثانية بلحن وتوزيع جديدين، يعتمدان على الغيتار الكهربائي والدرامز الهادر، بدلاً من العود والدفوف كما في الصيغة المعروفة، فكان الهيجان الذي أصاب المسرح في أوجه عند غناء الأغنية في صيغتيها الراقصتين دوماً. أما مفاجأة طه في حفلته الصاخبة، فلم تكن مزيداً من أغنيات ألبومه الذي طرح في الأسواق أخيراً، ولا ذلك اللحن الجديد الذي قدم به "يا رايح"، وإنما غناؤه أغنية "حبيناكي حبينا" لفريد الأطرش التي تحولت إلى أغنية عصرية صاخبة، وبدت ملائمة تماما في جوّها الجديد، وغير مفبركة بتاتاً، فواصل الجمهور جنونه ورقصه. أما زملاء طه في الفرقة الصغيرة، فبرز منهم في شكل خاص عازف العود حكيم ذو الشعر البنفسجي. وقدم في الأمسية بعضاً من"جنونه"في العزف المتقن على العود الكهربائي الذي ربطه حول جسمه، وقدم أغنية "راي" واحدة بمرافقة دف فقط، ما أكسبها صيغة كلاسيكية، تميّزت عن كل ما قدم في الليلة الصاخبة التي أحياها من دون هوادة رشيد طه. في حفلته الأردنية، نجح الفنان الجزائري في إبقاء صخبها معششاً في آذان كثيرين من جمهوره الذي حضر الحفلة، غير مصدق سعر البطاقة الزهيد بيعت بخمسة دنانير فقط، أي نحو 5.7 دولار وغير مصدق أنه في حضرة واحد من نجوم الأغنية العالمية وجهاً لوجه يحييه، ويوجه إليه الشكر بكل اللغات بين الأغنية والأخرى، من دون أن يتوقف عن الغناء... إلا للتدخين.