استندت الاستراتيجية الاميركية لغزو العراق عام 2003، على ما ليس موجوداً في هذا البلد، أي أسلحة الدمار الشامل. وتستند الاستراتيجية الجديدة للرئيس بوش، بعد حوالي اربع سنوات من احتلال العراق، على ما ليس موجودا في هذا البلد، اي قوات عراقية خصوصا من الشرطة يمكن ان تكون طرفا محايدا وتعمل لمصلحة دولة موحدة في ظل الانقسام والاحتراب المذهبي. ومثلما فشلت الادارة الاميركية في تحقيق الهدف المعلن للغزو، اي إقامة نظام ديموقراطي وعادل، لا يبدو ان المكونات الحاكمة حاليا في العراق مستعدة للتعامل مع جميع العراقيين على قدم المساواة. وإذ تعتبر الادارة الاميركية ان المفتاح السحري في معالجة المعضلة العراقية من كل جوانبها، هو في زيادة عدد القوات، فإنها تكرر الخطأ الاساسي الذي ارتكبته في الغزو، أي عدم اخذ معطيات البلد وتركيبته في الاعتبار. فعندما رفض وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد إرسال عدد كاف من القوات، لم يستند فقط الى ان السلاح والنوعية يعوضان النقص، وإنما ايضاً الى افتراض خاطئ، وهو ان مجرد ترحيب المجموعات المناهضة للحكم السابق يعني ان جميع العراقيين يرحبون بالغزو، ويرحبون ايضا بما تقرره الادارة لهم، بغض النظر عن السياسات السابقة واللاحقة لتلك المجموعات. فغاب عن الادارة احتمال الانقسام الطائفي داخل العراق. وغاب عنها ايضا المدى الذي يمكن ان تستغل فيه ايران وسورية الوضع العراقي الجديد، لتركيب ما يناسبهما على مستوى الحكم وخلق الأوضاع الملائمة لإجبار الولاياتالمتحدة على البحث معهما للخروج من المأزق. واستنتجت الإدارة الأميركية ان عليها وضع استراتيجية جديدة بعدما لاحظت ان الوضع العراقي لا يتطابق مع حساباتها عندما قررت الغزو. واستهلكت اربع سنوات كي تكتشف ما كان عليها ان تأخذه في الاعتبار قبل الغزو. لكنها لم تلاحظ ان الوضع الذي تواجهه حاليا تغير جذريا عن الوضع الذي واجهته حينذاك. فوضعت استراتيجية ربما كانت مناسبة عشية الغزو، لكنها متأخرة اربع سنوات عن الوضع العراقي. لقد باتت في العراق حاليا سلطة هي جزء من المشكلة السياسية، على مستوى إعادة تركيب سلطة مركزية، والامنية على مستوى ضمان حياة جميع العراقيين. لقد لاحظ معلقون كثر ان دفع 20 الف جندي اميركي الى بغداد، لن يكون مفيدا في استتباب الامن. اذ ان كل تجارب الحروب الاهلية تؤكد ان مثل هذه المهمة تقتضي ان يكون عدد القوات واحداً الى خمسين من عدد السكان. وفي حال بغداد، ينبغي ان يكون العدد نحو 130 ألفاً، أي ضعف عدد القوات الاميركية حاليا في العراق. تتصور الاستراتيجية الاميركية، ان تكون القوات الاميركية رديفا للقوات العراقية في بغداد. لكن مشكلة العاصمة العراقية ليست المتمردين على الاحتلال فقط، وإنما ايضاً وأساساً قضية الفرز المذهبي الذي يشتبه بأن الميليشيات، ومنها الشيعية، هي التي تقوم به. أي أن على القوات الاميركية ان تتعامل، الى المتمردين، مع الميليشيات الشيعية التي تشكل زعاماتها العماد الاساسي للسلطة السياسية. ومع هذه المشكلة يجري التساؤل عن قدرة المالكي وحكومته على التعامل مع الخطة الاميركية، وهي الرغبة التي تشكل حجر الزاوية في الاستراتيجية الاميركية الجديدة. لقد فشل بوش، وباعترافه، في تحقيق اهداف الغزو. وذلك عندما كان يلقى إجماعاً داخلياً عارما، على مستوى الشعب وعلى مستوى الكونغرس. وكان هذا الإجماع يتيح له توفير كل الامكانات العسكرية والسياسية والمالية. اما اليوم وفي ظل معارضة شعبية وبرلمانية طاغية داخل الولاياتالمتحدة فلا يستطيع بوش الاتكال الا على نفسه وما تتيحه له السلطات الرئاسية. اي انه سيكون منفردا بتحمل عبء الخطة الجديدة. لقد فشل بوش عندما كان يمتلك كل العناصر التي كان من الممكن ان تؤدي الى نجاح. اما الخطة الجديدة، وفي الظروف الاميركية والدولية التي تحيط بها، فإنها تراكم كل العناصر المؤدية الى الفشل. وقد لا يكون بوش مهتماً حالياً بالربح والفشل، كما قالت صحف اميركية، وإنما يراهن على ان التاريخ سيعطيه الحق في المعركة على الارهاب... لكن الثمن يدفعه العراقيون حالياً اكثر من مئتي قتيل يوميا وتدفعه المنطقة توتراً واضطراباً وتسارع الخطى في انتقال الانقسام العراقي الى دول أخرى فيها.