سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الحياة" تعرض سيناريوات غير مكتملة لإعادة انتشار القوات يوازيها تقسيم فيديرالي . الأميركيون يهيئون ل"جدولة" الانسحاب من العراق والعراقيون يعيدون "جدولة" أولوياتهم في ضوء أخطار "الحرب الأهلية" 3 من 3
في نيسان أبريل 2003 كان الحديث عن انسحاب اميركي محتمل من العراق ضرباً من الخيال. لم يجرؤ أحد يومها وفي غمرة مشاعر ومواقف متناقضة ان يسأل"متى سيرحلون؟"وربما انبرى البعض ليطرح تساؤلات اكثر عملية نحو"كيف سيرحلون؟"لتنقسم منذ ذلك اليوم الإجابات وتتأسس عليها مواقف العراقيين ووجهات نظر تصل الآن إلى تقاطعات تكاد تهدد وحدة العراق وتشعل حرباً أهلية. تداول العراقيون سقفاً زمنياً لبقاء القوات الأميركية في العراق تراوح بين 10 و15 سنة والأميركيون انفسهم ما كانوا في بداية مغامرتهم يبتعدون كثيراً عن التوقع في حدود هذا السقف، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي الادارة الاميركية وصار الحديث عن الرحيل او المطالبة به بعد مرور اكثر من ثلاثة اعوام على الاحتلال أمراً يومياً. بلير في بغداد زار رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بغداد أخيراً وقبله كانت زيارة ثنائية لوزيري الخارجية الاميركية كوندليزا رايس والدفاع دونالد رامسفيلد. والواضح من التصريحات الأخيرة للمسؤولين الاميركيين والبريطانيين في بغداد وخارجها ان الحديث عن جدولة الانسحاب من العراق اصبح قيد البحث، وربما ارتبط بالتوازنات التي أقيمت على أساسها الحكومة العراقية الجديدة على رغم ان لقاء بوش - بلير الأخير في واشنطن لم يذكر صراحة ان الرئيسين تطرقا بجدية إلى قضية جدولة الانسحاب. رئيس الوزراء العراقي الجديد نوري المالكي تحدث بعد لقائه بلير في بغداد عن جدولة ما يتم خلالها تسلم القوات العراقية الملف الأمني من القوات المتعددة الجنسيات في معظم محافظاتالعراق ما عدا بغداد والرمادي وفق"برنامج تم الاتفاق عليه لتسلم المحافظاتالعراقية الواحدة تلو الأخرى". وينص على"تسلسل زمني يبدأ في الشهر السادس من العام الحالي بتسلم القوات العراقية محافظتي السماوة والعمارة"، وهذا الجدول ينتهي بتسلم معظم المحافظات خلال نهاية العام نفسه، لافتاً في تصريحات صحافية الى ان العراق سيكون قادراً على تولي الملف الأمني كاملاً أواخر عام 2007. وعلى رغم ان المراقبين يجدون في حديث المالكي"تفاؤلاً غير محسوب بدقة"مع تفاقم الوضع الأمني في معظم محافظاتالعراق وتسلل التوتر إلى الجنوب الذي غابت عنه الأحداث الأمنية الكبيرة منذ اكثر من عام لتتفجر"ابتداء من البصرة جنوباً وصولاً إلى النجف مركز الفرات الأوسط"، لم يتوقف الحديث عن جدولة الانسحاب ويتحدث مسؤول كبير رافق بلير خلال زيارته إلى بغداد عن انسحاب محتمل خلال أربعة أعوام يسبقه خفض في القوات. وتطرح رايس المشروع نفسه بصيغ خطابية أخرى مؤكدة ان الحديث عن خفض عديد القوات الاميركية في العراق يتوقف على التطورات، مشيرة إلى ان"المالكي لا يريد فقط التعجيل في بناء القوات العراقية وانما الإسراع بتسلمها المسؤوليات الأمنية". نائب رئيس الوزراء العراقي سلام الزوبعي أكد ل"الحياة"ايضاً ان"الاميركيين وعدونا بتغيير استراتيجية قواتهم بعد تشكيل الحكومة". اما بلير فقال في بغداد ان"القوات الاجنبية لا تريد البقاء في العراق عندما تنتفي الحاجة الى وجودها"، مشدداً على ان جدولة الانسحاب تتعلق بالحكومة العراقية وجدولها الزمني لتحقيقه وان التحالف سينسحب عندما تطلب منه الحكومة العراقية ذلك. شروط زلماي تمسكت الإدارة الاميركية بنظرية ان إعلان جدول زمني للانسحاب يعد نصراً ل"الإرهابيين"وان المسألة برمتها مرتبطة بتطور القوى الأمنية العراقية وتأهيلها. ويؤكد السفير الأميركي في العراق زلماي خليل زاد ان"بلاده لا تريد البقاء في العراق ابعد مما تقتضي شروط تكوين قوات عراقية قادرة على حفظ الأمن. لكن زاد يعود ليطرح نظرية أخرى تتعدى هذه المرة اكتمال بناء القوى الأمنية العراقية إلى تفادي نشوب الحرب الأهلية، فيقول:"العنف المذهبي هو التهديد الرئيس الآن"، ويضيف:"التهديد بدأ بتحول التمرد من رفض النظام السياسي الجديد في العراق إلى العنف المذهبي المستند إلى المخاوف المشتركة والاتهامات المضادة". ثم يمضي ليؤكد انطباعاً عن جدولة زمنية معينة للانسحاب فيقول ان"القوات الأمنية العراقية جيش وشرطة التي وصل تعدادها إلى 250 ألف شخص ستكون مسؤولة ضمن الأهداف الأميركية عن 75 في المئة من الأراضي العراقية بنهاية صيف 2006 وان الهدف خلال هذا العام سيتركز على تأمين بغداد وتسع محافظات رئيسة أخرى". وعلى رغم كل ذلك فان مشروع الانسحاب، من وجهة النظر الاميركية، يبدو غير واضح الملامح حتى في ضوء تزايد الضغوط السياسية والشعبية داخل الولاياتالمتحدة. ويقول السفير الأميركي في العراق ل"الحياة: ان"الولاياتالمتحدة عازمة على الرحيل وأرسلنا إلى المشككين رسائل واضحة بهذا الصدد أكدنا فيها ان لا نية للأميركيين بالاحتفاظ بقواعد عسكرية دائمة بعد الانسحاب". وبصرف النظر عن الحديث الطويل عن دوافع التعديل الاستراتيجي الأميركي في العراق في ضوء المتغيرات التي طرأت على هذا البلد منذ نيسان 2003 فإن"الانسحاب"كمفهوم"تكتيكي"لا يمكن قياسه فقط في نطاق التصريحات المعلنة حتى ما يتعلق منها بحقيقة النيات لذلك وجديتها. لكن حجم الخسائر المعلنة، اميركياً على الأقل، ربما يسلط الضوء على الصورة. فبالاضافة إلى اكثر من 200 بليون دولار أغدقت على العملية العسكرية الاميركية في العراق، سقط ما يقارب 2500 قتيل أميركي و170 ألف جريح خلال المدة الممتدة من نيسان 2003 حتى أيار مايو 2006، ويضاف إلى تلك الأرقام سقوط 103 قتلى بريطانيين و27 جندياً إيطاليا و18 جندياً أوكرانياً و17 جندياً بولندياً و13 بلغارياً. والأرقام السابقة بالطبع هي التي تعلنها رسمياً القوات الأميركية، لكن المجموعات المسلحة العراقية تعلن أرقاماً مضاعفة لتلك الخسائر ويؤكد تقرير للجيش الإسلامي في العراق أحد الفصائل المسلحة مقتل 30 ألف أميركي منذ بدء الغزو. شروط عراقية... وفي وقت يتجه السياسيون الاميركيون إلى الحديث المباشر عن انسحاب او إعادة انتشار للقوات في العراق دفعت مخاطر الحرب الأهلية العراقيين إلى جبهة التمسك بهذه القوات. ويرى اللواء مهدي صبيح قائد قوات حفظ النظام التابعة لوزارة الداخلية العراقية ان انسحاباً اميركياً قريباً من العراق سيعني"كارثة"بكل المقاييس. ويقول لپ"الحياة"ان"القوات الأمنية العراقية غير مهيأة في الواقع لهذا الاحتمال". ويشدد على ان"مستوى التسليح الرديء للقوات الأمنية والافتقار إلى برامج تدريبية جدية وقلة عدد القوات، كلها اسباب تحول دون الانسحاب". ويؤكد صبيح ان العراق يحتاج إلى ثلاث سنوات إضافية لبناء قوته العسكرية بصورة تفتح المجال للحديث عن الانسحاب الاميركي، ويضيف:"قواتنا الآن تتدرب من جهة وتقاتل من جهة أخرى ونحن نتعرض لخسائر مستمرة وكل ذلك لا يترك مجالاً للحديث عن انسحاب اميركي عاجل". القوات الأمنية العراقية 115 ألف جندي في الجيش و135 ألف شرطي في وزارة الداخلية تعاني من مشاكل مركبة تتعدى ما طرحه اللواء مهدي. فزيادة عدد القوات بحسب مصادر أمنية عراقية رفضت الإشارة إلى اسمها لا دور لها في تمكين تلك القوات من ضبط الملف الأمني وهيكلية تلك القوى التي غزتها الميليشيات المسلحة وفقدت ولاءها الوطني في مقابل ولاءات حزبية ومذهبية لا تسمح بالسيطرة الجادة على هذا الملف وترى المصادر ان فساد القيادات في الأجهزة الأمنية وعدم كفاءتها يدعمان هذا التصور. وحتى فرضية الحل الأمني سقطت منذ اشهر في الاستراتيجية الاميركية في العراق كما يؤكد المحلل الأمني معن الجبوري المستشار السابق لوزير الدفاع العراقي. ما بعد التباين في المواقف السياسية والدينية... وكما بدأت القوى السياسية العراقية متباينة في مواقفها من الاحتلال الاميركي للعراق استمر هذا التباين مع متغيرات جديدة تتضح في رؤية مغايرة لكل اتجاه سياسي وديني عراقي حول القضية. ترى هيئة علماء المسلمين ان انسحاباً فورياً للقوات الاميركية سيوسع من رقعة الدمار. ويقول د. عصام الراوي عضو الهيئة لپ"الحياة":"على رغم ان انسحابهم سيؤذينا لكن لا مانع من إعلان خطة للانسحاب لمدة سنتين يرافقها بناء لمؤسسات الدولة الأمنية على أسس وطنية وليس على أسس المحاصصة الطائفية ويمكن ان تحل قوات تابعة للأمم المتحدة أو الجامعة العربية كقوات بديلة وليست دائمة في العراق". ويقترب هذا الرأي من وجهة نظر التيار الصدري الذي أوضح زعيمه السيد مقتدى الصدر خطته للانسحاب الاميركي"بانسحاب أولي من مراكز المدن وتشكيل قوى جيش وشرطة محلية مناطقية الطابع ومن ثم انسحاب نهائي من عموم البلد". ويبدو جواد الخالصي زعيم التيار الخالصي الشيعي متطابقاً في رؤيته للانسحاب الأميركي بضرورة ان تسبقه خطوات تبدأ بالانسحاب من مراكز المدن إلى قواعد خارجها ومن ثم إلى قواعد بعيدة والإعلان عن جدولة زمنية محددة وتوجيه نداء إلى"المقاومة العراقية الشريفة"لإيقاف نشاطاتها لإنجاح خطة الانسحاب ثم تشكيل حكومة انتقالية مختصرة ومركزية تهيئ لانتخابات جديدة وإعادة النظر في مجمل العملية السياسية الحالية. ويضع الخالصي في حديث لپ"الحياة"جدولاً يمتد إلى ستة اشهر لانسحاب اميركي إلى قواعد خارج المدن على ان يتحدد الانسحاب النهائي في وقت لاحق. وبعد ثلاث سنوات من الاحتلال يبدو السياسيون العراقيون متفقين هذه المرة مع رجال الدين في النظر إلى قضية الانسحاب. فيذهب القيادي الكردي محمود عثمان إلى ان"جدولة الانسحاب الأميركي من العراق ستمنح دافعاً للعراقيين قيادات وشعباً في التوافق على بناء بلدهم"ويتطابق هذا الرأي مع وجهة نظر صالح المطلك زعيم جبهة الحوار الذي يؤكد ان جدولة الانسحاب مطلب أساسي لتنقية الأجواء في البلاد. وإلى ذلك ايضاً يذهب زعيم جبهة التوافق السنية عدنان الدليمي الذي يؤكد ان الجدولة ستساعد على إيقاف عمليات العنف في العراق. وتأتي وجهة النظر الجديدة من القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق اياد علاوي فيؤكد الناطق باسم القائمة راسم العوادي:"ان انسحاب الاميركيين سيغدو كارثة حقيقية على المستويين السياسي والأمني بسبب تفاقم دور الميليشيات الحزبية وحاملي السلاح في مدن الوسط والجنوب والميليشيات الكردية في كردستان فيما تخضع مدن غرب العراق إلى الجماعات المسلحة". ويطالب العوادي بحكومة"قوية رادعة"قادرة على بناء أجهزة أمنية محايدة قبل التفكير بالانسحاب الأميركي من العراق الذي يمكن ان يأتي على شكل جدولة تدريجية. و... المسلحون في العراق وعلى رغم تنوع المجموعات المسلحة العراقية لجهة مرجعياتها الفكرية وأهدافها القصيرة والبعيدة المدى فأن الخطاب السياسي لكل تلك المجموعات ما زال يطرح مسألة الانسحاب الاميركي من العراق كهدف أساسي وان كان هذا الخطاب خضع ايضاً لتطورات نوعية فرضتها قراءة المجموعات المسلحة لحقيقة ان الانسحاب تحول من كونه هدفاً بعيد المدى إلى احتمال متاح فلجأت إلى تطوير تنظيراتها التي صارت أخيراً تتجاوز قضية طرد الاحتلال إلى طبيعة تصرف تلك المجموعات بعد الانسحاب. فتنظيم"قاعدة الجهاد"الذي يتزعمه الأردني أبو مصعب الزرقاوي ظل محافظاً على ان معركته تنحصر بين"الإيمان كله والكفر كله"وهي معركة لا تتخذ من العراق هدفاً نهائياً بل ساحة لحرب طويلة ما امتد"الظلم"والجور في بلاد المسلمين. ويكشف تقرير للتنظيم تداولته بعض منتديات الانترنت القريبة منه عن خطة واضحة لجعل العراق منطلقاً لحركة"جهادية"تضمن كسب القدر الأكبر من الشباب المسلم للحرب ضد"الكفر"وإسقاط أنظمة الحكم"المرتدة". ويتطور خطاب الجيش الإسلامي إحدى المجموعات الكبرى في العراق إلى طرح مشروع حكم إسلامي في العراق لكنه يحتفظ بصفته الوطنية التي مهد لها أخيراً ببيان يرفض استهداف الأبرياء. والخطاب يتكرر ايضاً على لسان كتائب ثورة العشرين مجموعة كبيرة أخرى قالت في آخر بياناتها انها تؤمن بأن استمرار المقاومة كفيل بإخراج المحتل وترفض ربطها بحزب البعث في حين ترفض استهداف المدنيين وتطالب بإقامة حكومة وطنية مستقلة وذات سيادة تسبق اعترافاً بالمقاومة العراقية وتحديد آليات انسحاب اميركي من العراق بضمانات دولية. أما حزب البعث العراقي فيؤكد أحد قادته ل"الحياة"ان البيانات المنسوبة الى مجموعات تتبرأ من علاقتها بالبعث ما هي إلا محاولات لشق صفوف المقاومة التي تعتمد على شقين إسلامي وبعثي. والبعثيون الذين أزيحوا عن حكم العراق بعد الاحتلال يطرحون ايضاً مشروعهم لمرحلة ما بعد الانسحاب وهو لا يختلف كثيراً في رؤيته للعراق عن مرحلة ما قبل الاحتلال مع اعتراف ضمني بحدوث أخطاء وتجاوزات في مسيرة الحزب يمكن تلافيها لاحقاً. ولا يتعمق خطاب المجموعات العراقية المسلحة الأخرى جيش المجاهدين، جيش الراشدين، القوات المسلحة العراقية، القيادة الموحدة للمجاهدين... الخ في طرح مشروع متكامل لعراق ما بعد الاحتلال، وإنما يمضي في عمومه في التأكيد ان مثل هذا المشروع موجود لكن زمن إظهاره لم يحن بعد كإجراء توفيقي يتجاوز تباين وجهات النظر بين العديد من المجموعات المسلحة حول المرجعية الفكرية التي يجب ان تحكم العراق"دكتاتورية عادلة - ديموقراطية - إسلامية قبلية - خلافة إسلامية - علمانية - عسكرتارية". الأميركيون في حربهم السرية في العراق حاولوا التلاعب على هذه التناقضات فناقشوا مع بعض المجموعات اقتراحات حول مستقبل الوجود الأميركي في العراق مقابل إيقاف العنف ما أثار حفيظة مجموعات أخرى اعتبرت ان دعوات الحوار الأميركية محاولة لتكريس اقتتال داخلي بين المجموعات المسلحة هذه المرة وان كان الخلاف حول أساسيات عملها قائماً بقوة منذ تأسيسها مع بدء الغزو ويظهر في اشد تجلياته برفض واسع لأطروحات المجموعات المتطرفة في شأن محاربة الشيعة او استهداف المدنيين او إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وغير هذا وذاك تجد المجموعات المسلحة العراقية ان الفضل يعود إليها في شكل أساسي ومباشر في إفشال المشروع الأميركي في العراق وهي بالتالي صاحبة الحق في تقرير شكل ومستقبل البلاد ما بعد الاحتلال. العقدة الأساسية في ذلك ان هذا الدور يتعدى"مقاومة المحتل"باعتباراته الأخلاقية والدينية والفكرية الى ان تلك"المقاومة"أسهمت الى حد بعيد في تكريس إخفاق المشروع الأميركي في المنطقة والعالم وبالتالي فان البعد العربي الإسلامي والدولي للقضية العراقية يجب ان يشمل بلا لبس تلك"المقاومة". لكن هذا الطرح يتأسس ولا ريب على أسس بعيدة تماماً عن الواقع السياسي والاجتماعي والأمني الذي تشكل في العراق كنتيجة للاحتلال، وهو ما يترك النهايات مفتوحة وقابلة للتأويل في اتجاهي الصراع او التوافق بحسب ما هو متوقع من الخطوة الأميركية التالية. جيوش المناطق... والأزمة المركبة التي يمر بها العراق في جوانبها السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية تعكس في مخرجاتها النهائية غياباً للمشروع الوطني وحضوراً واسعاً للمشاريع المذهبية والمناطقية والعرقية التي تمت ترجمتها في بنود الدستور العراقي مثار الخلاف... لكن خروج مشروع التقسيم حتى لو جاء في البداية في شكل أطروحات فيديرالية الى النور محكوم بالدرجة الأولى بطبيعة الرؤية الاميركية لعراق ما بعد الانسحاب وتلك الرؤية محكومة ولا ريب بضوابط وقياسات ومصالح اقليمية ودولية وان كان أسلوب المعالجة الأميركية ميدانياً للقضية الأمنية يصب في مصلحة مشروع التقسيم كما يرى أستاذ التاريخ العراقي د. ياسين سعد الذي يحذر من"الاتجاه الذي يدعم اميركياً لتشكيل جيوش ذات طابع مناطقي تنهي بغير رجعة نظرية الجيش الوطني وتضعف احتمالات إعادة تفعيل التعايش الأهلي الذي أصابته رجات هائلة على يد عمليات القتل والتهجير والاستقطاب السياسي والمذهبي". وتلقى خطة لمسؤولين أمنيين عراقيين لتشكيل قوى أمنية جيش وشرطة ذات طابع مناطقي قبولاً اميركياً باعتبارها"حلاً وقتياً"لمعالجة الملف الأمني. ويقول اللواء فالح المالكي، مستشار وزير الدفاع العراقي"ان الظروف القاهرة هي التي دفعت الى إقرار مشروع التجنيد المناطقي"، مشيراً الى ان"التجربة طبقت في مختلف محافظاتالعراق خصوصاً الجنوبية منها التي اصبح لديها قوات عسكرية من ابناء المحافظة". وإضافة الى البيشمركة الكردية فان الميليشيات الشيعية والمجموعات المسلحة في غرب العراق وشماله ستكون بالتأكيد نواة هذه الجيوش كما يؤكد مراقبون أكدوا ان التوافق بين المفهوم الفيديرالي على المستوى السياسي وجيوش المناطق على المستوى الأمني ربما يكون أحد الحلول المطروحة للقضية العراقية وان كان حلاً سريعاً يضمن خروجاً مبرراً للقوات الأميركية لكنه يفتح الباب لصراعات عراقية - عراقية ربما تطول بعد ذلك التاريخ.