ينشغل الأوروبيون، وهم في معظمهم مسيحيون مولداً ونشأة، بالدفاع عن ديرتهم التاريخية والثقافية، عن مهمات يتولاها أهل معتقدات أخرى، يتمتعون بالطاقة والحيوية الضروريتين، وهي هداية العالم وأقطاره الى المعتقد الصحيح. وينبه بينيديكتوس السادس عشر الى الانشغال والإقبال على مهمات الهداية هذين، والى تعارضهما واختلافهما. ومثل هذا التنبيه لا يجافي الحقيقة، ولا يضعفها. فالسواد الأعظم من الأوروبيين يحمله تهذيبه، أو جبنه، على السكوت عن الرأي الذي يضمره في معتقدات غير أوروبية. ويبادلهم غير الأوروبيين استحياءهم، ومجازاتهم، واحترامهم الشكلي. فنفي بعض أركان الاعتقاد الأوروبيين، أو بعضهم، يبطل الاعتقاد ويصدعه. ولعل بابا روما وسدتها أهل، أكثر من غيره، لفهم هذه المسألة. وهو لا يرغب في تفادي المناقشة والمطارحة، شأن المفكرين والمثقفين أمثاله. وهو ليس رجل سياسة، على ما يريد له أن يكون منتقدوه من أهل الصحافة وغيرهم. وهؤلاء لا يبدون مدركين ما يريده حبر الكثلكة ويقصده. فهو يتعمد الدعوة الى"حرب"أفكار، أو مساجلة فكرية. فلا تواري المراوغةُ السياسية الخلافات الفكرية والايديولوجية العميقة ولا تتستر عليها. وقوله لا يفتقر الى الوضوح والتماسك. ولطالما أعرب عن قلقه. فهو ذهب، يوم كان كاردينالاً، الى أن إرساء الدولة على المعتقدات الدينية، على خلاف التراث الأوروبي والمسيحي، قد يؤدي، على ما تدعو حال جاليات المهاجرين الى الغرب الى الملاحظة والتقرير، الى"تغريب الشريعة عن نفسها". وهذا ما يحسبه ويقوله شطر مؤثر من المهاجرين. ويخالف الرأي هذا شرطاً من شروط المجتمع التعددي والحر، على المثال الأوروبي. فحيث تنهض الدول على الفصل بين السلطات، وعلى الحرية في إطار الحق والقانون، ينكفئ على أنفسهم، وعلى تراثهم، من لا يرون هذا، أو من يرونه عملاً من أعمال الشيطان. وكان يوزف راثدينجير، اسم البابا قبل البابوية وتسنم سدتها، سباقاً الى قول هذا وملاحظته، يوم لم يكن استيعاب المهاجرين المشكلة العصية التي صارها أو انقلب اليها الاستيعاب هذا. عن دومينيك لاوسن ، "أندبندنت" البريطانية، 19 / 9 / 2006