تردّد أن المغني عاصي الحلاّني اعتذر عن المشاركة في أغنية"الضمير العربي"التي تجمع أكثر من ثلاثين فناناً عربياً حرص القيِّمون على إنتاجها أن يكونوا من أغلبية البلاد العربية... هذا الخبر أثار حفيظة بعض الإعلام الذي تناول عاصي الحلاني بالانتقاء متسائلاً بل مستهجناً كيف يمكن فناناً لبنانياً أن يعتذر عن المشاركة في أغنية وضعت خصيصاً لبلده التي تعرّضت لحرب مدمرة كائنة ما كانت أسباب الاعتذار، متناولاً الإعلام هذا الموقف من الزاوية الوطنية معتبراً أنه ينم عن لامبالاة! انه نوع من الإرهاب الإعلامي يمارسه البعض في الحكم على بعض المواقف التي يتخذها الفنانون. إرهاب يريد أن يحكم بالإلغاء أو في الحد الأدنى بالتأثير السلبي على فنانين لهم وجهة نظر قد تكون مختلفة عن وجهة نظر آخرين تجاه عمل فني وطني محدّد أو تجاه أي عمل فني، من دون أن يكون الموقف متعلقاً بالوطن بقدر تعلقه بذلك العمل الفني بالذات. فهل بمجرّد إنتاج عمل فني وطني، أغنية أو مسرحية أو حلقة تلفزيونية خاصة، ينبغي على كل من يُدعى الى المشاركة ان ينفّذ من دون أي اعتراض؟ فإذا تعارض وقت تنفيذ العمل مع وقت الفنان المدعو اليه، فعليه أن يلغي كل مواعيده المسبقة وإلا... فإنه لا مبال تجاه وطنه! واذا لم يعجبه العمل الفني الذي دعي ليشارك فيه، فعليه أن يتخلّى عن اعتباراته الفنية لصالح الاعتبارات الوطنية كون العمل الفني وطنياً! واذا شارك في العمل الفني أشخاص قد يجدهم الفنان المدعو اليه غير جديرين، فعليه أن يتجاوز نظرته الخاصة لأولئك الفنانين، وربما نظرته الخاصة لذلك العمل ككل، ويندفع لتنفيذه برغبة... وطنية لا فنية؟ وهل يجب أن يكون الفنان كالجندي حين يُطلب الى المعركة فينفذ ثم... يعترض، أم أن واجب احترامه لنفسه يفرض عليه أن يتوقف عند كل تفصيل صغير أو كبير في ذلك العمل، وأن تكون له في النهاية القدرة على قول نعم كما على قول لا... حتى ولو كان الأمر سيدفع الى جدل بين مؤيد ومعترض؟! لم يكن عاصي الحلاني هو الوحيد الذي اعتذر عن المشاركة في"الضمير العربي". اعتذر آخرون. وهناك من وضع شروطاً نفذت له قبل مشاركته في تسجيل الأغنية. فمنهم من طلب تغيير كلمات المقطع الغنائي الذي خصّص له. ومنهم من طلب تغيير لحن المقطع. ومنهم من اعترض على وجود آخرين فلم يؤخذ برأيه. انها أمور أقل من عادية وتحدثُ في"أحسن العائلات"على قولة المثل الشعبي، فلماذا يتم التركيز على فنان لم يجد نفسه في ذلك العمل ويُحمَّل تفسيرات قاتلة أحياناً؟ يضع بعض الفنانين الذين يعترضون لتحامل من هذا النوع، الأمر في خانة الإساءة المقصودة لهم من أشخاص لا يحتملون رأياً آخر غير آرائهم. وبما أن السبب الفني قد يكون غير"عنيف"لمطلقي تلك الإساءات، فإنهم يعمدون الى تركيب سبب أقوى كالسبب الوطني الأكثر عنفاً وأذيّة فيثبتونه ويتلاعبون في تظهيره وتكبيره إعلامياً، فيتأثر به بعض الناس الذي يتعاملون مع المواقف ببساطة ومن دون تركيز وتدقيق، فيقع الفنان لدى بعض الجمهور في حالة من التشويش والالتباس وفي وقت يكون هو بعيداً عن أي شبهة حقيقية، وقريباً من عقله. والعقل في العمل الفني أولٌ ولو بدا أن العاطفة أقوى! لم يسمع الجمهور العربي ولم يرَ بعد أغنية"الضمير العربي". لكنه سمع ورأى كثيراً من الأقاويل والأخبار وپ"الفبركات"التي تكاد تجعل منها مناسبة للفتنة أكثر منها مناسبة غنائية.