هذه الحرب الجديدة الدامية، نجح اللبنانيون، بالأكثرية النيابية، في إبعاد الصفة الأهلية والطائفية عنها. وكشفت الحرب الأخيرة عن نفسها كونها حرباً خارجية بامتياز، وجعلت لبنان ساحة لتصفية الحسابات الخارجية، وصارت ذات أهداف تتجاوز الهموم والمسائل اللبنانية، باعتبار ان هدفها النهائي ليس تحرير الأرض اللبنانية، وانما محاربة اسرائيل، وبالتحديد تدميرها. في حين ان العالم يعمل على تسوية عادلة تضمن حقوق الجميع، وتحارب الشر الإسرائيلي في التوسع الصهيوني والإمبريالي، لأنه ليس هناك من شر مطلق. فالدول والتنظيمات المواجهة لإسرائيل فيها أيضاً شر الديكتاتورية، وليست هي العدالة المطلقة. وإذا كان البعض يعتبر أن التصعيد الأخير من الجهة اللبنانية هو صرف الأنظار عن تطور الصناعة النووية الإقليمية، في ظل اضطرار أميركا الى اتباع خيار التفاوض في هذا الملف، وعن عمل المحاكمة الدولية للاغتيالات، فإن سبب التصعيد الإسرائيلي الأميركي يأتي أيضاً في هذا السياق. فأميركا تريد ليّ ذراع الدول النووية أثناء مرحلة التفاوض، بعدما قبلت بالحل السلمي بمرارة وعلى مضض. هكذا يبدو معنى التقويم، ان الطرف اللبناني لم يقدر حجم رد فعل الآخر. ولكن الخوف يبقى في أن تكون التسوية مرة أخرى على حساب لبنان. فطالما أن أميركا واسرائيل لا تتفاوضان إلا مع القوي، فإنهما قد تنتهيان بالتفاوض مع الدول التي تؤثر في هذه التنظيمات الحزبية المعادية لهما، فتعودان وتسلمان السلطات في لبنان الى هذه الدول والتنظيمات، وتتفقان مع من له سلطة على اضطراب الأوضاع الداخلية، وبالتالي على اعادة تهدئتها وضبطها. وهذا ما لم تستطع أن تفعله الدولة اللبنانية من تطبيق للقرارات الدولية التي تتضمن أيضاً انسحاب الجيش الإسرائيلي من بقية الأراضي اللبنانية. يقولون اذا كانت بعض الأوساط الحزبية تدفع عن نفسها مسؤولية التسبب بكل هذه الأضرار، بسبب عمليات الخطف التي أقدمت عليها، من طريق محاولة اقناع الناس بأن العملية الإسرائيلية مبيتة منذ زمن، وأن عملية الخطف ليست إلا عذراً لتصرفات اسرائيل. فلماذا تستمر بعملية الخطف ولا تحل المشكلة، فتحل معاً العقدة والعذر الذي تتحجج به اسرائيل؟ ولماذا تتالت عملياتها المتفردة لتجعل الإسرائيليين يصممون على الحرب وينفثون أحقادهم على أجساد اللبنانيين والأبرياء؟ والقتال ليس بطولة اذا انتهكت كرامة المواطن. لذلك قال أحد النواب اليساريين أن لا قيمة للحرص على كرامة الوطن اذا كان المواطن في هذا الصراع لا كرامة له. نحن لا نعرف المحافظة على الانتصار. فالتحرير الذي حققناه لم نعرف كيف نحافظ عليه، فها نحن نرى اجتياحاً جديداً، ومهمات جديدة، وعودة الى البداية. والآن عرفنا كيف ان لبنان دائماً، بعد كل حرب، يولد من جديد... ليس لأن ذلك يتعلق بالكرامة والشعب العنيد، بل لأن لبنان بعد كل حرب يدمر ويعود الى نقطة الصفر والبداية، ويعود وليداً جديداً ومشروع دولة، في حين يكون العالم قد تقدم آلاف السنين. لكن الأمل أن البلد عندما يبنى من جديد، يكون لنا مجال فيه لنساهم في بنائه على صورة الحلم الذي نتخيله، ونحاول من خلاله أن ننشئ نظاماً عادلاً للشعب. بيتر قشوع سوق الغرب - لبنان - بريد الكتروني