دعا نائب الرئيس السوري السيد عبدالحليم خدام الدول العربية إلى العمل على الصعيدين الرسمي والشعبي ل "بناء مشروع عربي يواجه المشروع الصهيوني بأبعاده السياسية والثقافية والاقتصادية والأمنية والدولية"، وذلك في ضوء سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي يعتقد أن "السلام بالنسبة الى اسرائيل هو الاستمرار في الاحتلال وتهويد الأرض". لكن خدام رأى أنه إذا كانت أي دولة عربية تعتقد "أن الطريق الآمنة بالنسبة إليها هي الارتباط بالمشروع الصهيوني فهذا أمر آخر". وقال خدام في حديث إلى "الحياة" إن نتانياهو سيستمر في طرحه في شأن تنفيذ القرار 425 لأنه "يريد أن يأخذ السلام عبر الأمن وإبقاء حال الحرب". وزاد ان قبول اللبنانيين الدخول في مفاوضات على شروط تنفيذ ال 425 "يعني أنهم تخلوا" عن القرار الذي "يعالج الانسحاب وليس معاهدة السلام". ورأى أن لمشروع نتانياهو من خلال طرحه الخاص بالقرار أربعة أهداف. وأكد أن دخول زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان سورية بجواز سفر دولة عربية "ممكن"، مشدداً على أن "من المحرمات أن يمارس أوجلان نشاطاً سياسياً أو أمنياً في سورية"، وحمّل تركيا مسؤولية "التصعيد" بسبب اقامتها علاقات عسكرية مع إسرائيل. وهنا نص الحديث: المفاوضات مع الفلسطينيين معطلة وهي لم تبدأ مع سورية ولبنان. يعني ليس هناك حل، فما تصوركم؟ - واضح ان الحكومة الإسرائيلية لها فهم آخر للسلام، يقوم على استمرار الاحتلال وتحويل القضية الفلسطينية إلى مشكلة سكان. لذلك يصرح نتانياهو بأنه أعطى الفلسطينيين أي السلطة الفلسطينية، إدارة 95 في المئة من السكان، لكنه يعتبر الأرض أرض إسرائيل ويعزز هذا الفهم ببناء القوة العسكرية الإسرائيلية. إن عنصر السلام بالنسبة إلى إسرائيل هو الاستمرار في الاحتلال وتهويد الأرض، والقوة العسكرية دائماً هي المنطق. هذا كله حقيقة المشروع الصهيوني، والمشكلة أن بعض الذين لهم علاقة مباشرة بالصراع العربي - الإسرائيلي لا ينظر إلى السياسة الإسرائيلية من خلال المشروع الصهيوني، بل يتعامل مع هذه السياسة كأنها فقط لدولة محتلة وليست لدولة لها مشروع امتلاك أرض. وبالتالي ما نراه من وقف المسار السلمي هو نتيجة طبيعية لمثل هذه السياسة. ما العمل؟ هل عقد قمة عربية يؤدي إلى نتيجة؟ - إن موقفاً عربياً جماعياً عبر عنه من الناحية الرسمية بقرار القمم العربية وآخرها قمة القاهرة عام 1996. لكن هذا موقف سياسي، بمعنى أنه حدد الفهم العربي للسلام وشكل رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية بأنها إن لم تراجع سياساتها فإن الحكومات العربية التي لها تعامل مع إسرائيل ستعيد النظر. هذا القرار لم يطبق. باعتقادي أن الرد الصحيح على السياسة الإسرائيلية هو العمل لبناء المشروع العربي لمواجهة المشروع الصهيوني بأبعاده السياسية والثقافية والاقتصادية والأمنية والدولية، ولا بد من جهد جدي على المستويين الرسمي والشعبي لاطلاق مثل هذا المشروع. هل تعتقدون ان هذا المشروع ممكن؟ أميركا تمارس الضغوط على كل الدول العربية، كل واحدة على حدة. من الممكن أن ترفض سورية الضغوط، ولكن هل يستطيع الفلسطينيون أو الأردن ذلك؟ - أنا أتحدث عن مشروع عربي. إن مشروعاً كهذا يجب أن يكون أطرافه مؤمنين بالحقوق العربية من جهة، ومؤمنين بأن هذه الأمة قادرة على احتواء ما لحق بها من أضرار. أما إذا كان هناك طرف أو جهة أو فرد أو تنظيم يعتقد أن الطريق الآمنة بالنسبة إليه هي الارتباط بالمشروع الصهيوني فهذا أمر آخر. كثرة الضغوط؟ أي دولة أجنبية تضغط بالقدر الذي تقبل به الدولة المضغوط عليها مثل هذه الضغوط. وإذا كان بعضنا يرى أن هناك ضغوطاً، فلماذا لا نوفر الأمن من هذه الضغوظ؟... من خلال المشروع العربي والبيت العربي. الولاياتالمتحدة لها مصلحة أن تضغط لكن الدولة العربية المضغوط عليها لها أيضاً مصلحة لرفض هذه الضغوط. إذا كانت غير قادرة وحدها يجب أن تبحث لربط العقد العربي وليس لتفكيكه. عندما كان هناك تضامن عربي مطلع السبعينات لم تستطع أي دولة أجنبية أن تضغط على أي بلد عربي. إذاً مدخل الكرامة والأمن والنهوض هو تحقيق مشروع عربي على أساس التعاضد والتضامن والتكامل بين الدول العربية، والانتقال من مرحلة التفكك والصراع والتنازع والنزوع القطري المقيت إلى مرحلة الشعور بالأخطار التي تهدد الجميع، وهذه الأخطار لن يستطيع أحد أن يدفعها وحده. هل مارست الولاياتالمتحدة ضغوطاً على سورية لقبول الاقتراح الإسرائيلي الخاص بالقرار 425؟ - اطلاقاً. الأميركيون يعرفون أن لغة الضغط غير صالحة الاستعمال مع دمشق. وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت بعثت برسالة إلى نظيرها السوري السيد فاروق الشرع تمنت فيها أن يُدرس هذا المشروع في سورية ولبنان. لكن موقف لبنان وسورية واضح وهو ان هذا المشروع الإسرائيلي خديعة ومناورة لها أهداف هي: أولاً، طيّ الحديث عن موضوع فلسطين. ثانياً، تحسين صورة الحكومة الإسرائيلية على أساس أنها تريد السلام. ثالثاً، خلق مشكلة في لبنان. رابعاً، الفصل بين المسارين السوري واللبناني. ولكن عندما يستخدم الإنسان عقله يستطيع أن يرى حتى أصغر الأمور. الخديعة الإسرائيلية واضحة، لذلك فإن كل الدول العربية، باستثناء دولة واحدة، تقف إلى جانب لبنان وتدعم موقفه. هل تعتقد أن المشروع الإسرائيلي طُوي؟ - لا، سيستمر نتانياهو في المناورة، ولكن ليس هناك مجال لنجاحها، إذ أن الأمور واضحة بالنسبة إلى سورية ولبنان. لو وافق اللبنانيون على التفاوض لسجلوا نقطة على نتانياهو، لأن هناك من يقول إن الإسرائيليين يريدون الانسحاب واللبنانيين يرفضونه... - لا، لم يقل الإسرائيليون إنهم يريدون الانسحاب وتنفيذ القرار 425. قالوا إنهم جاهزون لتنفيذه ضمن ثلاثة شروط هي: أولاً، ضمانات وترتيبات أمنية. ثانياً، أن يكون جيش لبنانالجنوبي بقيادة اللوان انطون لحد جزءاً من هذه الضمانات وأن تُضمن الحقوق السياسية لسكان الحزام الامني. ثالثاً، الدخول في مفاوضات لتنفيذ ذلك، وشتان بين القرار 425 وهذه الشروط، اولاً انها تنسف القرار 425 الذي جاء في نصه: "على اسرائيل الانسحاب الفوري الى ما وراء الحدود الدولية"، وليست هناك شروط ابداً. عندما يقبل اللبنانيون التفاوض على هذه الشروط فذلك يعني انهم تخلوا عن القرار 425 الذي لا يتضمن شروطاً كهذه. الامر الثاني ان الامن عنصر اساسي من عناصر السلام، والسلام بالنسبة الى نتانياهو يعني اولاً الامن. هو يريد ان يأخذ السلام عبر الامن وابقاء حال الحرب. كيف يمكن دولة ان تعطي ضمانات امنية لدولة اخرى وهي في حال حرب معها؟ عندما ناقش مجلس الامن القرار 425 لم تكن مسألة السلام مطروحة. المجلس كان يعالج موضوع الاجتياح الاسرائيلي لذلك نصّ على وجوب ان تنسحب اسرائيل من جنوبلبنان. الامن وضمانات الامن وترتيبات الامن جزء من عملية السلام وعنصر اساسي فيها، والقفز الى هذا العنصر غير ممكن في غياب السلام. لذلك جاء الرفض اللبناني مستنداً الى الناحيتين السياسية والقانونية لأن التفاوض سيكون على حقوق لبنان وليس على التزامات اسرائيل، اذ ان نتانياهو يطالب لبنان بتقديم التزامات لاسرائيل وهذا غير صحيح. قيل ان رئيس الاركان السوري العماد اول حكمت الشهابي زار واشنطن لإجراء مفاوضات على ترتيبات الامن في جنوبلبنان؟ - ليس صحيحاً. الشهابي ذهب الى اميركا لأسباب صحية. لماذا يتفاوض الشهابي مع الاميركيين؟ الذي يفاوض هو وزير الخارجية. ربما كان الاميركيون يحاولون احياء المسار السوري؟ - لا. ذهب الشهابي لأسباب صحية الى لوس انجليس. ألم يقابل مسؤولين اميركيين؟ - لا، ابداً. اوجلان الرئيس التركي سليمان ديميريل قال ان سورية تهيج الامة العربية على تركيا. هل هناك محاولات لفتح حوار بين انقرةودمشق؟ - التصعيد يأتي من جانب تركيا. اعتقد انها سارت في طريق ليست فيه مصلحة لها ولا للدول العربية، وهو موضوع العلاقة مع اسرائيل. اتصلنا بالدول العربية كلها وبالدول الاسلامية ونبّهنا الى خطورة مثل تلك العلاقة. هناك حالياً اتصالات بين وزارتي الخارجية لمناقشة المناخ القائم بين سورية وتركيا. وهل تتوقع انفراجاً ام ان الوضع سيبقى كما هو؟ - الانفراج او عدمه ليس مرتبطاً بسورية بل بالجانب التركي. هل لا تزال انقرة تطالب برأس اوجلان؟ - تطرح تركيا بين وقت وآخر موضوع اوجلان. هو ليس موجوداً في سورية. اولاً، اذا كان اوجلان يأتي الى سورية فبالتأكيد لا يأتي بجواز سفر تركي، ربما يأتي بجواز سفر دولة من الدول الاخرى، مزور او غير مزور. ثانياً، رعايا الدول العربية معفيون من تأشيرات الدخول الى سورية. لنفترض ان اوجلان دخل سورية حاملاً جواز سفر عربياً او عربياً مزوراً، هذا ممكن لكن السؤال: هل يمارس اوجلان نشاطاً سياسياً او امنياً في سورية؟ هذا الامر من المحرّمات. لا يمكن ان نسمح لأي جهة ان تمارس اي عمل أمني في ارضنا. هذا من المحرّمات، وهناك معتقلون من جماعة اوجلان في سورية؟ القيادي السابق في حزب العمال شمدين صاقيق اشار في اعترافاته بعد خطفه الى وجود علاقة للحزب مع سورية. - دقّقنا بكل التصريحات. ما قيل ونُسب اليه ليسا صحيحين. ثانياً، من خلال الواقع وتدقيق المعلومات عن هذا الشخص تبين انه ترك الحزب. وهو مختلف مع جماعته منذ ثلاث سنوات وله اتجاه آخر. لذلك ما نُسب اليه خصوصاً ما يتعلق بسورية ليس صحيحاً، واستطيع القول انه لم يدخل سورية منذ فترة طويلة. ربما تسلل؟ - لكنه مختلف مع جماعته منذ اكثر من ثلاث سنوات.