كانت المواجهة على البرنامج النووي الايراني في طريقها الى التصعيد عبر مجلس الأمن، غير ان انفجار الوضع بين اسرائيل وحزب الله، والحرب على لبنان، واستهداف المدنيين فيه والبنية التحتية، خلطت الأوراق، فتراجعت المواجهة فيما الادارة الأميركية تطلب من ايران، أحد ثلاثي"محور الشر"وسورية ايقاف صواريخ حزب الله، فيما هي تؤيد التدمير الاسرائيلي الوحشي، وتؤيد حكومة لبنان الضحية، وتقول الشيء وعكسه، وترسل قنابل موجهة متطورة الى اسرائيل كأنه بقي شيء في لبنان لم يدمر بعد. كتبت غير مرة أن الأفضل هو أن يكون الشرق الأوسط منطقة مجردة من الأسلحة النووية، ولكن اذا بقيت اسرائيل وحدها بترسانة من القنابل النووية مع وسائل ايصالها الى اهدافها، فإنني أؤيد ايران في السعي لامتلاك سلاح نووي وأحض مصر والمملكة العربية السعودية وكل بلد آخر على محاولة امتلاك أسلحة نووية للرد على التهديد الاسرائيلي. بعض الدول العربية لا يرى رأيي ويخشى أن يؤدي موقف ايران الى سباق تسلح نووي في المنطقة لا يعرف أحد كيف ينتهي. وأقدر قلق الدول العربية هذه، خصوصاً أن النظام الايراني لا يسعى الى تبديد مخاوف الجيران، ولا يحاول فتح صفحة جديدة من التعاون والتقارب، وانما يتعامل معهم بفوقية تزيد القلق من نيات ايران. كتبت غير مرة أيضاً أنني أعتقد على رغم الانكار الايراني المتكرر بأن ايران تسعى الى امتلاك قنبلة نووية لأن من غير المعقول أن بلداً يسبح على بحيرة من النفط والغاز في حاجة الى برنامج نووي سلمي الى درجة أن يقاتل الدول العظمى للحصول عليه. وأعتقد بأن الحوافز التي قدمتها الدول الست الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمانيا الى ايران ومماطلة هذه في الرد، وتأجيلها الجواب تؤكد صدق حدسي عندما قدرت أن البرنامج النووي الايراني عسكري كما هو مدني. لو كان البرنامج مدنياً لكانت ايران قبلت المعروض عليها فوراً، لأنه يؤكد حق ايران في تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية بما يتفق مع التزاماتها بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وهي معاهدة وقعتها ايران ولم توقعها اسرائيل، مع تزويد ايران بمفاعل يعمل بالماء الخفيف، أي لا يستطيع تخصيب اليورانيوم الى مستوى قنبلة نووية، وتعاون في ادارة الوقود المستهلك. ما سبق يكفي اذا كان البرنامج سلمياً، غير أن المعروض على ايران يشمل أيضاً التعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة ومجالات أخرى، وتسهيل دخول ايران الاقتصاد العالمي، ودمجها كلياً في الهياكل المالية الدولية، بما في ذلك الانضمام الى منظمة التجارة العالمية، وانشاء شراكة بعيدة المدى في الطاقة، بين ايران والاتحاد الأوروبي، وتطوير انظمة الاتصالات الايرانية والتعاون في الطيران المدني والتنمية الزراعية. ما سبق ليس حوافز بل رشوة، والدول الست حاولت اغراء ايران بتقديم الحوافز في 6/6/2006، وطلبت رداً خلال اسبوع، غير أن ايران قالت إن العرض في حاجة الى درس كل بند فيه بدقة. وتجاوبت الدول الست فأمهلت ايران حتى 5/7/2006، ثم زادت اسبوعاً، وقالت ايران في النهاية انها ستعطي ردها في 22 آب اغسطس، وهددت بالانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية اذا فرضت عليها عقوبات. وكنت مع مماطلة ايران قرأت أخباراً في"نيويورك تايمز"و"واشنطن بوست"موثقة في شكل ممتاز كعادة الجريدتين، تقول ان الدول الكبرى ستعود الى مجلس الأمن في المواجهة مع ايران لطلب عقوبات، وأن روسيا والصين بدأتا تميلان الى الموافقة على العقوبات. غير أن الوضع اختلف جذرياً بعد المواجهة بين حزب الله واسرائيل، ما جعل بعض المراقبين يقول إن هدف ايران من تأخير الرد هو كسب الوقت لتخصيب اليورانيوم الذي أعلنت ايران استئنافه، وان عملية حزب الله كانت بهدف تحويل الأنظار عن نشاط ايران النووي، وإيجاد تهديد آخر لأميركا عبر اسرائيل وحزب الله يأخذ الأولوية في الاهتمام الأميركي، بعد العراق، بدل التركيز على البرنامج النووي الايراني. شخصياً أجد الجزء الأول من هذا التفسير، عن محاولة كسب الوقت، منطقياً، إلا أنني لا أوافق على الجزء الثاني. فالمتطرفون من عصابة اسرائيل حاولوا دفع الولاياتالمتحدة الى حرب مع ايران وسورية، قبل العراق، وهم لا يزالون يحاولون، وقد ربطوا بين عمليتي حماس وحزب الله، على رغم الأدلة. فحزب الله حاول السنة الماضية خطف جنود اسرائيليين لمقايضتهم بالأسرى في سجون اسرائيل وفشل، ثم نجح هذه المرة. وكان السيد حسن نصر الله أعلن أمام أهالي الأسرى والمخطوفين في وقت سابق من هذه السنة أن الغائبين سيعودون هذه السنة التي جعلها سنتهم وكل هذا قبل أن تنجح حماس في خطف جندي. وقد كتبت في هذه الزاوية مرة بعد مرة نقلاً عن الأخ خالد مشعل وقادة حماس في الخارج أن العمليات مربوطة فقط بالقدرة، وهي قدرة توافرت في عملية جريئة بعد حفر نفق ومفاجأة الاسرائيليين. مع ذلك عصابة اسرائيل في واشنطن من النفوذ، والفجور، انها تستطيع أن"تغطي السموات بالقبوات"كما نقول، وهي تصرخ مؤامرة، مع أن المؤامرة الوحيدة هي تضحيتها بزهرة شباب أميركا لخدمة مصالح اسرائيل وتعريضها مصالح أميركا في منطقتنا للخطر، ومصالحنا معها.