ليس مستغرباً أن تتجاوز عبقرية نجيب محفوظ إمكانات الحكاية العربية في بداياتها ومروراً بتأثراتها المشروعة بالتجارب الغربية وغيرها من تجارب الأمم الأخرى، لتصبح واحدة من أخطر علامات"التأصيل"للإبداع العربي. على سبيل المثل يمكن التأريخ للقص العربي بين نقطتين، امتدت المخيلة العربية عبر المساحة بينهما. النقطة الأولى هي"ألف ليلة وليلة"التي أظهرت عبقرية المثاقفة العربية في الاستفادة من تراث الأمم الأخرى لتشكيل شخصية عقلية محلية. والنقطة الثانية هي رواية"الحرافيش"التي أظهرت مدى النضج الفلسفي والتخييلي لنجيب محفوظ، ومدى التتويج الفني لجهود"القص"العربي عبر مسيرة طويلة تمتد لمئات السنين. هكذا يصور نجيب محفوظ حال الإبداع العربي الذي طالما وقع الغبن عليه، إذ يبرهن على تفوقه الشخصي التاريخي. أي كلما برهن الكاتب أو الفنان على تفوقه اجتذب بنسبة أكبر حقد التعصب بكل أشكاله. والتعصب لا يقتصر على المتعصبين لكفرة ما، دينية كانت أو ايديولوجية، بل تشمل قطاعاً من الفاشلين والمتخلفين عن حركة الإبداع والإضافة. وهكذا تحول نجيب محفوظ الى رمز من رموز المقاومة ضد التخلف بكل أشكاله، كما انه بات هدفاً يسعى اليه كل من يستخدم الحرب وسيلة للتعبير عن نفسه. يشكل نجيب محفوظ خطورة تمس أنصاف الموهوبين الذين يقعون في فخ تقليده، فبساطته المذهلة كالفخ الذي يصطاد رغبات كثيرة عند عدد من الكتاب، فيظنون أنهم قادرون على إنتاج شيء مماثل، من دون دراية منهم بأن"القص"وإن كان يحتاج الى"جرأة"وپ"عفوية"لا بد منهما، لكنه يمشي على سكة معرفية صنعتها الخبرة والمتابعة والاكتناز المجتهد لمنجزات الفكر والروح عبر سنوات طويلة، مما توفر لنجيب محفوظ فأكده في إبداعه الجميل عبر روايات كثيرة وقصص قصيرة أكثر.