يبدو ان الرواية المغربية شبت عن الطوق منذ عقود، فأصبحت جذراً طبيعياً في تربة الأدب المغربي، وعلى رغم تأخر ظهورها في المغرب مقارنة مع مثيلاتها في المشرق والغرب، يمكن المتأمل في صيرورتها التي اغتنت باصدارات متنامية ان يلمس ثلاث محطات اساسية تعكس طبيعة تمثل كل محطة لنوع الرواية، وخصائصها الابداعية. المرحلة الاولى تمتد من الاربعينات الى حدود آخر الستينات، وهي مرحلة التأسيس اذ كانت مشروطة باشكالات قائمة وعامة في مختلف نواحي الحياة في المغرب بعيد حصوله على الاستقلال، مثل إشكال المثاقفة والتحديث والترجمة والتأصيل وهاجس التأريخ والانفتاح على الآخر. كانت الروايات حينذاك ذات قيم تاريخية سيرية يحكمها هاجس التأسيس وأسئلة الاستقلال والبناء وتصفية تركة الماضي. هكذا بدت روايات تلك الفترة، وأولاها رواية"الزاوية"للتهامي الوزاني وتلتها روايات أخرى لكل من عبدالكريم غلاب وأحمد بن عبدالسلام البقالي وخناثة بنونة واسماعيل البوعناني ومحمد عزيز الحبابي وأحمد شكري السباعي وسواهم. المرحلة الثانية ويمكن تسميتها بمرحلة الانعطاف والسؤالين الاجتماعي والفني. وتمتد من بداية السبعينات الى آخر الثمانينات. وحققت هذه الفترة تراكماً كمياً وكيفياً، فتعددت الاصدارات عبر اقلام جريئة وصدر بعضها في المشرق، وارتبط بحرارة"المعيشي"سنوات الرصاص وأسئلته الكبرى ومفارقاته. وعكست الروايات التحولات والانعطافات ومظاهر ازمة الوجود العربي التجزئة، القمع، التبعية، الأمية، استمرار التقاليد البالية... وتصاعد"حنق"الرواية بعد نكسة 1967 التي أحدثت زلزالاً في مظاهر الحياة العربية وأعادت صوغ الوعي العربي بما يتلاءم وحجم الذات بعيد الهزيمة النكراء. وعلى المستوى الفني ظهر البطل الاشكالي بهمومه المحلية والقومية والعالمية والتاريخية. وتحولت اللغة من سماتها الكلاسيكية الى لغة شعرية مشحونة شفافة ذات اصوات متناقضة ومتمثلة من أساليب مختلفة فصيحة وعامية وشاعرية. وتواصل بحث الكتّاب عن تقنيات جديدة كالفنتاستيك والاسطورة والحوارية والتعدد اللغوي واستيحاء التراث والاحلام والجسد وتفجير اللغة ومسرحة النص وربطه الرواية بمنجزات بقية الاجناس الادبية. وتضم هذه الفترة نحو مئة رواية. ومن أبرز الروائيين على مستوى التراكم والجودة: الميلودي شغموم، عبدالله العروي، محمد زفزاف، محمد شكري، عز الدين التازي، مبارك ربيع، احمد المديني، محمد صوف، ادريس بلمليح، عبد القادر الشاوي، سعيد علوش، محمد برادة، محمد الدغمومي، وسواهم. المرحلة الثالثة تمتد من اواسط الثمانينات الى اليوم. وقد استكملت اسئلة الاكتشاف الثر، اذ اغتنت بمجمل انتاج المراحل السالفة التي استمرت في العطاء والنضج. ونعتقد ان انتاج هذه المرحلة تخلص من إسار السرد الافقي وصورة الواقع والبطل واللغة والمعمار الفني ورؤى العالم بغية ارتياد آفاق رحبة تماثل آفاق الكتّاب العالميين الذين انتشرت اعمالهم بعد ترجمتها في سورية ولبنان ومصر، وبعد الانفتاح الروائي على لغات اخرى وعلى آداب اميركا اللاتينية، والرواية الجديدة في أوروبا من دون ان ننسى التفاعل العميق مع التجارب الرائدة لرموز الرواية العربية أمثال: نجيب محفوظ وعبدالرحمن منيف وحيدر حيدر وحنا مينة وصنع الله ابراهيم وغسان كنفاني وابراهيم الكوني. وفاقت الاصدارات طوال هذه الفترة ما يزيد عن مئة رواية وبدأ الاتساع ظاهراً لتجارب الشباب وللحساسيات النسوية ومن بين اولئك: احمد التوفيق، سالم بن حميش، يوسف فاضل، عبدالله زريقة، شعيب حليفي، ميلودي حمدوشي، موليم العروسي، محمد أسليم، عبدالغني أبو العزم، علي أفيلال، زهور كرام، عبدالكريم جويطي، عبدالسلام الطويل وحسن رياض. وتشهد الساحة الادبية اليوم قفزة نوعية احتلت معها الرواية موقعاً مهماً في القراءة والابداع والنقد، وتزامن ذلك مع انتعاش سوق الطباعة والتوزيع وازدياد الجامعات ومتخرجيها، وتأسيس أندية ومراكز للبحث السردي سواء في الرواية او في القصة او في الادب الشخصي عموماً في معظم الجامعات المغربية.