يُقبل شباب مدينة النجف في شكل متزايد على ارتداء الملابس الدينية عموماً والعمامة خصوصاً، إما اقتداء برجال الدين أو سعياً لنيل بعض من الامتيازات المتوافرة لهم في أعقاب سقوط نظام صدام حسين، وصعود القوى الاسلامية المناوئة له. فبعدما كانت غالبية الشباب في عهد النظام السابق تتخوف من ارتداء أي زي ديني أو حتى إرخاء اللحى أو ما يدلل على التدين، لئلا تتعرض للملاحقة، شهدت السنوات الثلاث الأخيرة التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق، تنامياً لنفوذ التنظيمات الإسلامية، خصوصاً المسلحة منها، واختباراً للحريات الدينية الجديدة، تجاوز المتدينيين أنفسهم ليشمل عموم شباب النجف. ولهذا، شهد ارتداء العمامة وزي طلاب الحوزة الإسلامية المسمى ب"الزي الحوزوي"رواجاً في أوساط الشباب، وهو ما أثار ايضاً استياء رجال دين اعتبروهم"دخلاء على التدين"بدأوا يشاركونهم بعضاً من الامتيازات المستحقة لهم بعد سقوط صدام، كالوظائف الحكومية مثلاً. ويقول رجل الدين البارز في النجف الشيخ عبد المنعم الصفار، من مكتب المرجع الديني آية الله الشيخ محمد اسحاق الفياض أحد المراجع الاربعة الرئيسيين في النجف، ل"الحياة"إن"مئات الشباب ارتدوا العمامة إما لكسب العيش أو بسبب انخراطه في إحدى الميليشيات الشيعية التي يقودها من قدموا أنفسهم بصفة مراجع بعد سقوط النظام"، في اشارة الى الزعيم الشيعي مقتدى الصدر. وأضاف أن"القيادة داخل هذه المليشيا لا تعطى إلا للمعمم"، مشيراً الى أن"بعض هؤلاء أخذ تدريجاً يسفه الدين وينفر الناس منه"، مشدداً أن على رجل الدين أن تكون له"شخصية معروفة ومن عائلة معروفة ومشهوداً له بالتقوى والورع وأن يزكيه أحد المراجع". ويعزو بعض رجال الدين هذه الظاهرة الى"الكبت والقسوة التي مارسها النظام السابق ضد كل من كان يظهر تدينه، في وقت كان يميل هؤلاء الشباب الى تقليد رجال الدين في سلوكهم". ويقول السيد حسن الموسوي أحد طلبة الحوزة الدينية في النجف ل"الحياة"أن هؤلاء الشباب الذين شرعوا أخيراً بارتداء العمائم، يرغبون في"تقمص"شخصية رجل الدين"فهو كان بمثابة حلم لديهم". وفي الآونة الأخيرة، حصل رجال الدين المعممون على وظائف في دوائر الدولة في النجف. وبات لهؤلاء المعممين حضور بارز في مرافق كثيرة من الدوائر الحكومية الرسمية، لكن بعض الشخصيات النجفية يصف هؤلاء الموظفين بأنهم"منتفعون أرادوا الحصول على وظائف ومناصب"من خلال ارتدائهم هذا الزي"الذي ليس لهم". ويقول الاستاد الجامعي عماد محي الدين ل"الحياة"إن رجال الدين الذين ظهروا أخيراً استغلوا وضع الدولة وحصلوا على وظائف مهمة في النجف، مضيفاً أن معظم موظفي محكمة المدينة ومديرية عقارات الدولة وغيرها من المعممين"الذين لم يحصلوا على أي شهادة أكاديمية". يذكر أن رجال الدين والمتدينين الذين يرتدون زياً اسلامياً، لم يكن لديهم أي حضور في زمن النظام السابق. لكن لهذا الزي الديني الذي بات موقع سلطة يُنظر اليه باحترام ووقار، تداعيات تنسحب على الوضع الأمني المتوتر أصلاً في أنحاء العراق. فمدينة النجف القديمة مغلقة اليوم أمام السيارات، فيما يخضع المشاة الى تفتيش دقيق قبل دخولهم المدينة. لكن رجل الدين المعمم يُستثنى من التفتيش هيبة ووقاراً، وهو ما يثير مخاوف رجال الامن من أن تسفر هذه الظاهرة عن خروقات واسعة. وسبق أن أعلنت شرطة النجف اعتقال إرهابيين يرتدون الزي التقليدي لرجال الدين، وفي حوزتهم أسلحة ومتفجرات كانوا ينوون تفجيرها داخل المدينة.