استيقظ المصريون، أمس، على كارثة مروعة، إذ قُتل نحو 58 شخصاً وجُرح 143 آخرون بعضهم في حال خطرة، إثر اصطدام قطارين عند مدينة قليوب شمال القاهرة في ساعة الذروة الصباحية، في حادث هو الثالث خلال أقل من عام. وفي وقت بدأت النيابة العامة تحقيقات موسعة، طالب عشرات النواب بتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق، خصوصاً أن الحادث يأتي بعد بضعة شهور من غرق العبارة"السلام 98"في البحر الأحمر الذي راح ضحيته أكثر من ألف قتيل. وانتقلت إلى مكان الحادث قوات الإنقاذ وأجهزة الأمن، ترافقها أكثر من 50 سيارة إسعاف لنقل الجثث والمصابين إلى ستة مستشفيات. كما وصلت رافعات هيئة السكك الحديد المختصة بحوادث القطارات لرفع عربات القطار المحطمة من موقع الحادث. وطال التضارب في شأن عدد القتلى والمصابين، تحديد أسباب الحادث أيضاً. وقال محافظ القليوبية المستشار عدلي حسين إن قطاراً متوجهاً إلى القاهرة من المنصورة 125 كلم تجاوز الإشارات الضوئية، ليصطدم بمؤخرة قطار آخر توقف لإنزال بعض الركاب في مدينة قليوب 25 كيلومتراً شمال القاهرة، فانقلبت ثلاث عربات من أصل ثمان يتكون منها القطار الأخير، واشتعلت النيران في القطار الأول الذي قُتل سائقه فوراً. لكن رئيس هيئة السكك الحديد المهندس حنفي عبدالقوي أكد أن الحادث وقع بسبب إغلاق جهاز التحكم الآلي في القطار الأول الذي كان في طريقه إلى القاهرة من مدينة بنها 45 كلم شمال. وأشار إلى أن الحادث"جاء نتيجة خطأ بشري"على الأرجح، مشيراً إلى تشكيل لجنة من رؤساء الإدارات المركزية لتحديد أسبابه. وعزت مصادر أخرى الحادث إلى"خطأ المحولجي موظف الإشارة في قليوب الذي نسي أن يخطر قطار المنصورة بضرورة التوقف". وبدأت النيابة العامة تحقيقاً موسعاً في الحادث، فيما بدأت هيئة السكك الحديد تحقيقاً موازياً لكشف الأسباب الفنية للحادث. وأصدر النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود قراراً بدفن جثث المتوفين فوراً، قبل أن يتوجه إلى موقع الحادث لتفقده والاستماع إلى تقارير مبدئية عن أسبابه. وتم التحفظ على سائق قطار بنها ومساعده وعامل الإشارة، حتى بدء التحقيقات. وأكدت الرئاسة المصرية أن الرئيس حسني مبارك يتابع مجريات التحقيق عن كثب، كما أعلنت الحكومة تحملها تكاليف علاج المصابين، وصرف مساعدات مالية فورية لأسر المتوفين والمصابين. ونقلت وكالة"فرانس برس"عن ممدوح عامر 29 سنة الذي نجا من الحادث قوله:"كنت في قطار بنها. توقف القطار في محطة قليوب قبل خمس دقائق من الحادث، وفجأة شعرنا بما يشبه زلزالاً. قفزنا من النوافذ ورأينا النار تتصاعد من العربات الخلفية". وأضاف أن معظم ركاب القطارين كانوا من العمال والموظفين ورجال الشرطة المتوجهين إلى عملهم في القاهرة. وقالت سعاد عبدالله 53 عاماً التي تقطن قرب المحطة:"كنت افقت للتو من نومي في السابعة صباحاً، عندما سمعت دوياً رهيباً. أسرعت إلى الشرفة ورأيت الدخان والجثث معلقة على العربتين المنقلبتين". وهرع أولادها عبر السياج للمساعدة في انتشال القتلى والجرحى من تحت العربات، مع بقية السكان القريبين من شريط القطار. وبعد ساعتين من الحادث، كان المسعفون لا يزالون يواصلون انتشال الجثث التي تحول بعضها إلى اشلاء من العربات ونقلت إلى سيارات الإسعاف عبر ثغرة تم فتحها في الجدار المحيط بالمحطة. وفرضت الشرطة طوقاً أمنياً على المنطقة، لمنع السكان والأهالي الغاضبين من الاقتراب. واكد شهود ان الاسعاف تأخر نحو ساعة. وقالت شيماء سمير:"اتصلنا بالمسعفين لكنهم لم يصدقونا في البداية". وأضافت:"كنا نائمين. وافقنا على صوت الاصطدام الذي اهتز المنزل بسببه". وقال وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي خلال مؤتمر صحافي أمس إن"عدد الحالات المصابة بلغ 128 حالة خرج منها 22 حتى الآن من المستشفيات بعد تلقي العلاج. أما عدد الوفيات فبلغ 57 حالة". وأضاف أنه أصدر قراراً بالإسراع في إصدار شهادات الوفاة للقتلى وتيسير إجراءات دفن جثثهم. وأشار إلى وجود جثث مجهولة الهوية تم تجميعها في مشرحتي زينهم وقليوب. وأشار وزير التضامن الاجتماعي الدكتور علي المصيلحي إلى أن الحكومة قررت"صرف إعانة عاجلة تبلغ خمسة آلاف جنيه لأسرة كل متوف، وألف جنيه للمصاب مع تحمل كل نفقات العلاج، وأيضاً مصاريف الجنازة والدفن بالنسبة إلى المتوفين". لكن يبدو أن تداعيات الحادث لن تقتصر على أسر الضحايا والمصابين، بل ستمتد لتشمل وزير النقل المهندس محمد منصور الذي يواجه سلسلة من الأزمات والمشاكل منذ توليه منصبه قبل عام، بداية من حادث غرق العبارة"السلام 98"الذي أدى إلى مقتل أكثر من ألف شخص، وكشف بؤر فساد في قطاع النقل البحري، مروراً بقرار زيادة أسعار رسوم مترو الأنفاق من دون استشارة البرلمان، وانتهاء بأزمة تكدس المعتمرين في كل من ميناء الغردقة وسفاجا إثر منع بعض العبارات من الإبحار لمخالفتها شروط السلامة والأمن. وقدّم عدد من أعضاء مجلس الشعب البرلمان بيانات عاجلة لوزير النقل عن الحادث. وطالبوا رئيس المجلس الدكتور فتحي سرور"بتشكيل لجنة تقصي حقائق بسرعة لكشف ملابسات الحادث ووضع الحقيقة بصورتها الكاملة أمام الشعب". وفيما قررت لجنة النقل في المجلس عقد اجتماع عاجل غداً لمناقشة أسباب الحادث، كلف سرور وكيل المجلس عبدالعزيز مصطفى، وأعضاء مكتب لجنة النقل والمواصلات في البرلمان، التوجه إلى موقع الحادث وإعداد تقرير مفصل عنه.