يتعامل المجتمع الدولي مع القرار الدولي الرقم 1701 لإنهاء النزاع في لبنان ووقف العدوان الاسرائيلي على انه انجاز يتحقق من خلاله وللمرة الأولى منذ ثلاثة عقود انتزاع موافقة لبنانية بالإجماع على نشر الجيش اللبناني في الجنوب وتحديداً في جنوب الليطاني. وينطلق المجتمع الدولي في تعاطيه الإيجابي مع نشر الجيش من ان الحظر الذي كان مفروضاً على دخوله منطقة جنوب الليطاني أسقط وبالتالي فهو يشكل خطوة باتجاه ضبط الأمن والحفاظ على الاستقرار في هذه المنطقة. ويعتقد المجتمع الدولي بحسب مصادر أوروبية ان موافقة الأطراف اللبنانيين وخصوصاً"حزب الله"على نشر الجيش في جنوب الليطاني بمؤازرة القوات الدولية تعني بطريقة أو بأخرى وجود رغبة محلية في تثبيت الحضور الأمني للدولة في هذه المنطقة، إضافة الى حضورها الاداري والمؤسساتي فيها فور سحب اسرائيل جيشها من الجنوب تحت ضربات المقاومة الاسلامية. وتؤكد المصادر نفسها ان اهمية نشر الجيش في جنوب الليطاني لا تكمن في تعديل"حزب الله"موقفه في هذا الشأن فحسب، وإنما في إسقاط المحاذير الإقليمية التي كانت تقف حائلاً دون الحضور الفعلي للجيش في هذه المنطقة والتي كانت تتمثل في موقف سورية الرافض باستمرار لأي دور للمؤسسة العسكرية في منطقة محاذية للحدود الدولية اللبنانية - الاسرائيلية. وتضيف المصادر:"لم يكن في وسع سورية معارضة نشر الجيش في جنوب الليطاني على رغم حساباتها السياسية التي تنظر الى هذه المنطقة باعتبارها البوابة الوحيدة والرئيسة التي تتيح لها لعب دور اقليمي يمكنها من خلاله الضغط من اجل تحريك ملف المفاوضات". وتعزو المصادر السبب الى ان صمود"حزب الله"في وجه العدوان أتاح له تحقيق انتصار على رغم الدمار الذي أصاب البلد، لكنه في المقابل اضطر الى تقديم تنازل في موافقته على نشر الجيش في ظل إجماع دولي على انه من الشروط الاساسية لوقف اطلاق النار لفسح المجال امام عودة الهدوء والاستقرار الى لبنان ومن خلاله الجنوب. وتعتقد هذه المصادر ان النظرية الداعية الى رفض نشر الجيش في الجنوب التي يقودها رئيس الجمهورية اميل لحود وپ"حزب الله"، وقيادات في قوى 14 آذار قبل ان تعيد النظر في موقفها في أعقاب جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتداعيات المترتبة عليها وأبرزها انسحاب الجيش السوري من لبنان، لم تعد قائمة تحت ضغط المجتمع الدولي الذي رأى ان لا حل لوقف العدوان إلا بنشر الجيش في جنوب الليطاني بعدما كان حضوره يقتصر على مئات عدة في اطار القوة الامنية اللبنانية المشتركة. وتؤكد ان مجرد الموافقة باجماع اللبنانيين على نشر الجيش في جنوب الليطاني يعني ان لبنان يستعد للانتقال الى مرحلة أمنية وسياسية جديدة وان الصراع بين اسرائيل وپ"حزب الله"يتخذ من الآن وصاعداً أشكالاً جديدة تفرضها الترتيبات الأمنية القائمة في هذه المنطقة. وتتابع:"ان موافقة الحزب على نشر الجيش ستفسح المجال أمام التأسيس للمرحلة الجديدة التي تختلف حتماً عن المراحل السابقة عندما كان الصراع بين اسرائيل وپ"حزب الله"يتمدد من حين لآخر من مزارع شبعا المحتلة الى عمق الجنوب". وترى المصادر ان قيادة"حزب الله"تعاطت بواقعية مع قرار نشر الجيش لأن عدم موافقتها قد يؤدي الى استمرار العدوان وتؤثر سلباً في المواجهة التي خاضها في الجنوب والتي فاقت كل الحسابات العسكرية، اضافة الى انها ستعود الى فتح ثغرة في الموقف الداخلي اللبناني على خلفية الانقسام بين طرف مؤيد لنشر الجيش وآخر متحفظ او معارض له. لكن المصادر نفسها تعتقد بأن التأسيس لمرحلة جديدة في الجنوب وان كان أخذ طريقه الى التطبيق، يحتاج في المقابل الى تثبيت هوية المزارع ليكون في مقدور المجتمع الدولي العودة الى طرح مصير سلاح"حزب الله"متسلحاً هذه المرة باسقاط الذرائع الدافعة الى الاحتفاظ به. وتضيف ان الجنوب سيشهد من الآن وصاعداً مساكنة ايجابية بين"حزب الله"والجيش اللبناني والقوات الدولية وبالتالي فإن هذه اللحظة ستكون محط انظار المجتمع الدولي لاختبار مدى قدرة الجيش المدعوم دولياً على حفظ الأمن. وبالنسبة الى الدول التي أبدت استعدادها للمشاركة في القوات الدولية قالت المصادر ان هذه الدول وافقت من حيث المبدأ على إرسال قواتها الى الجنوب وانما بپ"القطارة"أي على دفعات. وعزت السبب الى أمرين: الأول رغبتها باختبار مدى نجاح التجربة التي يخوضها الجيش حالياً بمؤازرة القوات الدولية ومن ثم الوقوف على آلية العمل في الجنوب ليكون في وسعها اتخاذ القرار النهائي برفع نسبة مشاركتها فلا تبقى رمزية. أما الأمر الثاني فيعود الى ان أبرز الدول التي أبدت استعداداً لإرسال جيشها الى الجنوب قررت في اللحظة الاخيرة التريث الى حين معرفة الاتجاه الذي سيسلكه الملف النووي الايراني والذي سيكون موضع اختبار في 22 من الشهر الجاري وهو الموعد النهائي لطهران لإبداء رأيها في الحوافز الاوروبية الرامية الى خفض منسوب التوتر السياسي بينها وبين الولاياتالمتحدة الاميركية والمجموعة الأوروبية. كما ان طبيعة الجواب الايراني على الحوافز الاوروبية سيحدد الإطار النهائي لتعامل المجتمع الدولي مع طهران في مجلس الامن الدولي الذي سيجتمع لهذه الغاية في آخر الشهر الجاري. وعليه فإن للدول الاوروبية اسبابها الخاصة للتريث لأنها تخشى من ارسال قواتها الى الجنوب قبل ان يتبلور الموقف النهائي على جبهة الملف النووي لئلا تعرضها الى احتكاك مباشر مع محازبي"حزب الله"ومناصريهم في حال قيامهم برد فعل اعتراضي تضامناً مع طهران. وبكلام آخر، فإن الاتجاه العام للملف النووي الايراني سيؤثر سلباً او ايجاباً في المسار الأمني والسياسي في الجنوب على رغم ان المصادر الدولية تنظر الى الحرب الاخيرة على انها قد تكون آخر الحروب العسكرية لتبدأ بعدها الحرب الديبلوماسية والسياسية حيث يملك المجتمع الدولي القدرة على تطويقها اذا ما احسن التعامل ومهّد الطريق باتجاه تثبيت لبنانية المزارع. مستفيداً من التحول الذي طرأ على موقف الحزب من نشر الجيش في جنوب الليطاني.