وافق مجلس الوزراء اللبناني في جلسته مساء أول من أمس، بالإجماع على قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 الرامي الى إنهاء الحرب على لبنان، لكنه أبقى المسألة المتعلقة بنشر الجيش الى جانب القوات الدولية، بسبب الاختلاف في وجهات النظر حول طبيعة المنطقة العازلة الممتدة من الحدود الدولية الى جنوب الليطاني وخصوصاً بالنسبة الى مصير سلاح"حزب الله"في هذه المنطقة. وعلمت"الحياة"ان وزراء حركة"أمل"وپ"حزب الله"، كانوا يفضلون عدم انعقاد جلسة السبت وتأجيلها الى وقت لاحق بحجة ضرورة التريث الى حين صدور الموقف النهائي عن الحكومة الإسرائيلية من القرار 1701 إضافة الى معرفة الحدود الجغرافية للهجوم البري الإسرائيلي الذي لقي مقاومة باسلة من المقاومة. لكن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة رأى أنه لا بد من اتخاذ موقف لبناني رسمي واضح من القرار 1701 من دون إسقاط الملاحظات عليه. وأدى النقاش في انعقاد الجلسة أو تأجيلها الى تأخير انعقادها أكثر من ساعة نظراً الى انشغال السنيورة في لقاء عقده مع النائب في حركة"أمل"علي حسن خليل موفداً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وكاد الموقف اللبناني من القرار يتأجل بسبب الاختلاف بين السنيورة ومعه وزراء قوى 14 آذار وبين الوزراء الشيعة حول تحديد تصور واحد لوجهة نظر الدولة من المنطقة الأمنية العازلة. إضافة الى ان الوزراء الشيعة، أو بعضهم على الأقل، تجاوز في مداخلته الملاحظات الموضوعة على القرار الى رفضه بالكامل واصفاً اياه بالقرار الجائر... الا ان المشكلة حلت بتدخل مباشر من بري الذي كان تلقى اتصالاً من السنيورة يستفسر فيه عن أسباب بروز بوادر موقف من القرار تتجاوز، حتى الملاحظات التي سجلها الأمين العام لپ"حزب الله"السيد حسن نصر الله في كلمته المتلفزة عبر محطة"المنار"بالتزامن مع الاستعداد لانعقاد الجلسة. وأكدت مصادر وزارية لپ"الحياة"ان وزيري"حزب الله"محمد فنيش وپ"أمل"محمد خليفة كانا أكثر تشدداً من نصر الله، مشيرة الى ان موقفهما دفع عدداً من الوزراء الى التساؤل ما اذا كان هناك تطور مفاجئ حصل في خلال دقائق من موعد انعقاد الجلسة، لا سيما انهما في خلفية كلامهما أظهرا معارضتهما للقرار. وقالت هذه المصادر ان المداخلات من خارج الجلسة أدت الى تبني مجلس الوزراء بالإجماع القرار مع تسجيل ملاحظات الوزراء الشيعة عليه، لافتة الى ان خروج الوزراء من الجلسة من دون اتخاذ قرار واضح كان من شأنه أن يضع لبنان أمام مواجهة مع المجتمع الدولي بعدما كانت المعلومات أفادت أن الجلسة مخصصة لاتخاذ موقف مؤيد للقرار الدولي. الوضع الميداني وأوضحت المصادر ان مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد جورج خوري الذي كان حضر الجلسة الى جانب قائد الجيش العماد ميشال سليمان والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي اطلع مجلس الوزراء من خلال خريطة أحضرها على سير العمليات العسكرية، مشيراً الى المقاومة الشرسة التي يواجهها العدو الإسرائيلي أثناء توغله في الجنوب. ونقل وزراء عن خوري قوله ان المقاومة أنزلت خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي وأنها نجحت في وقف توغله باتجاه عمق منطقة جنوب الليطاني. وأكد خوري أن الجيش الإسرائيلي توغل في بعض المناطق الى أكثر من 6 كيلومترات وأن المعارك الدائرة حالياً في الجنوب هي الأوسع والأكبر والأشرس منذ بدء العدوان في 12 تموز يوليو الماضي. وأبلغ خوري المجلس أن إسرائيل قامت بعمليات إنزال في عدد من المناطق في محاولة لفرض سيطرتها بالنار على كل الجنوب، محذراً من توسع عمليات الجيش الإسرائيلي في حال تأخر إعلان وقف إطلاق النار. ثم عرض العماد سليمان وجهة نظر قيادة الجيش إزاء انتشار الجيش الى جانب القوات الدولية في المنطقة العازلة وقال إن هذه البقعة ستتحول الى منطقة عسكرية وان الجيش سينتشر على مقربة من مزارع شبعا المحتلة. وأكد ان الجيش عندما ينتشر في هذه المنطقة، سيكون بين أهله وأنه ليس في وارد الصدام مع أحد أو شن هجوم ضد أحد، لكنه لن يستطيع الانتشار في حال بقي السلاح في هذه المنطقة. رد فنيش وردّ وزير"حزب الله"محمد فنيش مؤكداً أن لا مشكلة لدى الحزب في انتشار الجيش الى جانب"اليونيفيل"، لكن السلاح سيبقى في المخازن ولن نسمح لأحد بسحبه. وبرر ذلك بأن القرار الدولي لا ينص على سحب السلاح أو نزعه وان ما يقترحه قائد الجيش يفوق لجهة مضمونه ما ورد في نص هذا القرار، مؤكداً أن مسألة السلاح مرتبطة بالحل الشامل، وان هذا الحل غير متوافر حالياً طالما ان مزارع شبعا بقيت محتلة. وأضاف - كما يقول وزراء - ان الحزب انتصر في حربه العدوانية ضد إسرائيل ولم ينهزم، سائلاً:"هل يجوز التصرف معه وكأنه مهزوم وان تقوم وسائل الإعلام بالتقاط الصور لهذا السلاح أثناء إخراجه من المنطقة؟"وهل المطلوب أيضاً التقاط الصور للمقاومين وكأنهم مهزومون في الحرب ضد إسرائيل؟ وتضامن وزير"أمل"محمد خليفة مع فنيش في كل ما قاله وسأل عن الجدوى من إخراج السلاح طالما انه موجود في أيدي الناس في كل مكان، واصفاً القرار الدولي بالجائر وملوحاً بطريقة أو بأخرى بالاعتراض عليه، ومؤكداً الالتزام بنشر الجيش والقوات الدولية في المنطقة العازلة. وتحدث نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الوطني إلياس المر طالباً تأجيل البحث بموضوع إقامة منطقة عسكرية بحجة ان الخطة العسكرية وزعت على الوزراء قبل انعقاد الجلسة بنصف ساعة وبالتالي فهم يحتاجون الى مزيد من الوقت لدراستها والتشاور في شأنها مع القيادات المعنية قبل العودة الى مجلس الوزراء لمناقشتها. وأيد رئيس الجمهورية اميل لحود اقتراح المر واقترح عقد جلسة خاصة الاثنين اليوم لمناقشة هذه الخطة"فقوبل اقتراحه بالرفض من وزراء 14 آذار". مداخلة السنيورة وتقدم السنيورة بمداخلة شرح فيها بالتفصيل كل ما حصل في المفاوضات مع الجانب الأميركي في شأن مشروع قرار مجلس الأمن وقال انه كان على تشاور مع بري الذي كان يتواصل بدوره مع"حزب الله"، وأكد ان لبنان لا يستطيع الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي في رفض القرار أو في إدخال تعديل على الآلية المقترحة لانتشار الجيش والقوات الدولية في المنطقة العازلة بما يتعارض مع"ما كنا اتفقنا به مع مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش وتحديداً بالنسبة الى هذه المنطقة لجهة تحويلها الى منطقة منزوعة السلاح ولا يتواجد فيها أي عنصر مسلح باستثناء الجيش والقوات الدولية". وفي هذا الإطار نقل الوزراء عن السنيورة قوله انه اتفق مع بري وممثلين عن"حزب الله"حول كل التفاصيل"ولا أظن أن هناك من مشكلة"محذراً من لجوء إسرائيل الى استغلال أي إرباك لبناني لتمعن في عدوانها المدمر خصوصاً رداً على المواجهة العنيفة التي تلقاها من مقاتلي المقاومة. وأكد السنيورة - بحسب الوزراء - ان لبنان كان يطمح الى إدخال تعديلات على مشروع القرار الأميركي - الفرنسي أكثر من التعديلات التي استطاع إدخالها بالتعاون مع بري مبدياً استعداده للتقدم بمذكرة من مجلس الأمن تتعلق بالملاحظات اللبنانية على القرار وخلفياتها السياسية. وشدد السنيورة على ضرورة عدم التراجع عما كان التزم به لبنان أمام المجتمع الدولي. وتحدث لحود مجدداً واقترح أن تترك المسائل العملانية لقيادتي الجيش والمقاومة داعماً الرأي القائل بأن القرار لا ينص على إخراج السلاح من هذه المنطقة. لكن وزير الإعلام غازي العريضي ومعه عدد من وزراء 14 آذار، رفضوا اقتراح لحود. واستفسر العريضي عن الأسباب التي يمكن أن تدفع الى تأجيل البحث في الخطة العسكرية لقيادة الجيش والمنطقة العسكرية التي تطالب بها. وسأل العريضي:"صحيح أن الخطة تسلمناها اليوم، لكن مضمونها معروف وكان سبق لوزير الدفاع أن أكد في الجلسة الأخيرة التي قرر فيها مجلس الوزراء إرسال 15 ألف جندي الى الجنوب أن الجيش سينتشر فيه كما انتشر عامي 1991 وپ1992 عندما انتهت الحرب الأهلية في لبنان وبالتالي لن يسمح بالمظاهر المسلحة ولا بإبقاء السلاح في هذه المنطقة". وأشار العريضي الى ان مجلس الوزراء أيد بالإجماع كل ما قاله وزير الدفاع سائلاً عن الغاية من الحديث الآن بلغتين وعن المصلحة اللبنانية في إظهار الحكومة وكأنها منقسمة على نفسها. وكشف العريضي أن قائد القوات الدولية العاملة في جنوبلبنان آلان بيللغريني كان تبلغ هذا الموقف، الخميس الماضي وبادر الى نقله الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، وأيضاً الى إسرائيل مؤكداً أن الموقف اللبناني في هذا المجال لقي تأييداً دولياً. وسأل:"ماذا سنقول للمجتمع الدولي بعد كل الذي سمعناه ومن يتحمل مسؤولية حيال العودة عن موقف كنا اتخذناه". كما سأل أيضاً عن"المصلحة في تحويل الانتصار الذي هو بين أيدينا الآن الى هزيمة"، وقال:"نحن الآن أمام اتخاذ قرار جريء، مثل القرار الشجاع الذي اتخذه الإمام الخميني بإعلان وقف الحرب الإيرانية - العراقية". وأكد العريضي أن دور لبنان معروف"ولسنا مضطرين لتسديد فواتير للآخرين، أو تسجيل مواقف تتعارض ومصلحتنا لأسباب إقليمية". ورد العريضي على اقتراح لحود ترك الأمر العملاني لقيادتي الجيش والمقاومة وقال ان مجلس الوزراء هو وحده الذي يتخذ القرار وان المؤسسة العسكرية تنفذ ما يوصي به المجلس مع"احترامنا وتقديرنا للجيش والمقاومة"، مشيراً الى ان المسؤولية تقع أولاً وأخيراً على عاتق الحكومة ولا يجوز تحميلها أعباء قرار لم تتخذه أو إقحام الجيش في اتخاذ قرار بدلاً من توفير الغطاء السياسي لتنفيذ ما يصدر عن الحكومة. وتجدر الإشارة الى ان إخلاء المنطقة العازلة من السلاح لا يعني نزع سلاح"حزب الله"بمقدار ما انه يعني ان لا مشكلة في نقله الى خارج منطقة جنوب الليطاني لبحث مصيره على طاولة الحوار الداخلي حوله، مع ان القرار الدولي ينص صراحة على تطبيق القرار 1559 في شأن نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية الذي يتحفظ عنه"حزب الله".