"أريد بندقية كلاشنيكوف ومسدساً ورصاصات"، "هل لديك عبوة أو قذيفة آر بي جي؟ بكم؟". قد يبدو هذا الحوار للوهلة الأولى كلام مسلحين أو عناصر تنتمي الى عصابة تنوي شراء ما يلزمها من عتاد، لكن هذا جزء من حديث يدور في محلات بيع لعب الأطفال في بغداد، بين صبية صغار، لا تتجاوز أعمارهم عشر سنوات، والباعة. ومنذ ثلاث سنوات، هي عمر الحرب في العراق، زاد اقبال الاطفال على اقتناء اللعب لتقليد ما يرونه في الشارع"أسلحة ودبابات وهامرات عربات همفي ومفرقعات"، حتى اضطرت اكثر من منظمة انسانية تعنى بحقوق الطفل والأسرة الى دق ناقوس الخطر في تحول الأطفال الأبرياء الى شخصيات عنيفة مستقبلاً. وفي محل"قطر الندى"في حي زيونة في بغداد يقول البائع أحمد إن شراء اللعب وافلام الرسوم المتحركة والاقراص المدمجة المليئة بالعنف في تزايد، ولا يكاد يمر يوم من دون ان يبيع عشرات المسدسات والخوذ والخناجر والبنادق والسيارات العسكرية والطائرات المروحية والمقاتلين الآليين، وكلها محلية الصنع وبأسعار بخسة ما يرفع الطلب عليها. ويوضح ل"الحياة"ان"الطفل الذي يأتي بصحبة أمه أو أبيه هو الذي يطلب هذه اللعب بالحاح، ولا يبقى لوالديه غير دفع المال لارضائه". ويضيف ان هذه اللعب"يرغبها الصغار أغنياء وفقراء على حد سواء، فلم تعد البنت الصغيرة تطلب لعبة ولم يعد الولد يرغب بكرة قدم كما كان سابقاً"، مشيراً الى ان الحرب أثرت في نفوس الاطفال اكثر من سواهم، وبات بعضهم يرى في الجندي الاميركي رمز القوة الذي يجب التمثل به، فيشتري ملابسه وعربات هامر وأسلحته وعتاده ويحاول التشبه به وتقليده". وتلفت أم ريم، وهي ام لثلاثة أطفال، ان ولديها يملكان عشرات الأنواع من لعب الاسلحة:"مسدسات الماء وبنادق رشاشة بعضها يطلق رصاصاً مطاطياً صغيراً وطائرات وغيرها". وتزيد:"في كل مناسبة يطلب الاولاد المزيد منها لا سيما الأنواع الجديدة". وتتابع أن ابنتها ريم تمثل دور الحرامي، فيما يمثل احمد ومحمد دور جنديين اميركيين وأحياناً شرطيين عراقيين، وهم يتراكضون في حديقة الدار ويطلقون الرصاص، وقد تستمر اللعبة أياماً الى حين القاء القبض على المجرم او الارهابي او بالأحرى"ريم". لعب الاطفال هذه لم تكن معدومة او ممنوعة في السوق المحلية قبيل الحرب الأخيرة، لكن كمياتها في السوق مقارنة مع انواع اللعب الأخرى كانت ضئيلة حتى شهدت السوق العراقية على مدى التسعينات تزايداً في استيرادها وتصنيعها. يقول التاجر محمود ناجي إن العاب الأسلحة تستورد من الصين وهي رخيصة، لكن الكثير منها"يصنع محلياً ومن مواد غير صالحة في كثير من الاحيان مع غياب عين الرقيب"، مشيراً الى"وجوب خضوع هذه اللعب للفحص لبيان السنوات العمرية المناسبة لكل طفل، فهناك ألعاب لما قبل الثالثة وهناك لما بعد السابعة، وهكذا بالاضافة الى بيان جودتها وعدم تسببها في ايذاء الطفل الذي يشتريها". ويؤكد ناجي ان"التلفزيون وأفلام الرسوم المتحركة والإعلانات الجذابة تلعب دوراً بارزاً في ما يرغب به، ويضاف الى ذلك ما يراه الطفل بأم عينه من مظاهر مسلحة في الشارع"، لافتاً الى ان"عربة هامر الاميركية هي اكثر الألعاب رواجاً، وسعرها لا يتجاوز الخمسة آلاف دينار عراقي، أي ما يعادل الدولار". ويتابع أن"بعض الأطفال يسألون عن السلاح النووي او أسلحة الدمار الشامل او سيارة مفخخة". "ثقافة العنف ومحاكاة الواقع أخطر ما يواجهه الطفل العراقي"، هذا ما يؤكده اخصائي علم الاجتماع موفق خالد، ويضيف ان"ما يعيشه الطفل من خوف مكبوت لا يعرف التعبير عنه في ظل التدهور الأمني يدفعه لا شعورياً الى اخراج قلقه الكامن في شخصية عدوانية، وهذه الشخصية في حاجة الى ما يؤمن لها الأمن، وهي بحسب تفكير الطفل اللعب الأسلحة". وتشير أم عمر، وهي أرملة، الى ان ابنها 9 سنوات طلب شراء بندقية كلاشنيكوف ليحميها بعد مقتل والده. وهو لا ينام إلا والبندقية بجانبه، وتقول:"حاولت ان ابدل نوعية ألعابه إلا انه استمر بالبكاء واضرب عن الطعام". وتلقي باللوم على تجار لعب الاطفال واصحاب المحلات التجارية الذين استغلوا الوضع وزادوا استيراد لعب السلاح. ويؤكد خالد ان اللوم يقع على الأهل في الدرجة الأساس"فأين الألعاب التي تنمي عقل الطفل وتقوي مهاراته ومعلوماته وأين حكايات ايام زمان"، مؤكداً أن الأهل مشغولون بلقمة العيش عنها حتى تركوا أطفالهم في عالمهم وحيدين أمام مشاهد القتل والذبح والانفجارات".