صعد علي ثمانية أعوام إلى سطح منزله في البقاع. البقاع هو منطقة سهلية في لبنان، يكثر فيها الأطفال. استل بندقية بلاستيكية، هدية العيد، متوعداً رفاقه المرابطين في الشارع. رفاق علي في مثل سنه، تأبط كل منهم سلاحه الجديد، متوجهاً صوب ساحة الاحتفال أو المعركة. السيف البلاستيكي كان السلاح الأقل انتشاراً في معركة الأطفال هذه، نظراً إلى عدم أهليته في الحرب العصرية. اكتفى محمد سبعة أعوام بحراسة محيط الشجرة، بعدما وعده رفاقه بإشراكه في"حرب الشوارع"المقبلة حيث يكون سيفه اكثر فاعلية في قتل الأعداء. الكلاشنيكوف الأسود المزود بكيس من رصاص"الخرز"طلقات صغيرة مستديرة الشكل، يطغى على المكان. الأهل يعرفون خطورة هذه اللعبة، خصوصاً أن إحدى بلديات المنطقة منعت بيع ما وصف ب"الألعاب الخطيرة"منذ عامين، قبل أن تتركه مباحاً العام الحالي. عبأ الرفاق بنادقهم بالذخيرة المطلوبة، معلنين بدء الحرب. انتهت الجولة الأولى برصاصة بلاستيكية أفقدت علي إحدى عينيه. الألعاب الخطيرة أو الأسلحة المؤذية هي بالضبط ما تذخر به محال الألعاب الكبرى في لبنان. والسبب أن"الطلب يتركز على المسدسات، البنادق، ومجسمات سيارات الجيش والدبابات"، يقول البائع في أحد المخازن. ويشير إلى رف صغير تحت لافتة"علم طفلك الإبداع"يحوي صوراً ودفاتر وألواناً وعجينة ملونة، معلناً أن الأهالي أنفسهم لا يسألون عما"ينمي ذكاء أطفالهم، وقلما تهمهم الطريقة التي يعبرون بها عن أنفسهم". في الركن الرئيسي من صالة العرض، وقف الأب مذهولاً مما تفوه به ابنه للتو."دبابة"كانت الكلمة الثالثة التي يتلفظ بها الصغير بعد"ماما"و"بابا"مشيراً الى آلة عسكرية صغيرة تعمل على البطارية، وتخرج أصوات إطلاق نار وقذائف وتحرك مقدمتها يميناً ويساراً. الطفل هو الثالث في الترتيب العائلي، و"تقليد أخويه الكبيرين مرحلة أساسية يمر بها تطوره العقلي"، يقول الوالد فرحاً بنمو الصغير الذي بدأ يستخدم حواسه للتعبير عما يريد. ينفصل المتجر الكبير إلى ركنين رئيسين. الأول يزخر برسوم الرجل العنكبوت،"سوبر مان"،"ماتريكس"وغيرها من الألعاب"الذكرية"الطابع، والثاني يغلب عليه لون الزهر الأنثوي، صور"باربي"العملاقة، الجميلة النائمة، علب الماكياج وأدوات المطبخ. الركنان متجاوران، لكن كثافة الحضور تتركز في القسم المخصص للفتيات لافت للنظر". لم تعد الصغيرات يرضين بما تختاره لهن أمهاتهن. اكثر ما يثير إعجاب الفتيات هو الأسلحة والجنود، خلافاً للمألوف"، يقول العامل ساخراً مما سمّاه جيل"نساء حديديات"مرتقب في الأعوام المقبلة. الى جانب خطورة أنواع معينة من الألعاب على الصغار، تجدر الإشارة إلى أن نوعية هذه الألعاب البلاستيكية المستوردة في الأغلب تبقى مثار شك."تكفي أن تقترب الدمية حتى تفوح منها رائحة مواد كيماوية"، تؤكد إحدى الأمهات محاولة إقناع ابنها شراء دراجة هوائية يقودها في قريته أثناء العطلة.