لم تحمل إطلالته التلفزيونية الأخيرة الكثير من تلاويح السلم، بل انها كرّست احتكاره بصرياً للحزب، بمعنى أن السيّد حسن نصر الله تحول الى حضور أيقوني ل"حزب الله". وفي تلك الأيقونية، يبدو التلفزيون مساوياً لما يحصل في نواح أُخرى من اشكال حضور الثقافة البصرية في الحرب. فبمعنى ما، تساوت الشاشة الفضية مع اليافطات وأوراق البوستر والمنشورات ورسوم الجدران، في جعلها صورة السيد ايقونة للحزب، وخصوصاً للحرب بين المقاومة الاسلامية واسرائيل. وكالكثير من الأيقونات، ترافق ذلك الحضور الكثيف، مع كثير من الغياب. لا وجه لمن يقاتل في الجنوب، مثلاً، سوى صور قليلة وزعها الجيش الاسرائيلي عن أسرى مفترضين من"حزب الله". والارجح انها مفارقة مذهلة، إذا ما قيست مع الوثائق البصرية، وخصوصاً التلفزيونية، لحروب سابقة مماثلة. ففي الافلام التلفزيونية عن حربي 1978 و1982، يكثر حضور مقاتلي المقاومة والحركة الوطنية اللبنانية. ومثلاً، يظهر هؤلاء بكثرة في جيبات عسكرية تثبتت عليها رشاشات مضادة للطائرات. كما تقدمهم تلك الأشرطة التلفزيونية الوثائقية في صور تقليدية للمليشيات التي تجول باستمرار في الشوارع والأزقة والأحياء. لا شيء من ذلك في الحرب الراهنة على لبنان. فعلى شاشات التلفزة،"يظهر"مقاتلو"حزب الله"وكأنهم في صورة الأشباح، التي لا تُرى بالعين لكنما يكثر الكلام عن أفعالها. وفي المناظرات التلفزيونية، اختصر الحزب حضوره بوجوه قليلة أُذن لها ان تُصرح باسمه في الايام الأولى للحرب. ثم أمر السيد وجوه حزبه بالإمتناع عن النقاش، ما أعاد الحزب الى حضور"الشبح البصري"، الذي كرسّه الحضور الأيقوني للأشرطة المدروسة بعناية لأمينه العام. لم تستطع اسرائيل كسر تلك الشبحية. ليس فقط انها غطت وجوه من قدمتهم باعتبارها أسرتهم من الحزب، بل انها لم تقدم من مقاتلي المقاومة سوى جثث غير مميزة الملامح، ما زاد في الملمح الشبحي للحضور البصري للحزب في الحرب التي اندلعت وانتهت؟ على اسمه. ثمة حضور شبحي آخر: المواطن العادي، في لبنان والوطن العربي، المُعارض للمقاومة! ربما يبدو هذا الكلام ثقيلاً في ظل الدمار العنصري لآلة الحرب الاسرائيلية، لكن التلفزيونات التي غطت أحداث هذه الحرب، بدت مُجمعة على تجنب المواطن اللبناني والعربي المُعارض للمقاومة. اقتصر حضور تلك المُعارضة على وجوه بعض الرسميين والقادة الحزبيين والكثير من المُحللين الذين اندلعوا فجأة، كنار زائفة، على الفضائيات العربية. ولربما عاد الأمر الى شيء عادي تماماً، وهو التأييد الهائل الذي لقيته المقاومة. بعض ذلك التأييد وجد وجوهاً تلفزيونية تُعبر عنه، مثل مظاهرات تأييد المقاومة ورفض العدوان، وربما ان الكثير منه بقي حبيساً في صدور لم تلتقط كاميرات الفضائيات العربية وجوهها، فظلت أشباحاً بصرية يحبسها غياب العمق الديموقراطي عن العالم العربي وانظمته ومجتمعاته وثقافته البصرية.