ثمة اختلال كبير في موازين الحرب الإسرائيلية الشرسة الجارية ضد لبنان واللبنانيين. فإيران التي تتهمها الولاياتالمتحدة واسرائيل بدعم"حزب الله"اللبناني، لم تبد، على الأقل حتى الآن، أي إشارة الى إنزعاجها أو عدم إرتياحها الى قرارات اسرائيل المتعلقة بإدامة الحرب ضد لبنان واستدعاء ألوية عسكرية إحتياطية للخدمة وإلحاق ضربات اضافية ب"حزب الله". بل على العكس، يصح القول، بقليل من التردد، إن ايران تشعر بغبطة خفية كلما صرح مسؤول اسرائيلي أو أميركي بأن الظروف لم تنضج حتى الآن لوقف نار الحرب الاسرائيلية ضد"حزب الله". في المنحى ذاته، لم تطلق طهران أي دعوة صريحة الى وقف النار في لبنان، ولم تعلن استعدادها لمساعدة المجتمع الدولي في هذا الإتجاه. بل على العكس، يشير أكثر من مراقب سياسي ايراني الى أن أروقة السياسة في طهران تتحدث هذه الأيام، وإن بهمهمة غير مسموعة، عن انتصار ايراني آخر ضد سياسات الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش، مفاده نجاح مسعى طهران في إحتمال جر أقدام أميركا واسرائيل الى مستنقع دموي جديد في لبنان يضاف الى المستنقعين العراقي والافغاني. في هذا الإطار، ترى طهران أن استمرار الحرب وإطالة عمليات القصف الجوي يمكن أن تزيد من وتيرة الضربات الجوية والبرية الاسرائيلية ضد"حزب الله"اللبناني. كما يمكن أن تضاعف من تدمير بنيته التحتية وتقليص نفوذه السياسي في لبنان. لكن قبل هذا وذاك، يمكن أن تساعد في المحصلة النهائية في تحقيق مجاني لمجموعة من أهداف ايران: فاستمرار الحرب، في منطق طهران، يساعد في تفاقم حالات الاضطراب السياسي وإنشداد الأعصاب والإحتقانات السياسية لا في لبنان واسرائيل فحسب، بل في كل الشرق الأوسط والعالم العربي، والى حد ملحوظ في أوروبا والولاياتالمتحدة. وهذا في حد ذاته كفيل بانصراف واشنطن الى التعامل اليومي المباشر مع تداعيات الأزمة اللبنانية الاسرائيلية، ما يفضي الى تخفيف الضغط عن ايران وصرف الانظار عن ملف برنامجها النووي. هنا، لا يستبعد الايرانيون أن يؤدي كل هذا، الى إلحاق مزيد من التعقيدات بالموقفين السياسي والعسكري للولايات المتحدة في العراق. كما أن استمرار دوامة الحرب قد يساعد، أيضاً، في تعاظم الشعور في واشنطن بأن ايران تمثل بالفعل عاملاً اساسياً في معادلات المنطقة السياسية، وأن الوضع أصبح يتطلب فتح حوار مباشر معها حول الشأن اللبناني. وهذا في حال حدوثه يعني ان ايران ستمتلك ثلاثة عروض أميركية للحوار: الأول حول الملف الأمني والسياسي العراقي. وكانت واشنطن عرضته على طهران قبل نحو أربعة أشهر لكن الايرانيين ردوا على العرض بقولهم أن الوقت لم يحن لمثل هذا الحوار. والثاني حول البرنامج النووي الايراني حين وافقت الادارة الاميركية قبل شهرين على المشاركة في مفاوضات الترويكا الاوروبية زائد روسيا والصين مع طهران في حال قبلت ايران بنظام الحوافز مقابل التخلي عن تخصيب اليورانيوم. والثالث هو الحوار الذي تترقبه ايران حول ملف لبنان. الى هذا، قد يساعد استمرار الحرب في لبنان في ظهور تشققات جديدة في الموقف الدولي خصوصاً في ظل تمسك الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، مثل فرنساوروسيا، بالقول إن الحاجة تستدعي العمل السريع لوقف النار واللجوء الى القنوات الديبلوماسية بغية إيجاد حل مرض مع"حزب الله"، وتمسك دول أخرى مثل أميركا وبريطانيا، بتأييد غير معلن لخيار استمرار استخدام القوة بذريعة ان الظروف لم تنضج بعد لوقف النار. علاوة على هذا كله، يمكن للحرب في حال استمرارها أن تنتهي الى تفجير الوضع الداخلي اللبناني وإعادة الأوضاع السياسية والاقتصادية في لبنان الى نقطة الصفر. وهذا في حسابات طهران يعني تسجيل فشل آخر لجهود الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط وإلحاق ضربة قاصمة أخرى بمشروع السلام الأهلي والبناء الاقتصادي في لبنان، الذي تفسره ايران بأنه مشروع أميركي. الى هذا كله، ترى طهران أن استمرار الحرب اللبنانية قد يضيف الى حرج واشنطن في علاقاتها مع عدد من الدول العربية. والى ذلك كله، يمكن لاستمرار الحرب أن يضاعف الضغوط على إقتصاديات لبنان وبقية الدول العربية بما فيها سورية. فالحرب أياً تكن طبيعة مساراتها تضع أكلافاً باهظة على كاهل الدول والأطراف المنخرطة بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب. كما أنها قد تساعد في ارتفاع اسعار النفط. لهذا كله، قد لا نغالي في القول إذا اعتبرنا أن القرار الاسرائيلي الخاص بإطالة أمد الحرب لأسابيع أو أشهر، قد يفيد اسرائيل لجهة إلحاق مزيد من الأضرار البشرية والاقتصادية والاستراتيجية بلبنان واللبنانيين و"حزب الله". لكن الأكيد أن ايران، ومن ورائها بعض دول الجوار اللبناني، ستكون المستفيدة الأولى من استراتيجية الحرب الطويلة في لبنان. * كاتب عراقي