لم يتأخر الاسرائيليون كثيراً بعد الانفجار الذي وقع في أحد المواقع العسكرية بالقرب من طهران، في وضع انفسهم في واجهة الاعتراف غير المباشر بعلاقتهم بهذا الانفجار. بل ان العديد من المسؤولين تسابقوا على التعبير عن فرحتهم ومنهم من وصل الى الاستنتاج ان الانفجار الذي ادى الى مقتل واصابة عشرات من عناصر الحرس الثوري الايراني وقياديين وفي مقدمهم الجنرال حسن مقدم، سيساهم في ابطاء خطة الصواريخ الايرانية بخاصة «شهاب -3» التي تشكل خطراً كبيراً في أي حرب مقبلة وبإمكانها اصابة العمق الاسرائيلي والحاق الاضرار البالغة بالجبهة الداخلية. «موساد» لا يتطرق ولا يعلق على عمليات تحصل في الخارج، سواء كان على علاقة بها أم لا، وهو اصلاً لا يعلن عن عمليات ينفذها، لكن لديه طرقاً كثيرة لقول كلمته. ووسائل الاعلام الاسرائيلية ومواقع عبرية مقربة، ويديرها اشخاص قضوا سنوات طويلة فيه، لم تتأخر في الترويج والتهليل لهذا الانفجار. وبعد ساعات قليلة من الاعلان عن وقوعه كانت تقارير اسرائيلية تتحدث عن عملية تفجير ناجحة. بل هناك من قام بمقارنتها بعملية دير الزور في سورية عام 2007 وانفجارات سابقة وقعت في ايران ونسبت وسائل الاعلام العبرية للغرب القول ان ل «موساد» علاقة بها. ودرجة التفاخر الاسرائيلي بالعملية وصلت الى حد نشر التقارير تحت عنوان: «تصفية قائد منظومة الصواريخ الايرانية». واستعرضت صحيفة «يديعوت احرونوت» في صفحاتها تاريخ حسن مقدم في سياق الحديث عن الانجاز الكبير، فوصفته بالجنرال والقائد الأعلى لمنظومة الصواريخ الايرانية، ونشرت قائمة طويلة بأسماء الصواريخ التي يقف خلف صناعتها وخطورة هذه الصواريخ على اسرائيل. نشرت صورة مقدم مقابل صورة محمود المبحوح، القيادي في «حماس» الذي اغتيل في دبي، واتهمت الشرطة هناك «موساد» بالوقوف وراء اغتياله. ومما نشر عن مقدم فانه الجنرال الذي قام عام 1984 بتطوير برنامج صواريخ «أرض أرض»، وأسس وحدة المدفعية في حرس الثورة الايراني، كما أسس الوحدات الصاروخية، وكانت له مساهمة كبيرة في بناء قوة الردع الإيرانية. اما الموقع الالكتروني لصحيفة «هاآرتز» فتجاوز الامر الى الدخول في تفاصيل علاقة تنظيم المعارضة الايراني «مجاهدين خلق» ونشاطه غير المباشر مع موساد و «السي آي ايه» وقال: «التنظيم المعروف باسم «مجاهدين خلق» مشمول في قائمة التنظيمات الارهابية في الولاياتالمتحدة الاميركية، لكن المعروف ان الجبهة السياسية فيه ناشطة في واشنطن منذ اكثر من عشر سنوات وتحصل على تمويل من جهات محافظة». وأضافت الصحيفة «التنظيم المعارض في ايران هو تنظيم يجري استغلاله من قبل الموساد والسي آي ايه». ولم تكتف الصحيفة بذلك بل نشرت صوراً لموقع الانفجار والمخازن الكبيرة للصواريخ ونقلت عن مصادر اجنبية ان الانفجار يأتي في اطار الحرب السرية التي تقودها اسرائيل ضد ايران. لم يخف المسؤولون الاسرائيليون قلقهم من النشر المكثف عن الانفجار والتطرق الى انجازات الموساد، خصوصاً بعد أن نشرت هذه الأنباء في صحيفة «واشنطن بوست». وهناك من رأى ان الاعلان الذي اصدره مكتب بنيامين نتانياهو، مساء الخميس، الذي سبق الانفجار، حول جلسة الحكومة له علاقة هو الآخر في الموضوع. اذ ان الاعلان جاء بأن جلسة الحكومة الاسبوعية ستبحث الملف النووي الايراني بكامل وزرائها وبحضور ممثلين عن اجهزة الاستخبارات العسكرية. واللافت ان ابحاث الحكومة في مواضيع حساسة كهذه تقتصر على المجلس الامني المصغر او منتدى الثماني لوزراء الحكو مة. والبعض رأى ان الدعوة لهذا الاجتماع الموسع جاء تحسباً لأن تكون نتيجة الانفجار مختلفة وأخطر مما انتهت اليه. ماذا لو ألقيت قنبلة نووية علينا؟ الانفجار في طهران جاء في ذروة النقاش الاسرائيلي لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وكيفية التعامل مع الملف النووي، عموماً، واذا كان على اسرائيل أن توجه ضربة ضد ايران ام تنتظر ما يبلوره المجتمع الدولي من موقف لتشديد العقوبات عليها ومن ثم تبلور اسرائيل موقفها، على حد ما قال وزير الخارجية، افيغدور ليبرمان. ومع نشر التقرير انضمت المعارضة الاسرائيلية إلى الحديث عن توجيه ضربة عسكرية ضد ايران، فحزب «كاديما»، الذي كان اعلن معارضته لضربة عسكرية ورأى ان التوجه نحو مفاوضات سلام مع الفلسطينيين هو المطلوب الآن من أجل تجنيد دعم عربي لهذه الضربة، خرج في موقف مغاير، عبر زعيمته تسيبي لفني التي قالت: «على ايران ان تدرك ان جميع الخيارات مطروح وعلى العالم ان يتوحد لمنعها من هذا التسلح». وتشديد لفني على ان جميع الخيارات مفتوح جاء رداً على سؤال عن تنفيذ عملية عسكرية. اما الرئيس السابق ل «شاباك»، افي ديختر، وهو أيضاً من حزب «كاديما» المعارض، فتجاوز مسألة التلميح الى ان الضربة العسكرية لم تسقط من البحث، وقال: «في ظل ما نراه، اسرائيل لا تستطيع إلا أن تصدر التعليمات والاوامر للجيش والاجهزة الامنية للاستعداد لاحتمال ان نصل الى وضع لا يكون امامنا فيه أي مجال سوى الخروج الى معركة عسكرية للحفاظ على حياتنا. وعلى اسرائيل ان تكون مزودة بالقدرات الضرورية». سيناريوات الحرب المتوقعة وما بين هذه التصريحات والتهديدات المباشرة من قبل نواب اليمين ومناقشة سيناريوات نتائج ضربة عسكرية على ايران، كان الجيش الاسرائيلي يستعرض مختلف الاحتمالات. وفي مركز هذا الاستعراض التدريبات على سيناريوات الحرب المتوقعة في حال وجهت ضربة عسكرية ضد ايران. والسيناريو الأبرز يتمثل في ان رد الفعل الاول للضربة سيؤدي الى تدخل «حزب الله» من لبنان و «حماس» من غزة بقصف اسرائيل بالصواريخ. وعلى هذا السيناريو يركز هذه الايام الجيش تدريباته التي بدأها مع ما يسمى «كتيبة 13» التابعة للواء «غولاني» في جبال الكرمل في حيفا، باعتبار ان جغرافية هذه المنطقة شبيهة بالجنوب اللبناني. وأعلن الجيش انه استخدم في هذه التدريبات معدات عسكرية مختلفة ورشاشات ثقيلة وقذائف هاون ونيران قناصة، كما تدرب على اقتحام مواقع وهمية يتوقع ان يتمركز «حزب الله» فيها. ومثل هذه الأنواع من التدريبات تجرى في أوقات الليل لإعتقاد الجيش أنها ستكون أكثر أماناً، وخشية من تعرض قواته لهجمات معادية في النهار، كما حصل خلال حرب لبنان الثانية عام 2006». ولم تقتصر المناورات على التدريبات في ارض المعركة انما شملت الناحية الاستخبارية ايضاً، وهو الجانب الذي تواصل اسرائيل الترويج لانجازاتها فيه منذ انتهاء حرب لبنان الثانية. ففي موازاة التدريبات أعلن الجيش انه ادخل طائرة «ايتان» الاستخبارية الى سلاح الجو باعتبارها الأكثر نجاعة من الناحية الاستخبارية والتي قد تخدمه ليس فقط في سماء لبنان وغزة انما تصل إلى ايران والسودان. وجاء في وصف هذه الطائرة انها على رغم حجمها الكبير لا يمكن رصدها من الارض وتستطيع التحليق لفترة عشرين ساعة متواصلة وبارتفاع واحد واربعين الف قدم وبسرعة مئتين وستين كيلومتراً في الساعة ويمكنها جمع معلومات استخبارية دقيقة وفي اصعب الظروف. الترويج لأجواء حربية يساهم في زيادة القلق لدى الاسرائيليين من خطر الحرب وتساؤلاتهم عما اذا كانت اسرائيل قادرة بالفعل على حماية السكان. وهنا يدخل دور قيادة جيش الدفاع المدني عبر اجراء التدريبات على كيفية الانقاذ والتصرف في حال تعرضت اسرائيل لقصف صاروخي، بما في ذلك صواريخ غير تقليدية. وأجريت التدريبات هذه المرة في غوش دان، في منطقة تل ابيب حيث توقعت التقارير الاسرائيلية ان «حزب الله» وايران وحتى «حماس» يملكون الصواريخ القادرة على اصابة العمق الاسرائيلي. ولكن الجهود التي بذلتها القيادة العسكرية ومعها وزير الجبهة الداخلية، متان فلنائي، لطمأنة السكان لم تقنع الكثيرين. واذ عجزت قيادة جيش الدفاع المدني عن طمأنة السكان فإن هناك من يطرح مواقفه حول الضربة العسكرية على ايران بما يشعر معظم الاسرائيليين انه في مرمى الصواريخ القاتلة وهذا ما اظهره الخبير في الحروب اوري ملشطاين الذي تساءل: «وماذا سيحدث اذا سقطت قنبلة نووية على اسرائيل؟ هل سيهدد قرار ايران بإلقاء قنبلة نووية وجود الدولة العبرية»؟. ويرد: «برأيي، لا. بفرضية الحالة الاسوأ، في أن تطوير ايران قنابل نووية من الطراز الذي طورته الولاياتالمتحدة عام 1945، فان القاء قنبلة كهذه على غوش دان، مثلاً (في منطقة المركز في تل ابيب) سيوقع، حسب النموذج الياباني، نحو 200 ألف قتيل وسيلحق ضرراً كبيراً بالاملاك. الغالبية الساحقة من الاسرائيليين ستبقى على قيد الحياة، ومعظم دولة اسرائيل لن يتضرر. ورداً على ذلك ستستخدم اسرائيل على الفور قدراتها الهجومية، التي هي ذات قوة تدميرية أكبر بكثير»، ويضيف: «اذا ساعد «حزب الله» وسورية الهجوم الايراني بإطلاق عشرات آلاف الصواريخ التقليدية، واذا ما قتل بضعة آلاف آخرين من الاسرائيليين، فستتمكن اسرائيل من تدمير سورية وجنوب لبنان على الاقل. لن يتم القضاء علينا ولن تهدد هذه الصواريخ وجودنا».