تجذب المنطقة الساحلية في سورية آلاف العائلات الخليجية خلال فصل الاصطياف بين حزيران يونيو وأيلول سبتمبر. ويلاحظ المسافر على الطريق الدولية بين دمشق وحمص، ثم غرباً نحو محافظتي طرطوس واللاذقية عشرات السيارات الخليجية المتجهة يومياً نحو المناطق الجبلية على الساحل السوري وشواطئ المحافظتين المكتظة بعشرات آلاف المصطافين السوريين بعد انتهاء موسم الامتحانات في البلاد. تمتاز المناطق الساحلية السورية بتداخل بديع بين الشاطئ والجبل، التي تتحول في مناطق كثيرة إلى غابات مع توزع عشرات البلدات والقرى عليها في منظر يأسر الألباب، ويشكل مصدر جذب للمصطافين الذين يستطيعون النزول الى الشاطئ والعودة الى حيث يقطنون خلال وقت قصير. تداخل البحر والجبل وتبرز بين تلك المناطق رأس البسيط، التي تبعد نحو 40 كيلومتراً شمال اللاذقية، وتعد من أجمل المواقع السياحية على البحر الأبيض المتوسط، فيها خليج واسع هادئ ذو زرقة لازوردية صافية تحيط الجبال والتلال الخضر به، وتتناثر في ظل أحراجه الشاليهات والمخيمات والمطاعم التي تكمل مع مقاهي البحر رونق هذا الإطار الطبيعي الخلاب. تقدم منطقة رأس البسيط خدمات سياحية متنوعة تبدأ بمستويات بسيطة وأقرب الى الشعبية، ولتصل الى مراتب فخمة حيث الشقق والشاليهات الفارهة فضلاً عن الفنادق التي بدأت تقام في المنطقة. ويشير إبراهيم، أحد مالكي هذه الشقق، الى أن"جمال المنطقة ورخص الأسعار يجذبان نسبة تزداد عاماً بعد آخر من أهالي دول الخليج عموماً، ومن السعودية خصوصاً". ويضيف إبراهيم أن إيجار الشقة"يختلف بحسب درجة تأثيثها وموقعها وفخامتها، إذ تتراوح عموماً بين ألفي ليرة سورية وعشرة آلاف لليلة الواحدة الدولار يعادل 51 ليرة"، مشيراً الى"توافر كل الخدمات في المنطقة وبمواصفات ممتازة". يستند تفضيل السياح الذهاب الى تلك المنطقة إلى جمعها بين منتجين سياحيين يتمثل الأول بشواطئ البحر والثاني بروعة الجبل القريب جداً من الشاطئ، بحيث لا تتجاوز المسافة بينهما في بعض المناطق بضعة كيلومترات. ويقول ماجد، السعودي الجنسية، الذي يزور المنطقة مع مجموعة من أصدقائه أنه جاء اليها"بعدما تعرّف إلى المناخ اللطيف والأسعار المعتدلة مقارنة بالدول المجاورة خلال زيارته للمنطقة العام قبل الماضي". ويشير الى"روعة الجو خصوصاً في المنطقة القريبة من الشاطئ، إذ تتدنى نسبة الرطوبة في شكل كبير وتكثر أشجار الفاكهة من مختلف الأصناف". في صلنفة، يبدو المشهد أكثر جمالاً، إذ جعل ارتفاع المنطقة تبعد نحو 50 كيلومتراً شرق اللاذقية نحو 1200 متر عن سطح البحر هواءها منعشاً مع إحاطتها بمناظر خلابة من كل الجهات، وينسحب ذلك على كسب الواقعة على بعد 65 كيلومتراً شمال اللاذقية وسط غابات جبال الأقرع، وعلى ارتفاع 800 متر عن سطح البحر الذي يُرى منها بسهولة ويسر. واللافت أن ظاهرة إقدام السياح الخليجيين على شراء فيلات وشقق فخمة في المنطقتين، بدلاً من استئجارها حوّل اصطياف هؤلاء الى تقليد سنوي، فتأتي العائلة بكاملها أو عدد من أفرادها بحسب التزاماتهم. تأتي أم عبدالله سنوياً مع زوجها وبعض أبنائها الأربعة الى صلنفة، وباتت تعرف المنطقة جيداً وتصر على النزول بنفسها الى الأسواق لابتياع ما تحتاج اليه العائلة في فترة اصطيافها التي لا تتعدى الشهر عادة. وتصف أم عبدالله المناظر ب"الرائعة، ويمضي أبنائي أياماً جميلة بعد عام كامل من العمل أو الدراسة". طرطوس وجزيرة أرواد والى الجنوب من اللاذقية تتوالى المواقع الخلابة وصولاً إلى طرطوس التي تبعد نحو 90 كيلومتراً منها، واتسعت المنشآت السياحية خلال السنوات الماضية، فأقيمت قرى وشاليهات على الشاطئ الجنوبي للمدينة. وتظهر في شكل خاص منطقة المنطار التي تتداخل فيها البساتين الكثيفة مع الشاطئ الجميل ومئات الشاليهات الفخمة المبنية بالحجر مع أسطح قرميد، ما أضفى عليها مزيداً من البهاء والجمال. تبعد المنطار من طرطوس نحو 17 كيلومتراً، ويستطيع السائح قضاء أوقات جميلة على شاطئها والعودة إلى الشاليه، الذي لا يبعد أكثر من 200 متر من البحر، فضلاً عن إمكان الذهاب في جولة تسوّق في طرطوس التي تبعد بالسيارة نحو ربع ساعة. وتنسحب سمة رخص الأسعار في الخدمات السياحية على شاليهات المنطار، بحيث يتراوح إيجار الشاليه لليلة الواحدة بين ثلاثة آلاف ليرة سورية و7 آلاف، بحسب الموسم ومساحة الشاليه وفخامته. إذ شكلت هذه الأرقام على ما يبدو دافعاً كبيراً لقدوم أعداد متزايدة من السياح العرب، فيرى أحمد من الاردن الذي ترافقه زوجته لقضاء أسبوع في المنطار أن"الأسعار منخفضة نسبياً وينطبق ذلك على الطعام والخدمات، ما يشجع كثراً بالفعل على الاصطياف في سورية". كما أنه يأتي باستمرار الى الساحل السوري لقضاء بضعة أيام مع عائلته، ملاحظاً"حصول تقدم مستمر في الخدمات بدءاً من الطرق وحتى أماكن الإقامة ونظافة الشاطئ". ويضيف سعيد، الكويتي الجنسية، الى هذه المقومات، الهدوء الذي يلف المنطقة، بحيث"يمكن المرء الانعزال عن العالم وسط هذه الأماكن الطبيعية". كما يشعر ب"راحة تامة خلال قضاء إجازة الصيف في سورية، ما جعله يعدل عن زيارة دول أخرى كان يقضي فيها إجازته قبل التعرف على الطبيعة السورية". وتتيح زيارة طرطوس فرصة الذهاب في رحلة بحرية قصيرة الى جزيرة أرواد، التي تبعد نحو ثلاثة كيلومترات عن شاطئ طرطوس. تمتاز أرواد بجمالها الطبيعي وبساطتها الآسرة، وهي عبارة عن كتلة من البيوت والحصون المتراصة على بعضها بعضاً، وأسوار تغسل الأمواج حجارتها الضخمة، وتزيّن حوض مرفئها الأشرعة والزوارق بالألوان الزاهية والمقاهي الشعبية الصغيرة المطلة على البحر وعلى طرطوس. تضم الجزيرة قلعة قديمة تحولت متحفاً خاصاً لآثار الجزيرة وللتقاليد البحرية، فضلاً عن أن جدرانها تؤرخ لكتابات المقاومين السوريين ضد الاحتلال الفرنسي مطلع القرن الماضي وأواسطه.